تجاني: النهج الواقعي في تدبير قضية الصحراء المغربية

إن الحديث عن التطورات الحاصلة في موقع جبال الكركر ( الكركرات ) بجنوب الصحراء المغربية يقتضي إلى ضرورة الرجوع لبداية فترة الحكم الجديد بالمغرب بعد تولي الملك محمد السادس سدة الحكم بالمملكة المغربية أميرا للمؤمنين ورئيس الدولة، بحيث ستشهد هذه الفترة قطيعة مع سابقتها من الاجراءات التي اختللتها بعض التذبذبات في مسار الدفاع عن قضية الصحراء المغربية ( ما قبل 1997) من التدابير المتخذة، إذ اعتمدت القيادة الحالية على استراتيجية محكمة تتضمن العديد من الإجراءات والتدابير إذ يمكن عرضها على شقين أساسين، الأول مثالي والآخر واقعي. الشق المثالي: في هذا الجانب اتخذ المغرب نهجا قانونيا سلميا يقوم على التفاوض وإلى التحكيم الدولي والحلول السياسية بين الأطراف، وقد تجلى ذلك إثر التوجه إلى الترافع الدولي وعرض قضيته أمام مجلس الأمن وطلب إجراء استفتاء بالمنطقة برعاية الأمم المتحدة كحل لاستكمال الوحدة الترابية آنذاك، ذلك لاقتناع المملكة المغربية بأن هذا الاستفتاء لن يكون إلا تأكيدا بمغربية الصحراء وفقا للقرارات الشرعية الدولية، لكن هذا التوجه لم يكتمل بسبب رفض " البوليساريو" طرح المينوروسو الذي يقضي بتسجيل للمؤهلين فقط ( من تبث لانتمائه بالصحراء أبا عن جد ) للمشاركة في الاستفتاء. ونتيجة التعثر الذي اعترض سير خطة التسوية، تم السير نحو حل سياسي آخر يقتضي بقيام حكم ذاتي واسع تحت إشراف المغرب مع ممارسة سكان الاقليم الإدارة الذاتية عن طريق هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية تدبر الشؤون المحلية كافة باستثناء الشؤون الخارجية والدفاع والنقد، لكن كسابقته رفض هذا المترح الأممي ل " بيكر" من طرف الجزائر والبوليساريو وهنا ناكد دخول الجزائر كطرف في النزاع وعرقلتها لخطط التسوية، ظنا منهم أنه يمكن إخضاع المغرب لرغباتهم وتهديداتهم اللامشروعة. فبعد الخوض في العديد من المحطات التفاوضية عرف المغرب إلزامية التغير في خططه تجاه قضيته الأولى مما دعا إلى نهج منهجية أكثر واقعية وموضوعية تعتمد على البراغماتية في خيارته الدبلوماسية. الشق الواقعي: عرفت هذه الفترة اشعاع في علاقات المملكة الخارجية وفقا لتعاليم السامية لملك البلاد، وتغيرات واضحة في مسار جل المجالات اجتماعية واقتصادية مما أدى إلى تدفق الاستثمارات ونجاعتها المجالية، هذا الأمر جعل المغرب يتوجه نحو دراسات استراتيجية واستشرافية للمنطقة الصحراوية وباقي المناطق المغربية لاستكمال وحدته الترابية، وسنبرز هاته النقاط من خلال ثلاثة محاور وهي : العودة للاتحاد الإفريقي – النهوض الاستثماري بالصحراء – التفاوضات الثنائية. أ/ العودة للاتحاد الإفريقي: لابد وأن نشير في أول الحديث عن هذا الشق إلى ضرورة التوضيح بأن المغرب انضم إلى الاتحاد الافريقي ولا يمكن أن نقول عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، فالعملية ليست عودة إنها انضمام كامل الأوصاف والمقومات من لدن عضو مرشح للالتحاق بهياكل منظمة إقليمية (الاتحاد الأفريقي) لم يكن المغرب ضمن أعضائها من قبل، حتى وإن كان عضوا مؤسسا في المنظمة التي كانت سابقة عليها في الزمن، أي منظمة الوحدة الأفريقية. ولذلك، فعندما قرر الانضمام للاتحاد الأفريقي كان ذلك بناءً على حس براغماتي مفاده: لننضم أولا للاتحاد (حتى وإن كان ضمن أعضائه ما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية")، ولننظر في كل منعرج قادم حالة بحالة، ومكن هذا الوضع المغرب من تحقيق ثلاثة رهانات جوهرية أساسية وهي : - الرهان الأول: تفنيد المزاعم التي كانت تدعيها البوليساريو ومن يواليها الاتحاد في قضية الصحراء، وتجريد البوليساريو من دوره ككيان له كامل العضوية وصولا إلى تجميد عضويته عبر سحب اعترافات بعض الدول الإفريقية له. - الرهان الثاني : سد الطريق على الجزائر وجنوب أفريقيا في توظيف الاتحاد لصالح الجبهة في قضية الصحراء المغربية. - الرهان الثالث: تجلى في اختراق جبهات جديدة في إفريقيا، من أجل تحييد مواقف بعض الدول الموالية للجبهة وخلط أوراق من يدعمها. ب/ النهوض الاستثماري بالصحراء: لن يختلف اثنان حول البرامج والسياسات التي اتخذتها الحكومة المغربية من أجل النهوض الاستثماري بالصحراء المغربية في شتى القطاعات والمجالات : الاقتصادية - الاجتماعية – الصحية – الأمنية – اللوجيستيكية حيث تم الانخراط في هاته البرامج تجسيدا للخطاب الملكي السامي الذي دعا فيه إلى ربط شمال المغرب بجنوبه في إطار العدالة المجالية بالمملكة . ج/ توسيع دائرة العلاقات الثنائية بالقارة: لطالما اعتمدت العلاقات الخارجية للمغرب عموما، والعلاقات مع البلدان الإفريقية جنوب الصحراء على الخصوص، على الجانب الشخصي للعاهل المغربي، على أساس تقاربه مع بعض قيادات الدول الإفريقية، ولاسيما الفرنكوفونية منها. حيث لعبت الروابط الشخصية بين الملوك المغاربة وبعض القادة الأفارقة دورا رئيسيا ضمن محددات سياسة التعاون المغربي الإفريقي، ومكنت من تحريك وتطوير علاقات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين المغرب وشركائه، و كثيرا ما شكلت لقاءات القادة نقطة الانطلاق لمشاورات استهدفت وضع لبنات التعاون بين المغرب والدول الإفريقية. وفي هذا السياق وإيمانا من الملك محمد السادس بضرورة إشراك فاعلين ومؤسسات في توطيد العلاقات مع دول أفريقيا وفي العلاقات الخارجية بشكل عام يقول: أن العالم الحالي اليوم حتى الملك لا يمكنه أن يتصرف بمفرده"، وقال أن ذلك لا يتناسب لا مع اختياراته ولا مع فلسفته. ولهذا الاختيار محاسن ومكاسب كبرى جناها المغرب اثر العلاقات والمشاورات التي قامت بها العديد من المؤسسات الرسمية والغير رسمية في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية، ولعل خير دليل على ذلك الدور الذي يقوم به وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج. صفوة القول إن الخيار الإفريقي للمغرب لا محيد عنه، فالمملكة المغربية ستظل تولي اهتماما لتطوير علاقاتها بالدول الإفريقية خاصة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك لكونها لا تهدف فقط لتعزيز المكانة الدينية في جانبها الروحي والمكانة الاقتصادية في الأسواق الإفريقية وإنما أيضا للفرص التي تقدمها له لزيادة وزنه الاقتصادي والسياسي لكسب المزيد من المؤيدين لقضية الصحراء وربح رهانها. حمزة تجاني: طالب باحث في سلك الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبدالله فاس (الكلية متعددة التخصصات تازة)

تجاني: النهج الواقعي في تدبير قضية الصحراء المغربية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأجرومي: المقاربة الجديدة لميثاق إصلاح منظومة العدالة وحماية الحريات والحقوق

الصديقي يغادر الحسيمة قبل تسلم مهامه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات