الابتزاز باسم المساعدة القضائية

يجب على المحاكم إذا تبين لها أن الدعوى تعسفية أو كيدية أن تحكم على المدعي بأداء الرسوم القضائية مر التقاضي أمام القضاء والمحاكم بمراحل، إذ كان مجانا، ولا يكلف من طرق باب القضاء بأداء أي رسم باعتبار أن العدالة وهي من صفات الخالق سبحانه، الذي جعل الإنسان مستخلفا وساهرا على أداء رسالتها، وبينت الكتب السماوية مزية الحكم بالعدل فهو أساس العمران وهو أساس الملك. لما تعقدت الحياة الاجتماعية، وكثرت المنازعات، وتفاحشت الخصومات، خصصت الدول جهازا ليقوم بدور القاضي والحكم بين المتنازعين، وأصبح هذا الجهاز في حاجة ماسة للوسائل المادية والبشرية التي تساعده على أداء مهامه. هذا الجهاز أطلق عليه في الدولة العثمانية وفي مصر سابقا وزارة الحقانية ، أي وزارة الحق، أو وزارة العدلية أو وزارة العدل، ودعت الضرورة لسير ذلك المرفق، أن يساهم الخصوم بأداء رسوم رمزية وتحملت الدولة القسط الأكبر من العبء، رغبة في المحافظة على مبدأ مجانية التقاضي، ولتعزز تلك الرسوم ميزانية وزارة العدل حتى تنهض برسالتها.والمشرع المغربي، كان حكيما حينما نهج في موضوع الرسوم القضائية طرقا مرنة، حتى لا يعجز الفقير المظلوم عن اقتضاء حقه من الظالم، ففرض رسوما رمزية على الموسرين ، وأعفى شريحة مهمة من المتقاضين من أداء تلك الرسوم، فالمنازعات الاجتماعية كقضايا الشغل و قضايا حوادث الشغل، وقضايا الأمراض المهنية، وقضايا النفقة، معفاة بقوة القانون من أداء الرسوم القضائية، بل إن القانون أعفى حتى الأغنياء والموسرين من أداء الرسوم القضائية في القضايا الجنحية والجنائية حينما تثار الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة، وتحال القضية على المحكمة ويطالب المتضرر بصفته مطالبا بالحق المدني بمبالغ هامة كتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء ارتكاب الجريمة، وذلك التعويض يصل أحيانا إلى عشرات الملايين من الدراهم، ولا يؤدي الضحية إلا ما يعرف بالرسم الجزافي وهو 100 درهم أمام المحاكم الجنحية و500 درهم أمام المحاكم الجنائية.فما هي قيمة 100 درهم، أمام حكم قضي على جريدة أسبوعية بأداء مبلغ 3.000.000 سنتم كتعويض مدني بسبب نشر خبر كان يهدف خدمة الصالح العام؟. أو يهدف إلى مجرد لفت نظر؟بل إن دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية معفاة من أداء الرسوم القضائية ابتدائيا واستئنافيا.وهكذا أصدر المشرع المغربي القانون المتعلق بالمساعدة القضائية، وطريقة الحصول عليها والوثائق المبررة لطلبها، وهي مساعدة يجري مفعولها في سائر أطوار المحاكمة من تسجيل مقال الدعوى إلى التبليغ إلى التنفيذ إلى اتخاذ الإجراءات التحفظية، ما عدا أمام المجلس الأعلى فيجب تجديد طلب المساعدة القضائية، ورحمة بطالب المساعدة القضائية فإن أجل الطعن بالنقض يقف إلى أن يقع البت في طلب المساعدة القضائية أمام المجلس الأعلى.لكن هذا الكرم من طرف المشرع، واجهه بعض اللؤماء ومن يدور في فلكهم، بتصرف أرعن وسلوك أخرق، وسوء نية مفضوحة، واتخذ من المساعدة القضائية وسيلة لرفع الدعاوى التعسفية والكيدية، ولا سيما بالنسبة لنزاعات الشغل ،وما يرافقها من مزاعم باطلة تتعلق بالفصل التعسفي، وطلب تعويضات باهظة، خصوصا إذا سجلت تلك الدعاوى ضد الشركات والمقاولات والمؤسسات والأبناك، وغبرها من الفئات التي تعتبر مليئة الذمة وتخشى الحجز على أموالها وممتلكاتها بل وعلى سمعتها، ومما يزيد في الطين بلة أن علاقة الشغل تثبت ولو بشاهد واحد غالبا ما يكون شاهدا بعمولة؟.لقد تنبهت وزارة العدل في بلادنا منذ مدة طويلة لهذا المشكل وما يرافقه من تلاعب، كما حدث أخيرا في قضايا حوادث السير المفبركة، وأصدرت بناء على شكاية من المكتب الوطني للسكك الحديدية منشورا بتاريخ 29 أكتوبر 1984 تحت عدد 968 حول دور النيابة العامة في القضايا المدنية. ومن المفيد أن يقع الإطلاع على ذلك المنشور، وأن ينتبه إليه السادة القضاة ومن يساعدهم من محامين وخبراء وأطباء وتراجمة، جاء في فقرة هامة من فقراته:"وعلى سبيل المثال نشير إلى تقرير تلقيناه أخيرا من إحدى المؤسسات العمومية الكبرى للمملكة وهي مؤسسة المكتب الوطني للسكك الحديدية تلفت فيه الأنظار إلى أن المحاكم غالبا ما تجعل كامل مسؤولية حوادث السير على متن القطار على عاتق المكتب الوطني للسكك الحديدية وتحكم للضحايا أو لذوي حقوقهم بمبالغ مالية جد مرتفعة، بالرغم من أن هذه الحوادث تنجم عن عدم مراعاة القوانين المنظمة لسير القطار واستعماله، كما هي منصوص عليها في الظهير الشريف المؤرخ ب 28 أبريل 1961 ، وقد عزز المدير العام نظريته بلائحة سطر فيها وقائع مجموعة من الحوادث صدرت في شأنها أحكام تكتسي في نظره صبغة اجتماعية أكثر منها موضوعية، مركزا على أن الضحايا أو ذوي حقوقهم يتقدمون بطلبات مدنية خيالية لا لشيء إلا لكونهم يستفيدون من المساعدة القضائية، مع أن مسؤولية الحوادث يتحملها الضحايا أنفسهم حسب المحاضر التي يتولى تحريرها أعوان محلفون ولها قيمتها القانونية ".ولمحاربة هذه الظاهرة يجب على المحاكم إذا تبين لها أن الدعوى تعسفية أو كيدية أو لا تقوم على أساس سليم أن تحكم على المدعي بأداء الرسوم القضائية لفائدة الخزينة العامة، مع حفظ حق المدعي عليه في طلب التعويض عن الضرر الذي لحقه من محاكمة مطبوعة بسوء النية والابتزاز، وتنبيه من ساعد ذلك المدعي بخطورة مساهمته، وتبليغ نسخة من ذلك الحكم للجهة التي يتبعها ، ولعل هذا الاقتراح يكون بمثابة كابح يشد الجامحين ويردهم لجادة الصواب. بقلم: الأستاذ عبد الواحد بن مسعود: (محام بهيأة المحامين بالرباط)

الابتزاز باسم المساعدة القضائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إيقاف مطلوبين في جنح وجنايات ليلة رأس السنة بسلا

اعتقال أحد أفراد عصابة خطيرة بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات