“تخسار الهضرة” في الشارع أعنف مما في أفلامي

المخرج نور الدين لخماري قال إن فيلمه الجديد "مزلوط" وإنه سرق العنوان من فيلم ألماني اعتبر نور الدين لخماري، مخرج فيلمي "زيرو" و"كازا نيكرا" المثيرين للجدل، أن الهجوم الذي تعرض له فيلمه الأخير "زيرو" زاد من إقبال الجمهور عليه، مشيرا إلى أن النقد الحقيقي يجب أن يشمل العمل من الناحية السينمائية والفنية وليس من الناحية الأخلاقية.وقال لخماري، في حوار طويل أجرته معه "الصباح"، إن "تخسار الهضرة" الموجود في الشارع أعنف مما يجده الجمهور في أفلامه، متهما المغاربة بـ "السكيزوفرينيا" والنفاق الاجتماعي، وواصفا الأفلام المسماة "عائلية" بالسعي وراء الربح وبيع المنتوج على حساب السينما الحقيقية . في الحوار مع "الصباح"، أجاب لخماري عن جميع الاتهامات والانتقادات التي طالت فيلمه، بكثير من الوضوح وبغير قليل من الثقة في النفس، كما خص جريدتنا بعنوان فيلمه المقبل ضمن ثلاثية الدار البيضاء، وبموضوعه. وفي ما يلي نص الحوار: ما هي أصداء عرض "زيرو" في القاعات الوطنية؟ هي عموما أصداء جيدة. سجل الفيلم منذ بداية عرضه في القاعات 180 ألف تذكرة دخول (إلى حدود كتابة هذه السطور). سحب من بعض القاعات لكنه ما يزال معروضا في قاعات "ميغاراما" ويعرف إقبالا من طرف الجمهور. الفيلم خلق ضجة، والذين هاجموا الفيلم كانوا يعتقدون أن الجمهور بذلك لن يشاهده، لكن العكس هو ما حصل. وهذا دليل على أن الجمهور المغربي يحب أن يشاهد السينما الصادقة. خرج "زيرو" خاوي الوفاض من مهرجان مراكش الدولي للفيلم في دورته الأخيرة، وكذلك في مهرجان دبي السينمائي، لكنه حصد الكثير من الجوائز في مهرجان طنجة الوطني. ماذا شكل بالنسبة إليك هذا التتويج في ظل الهجوم الذي رافق عرض الفيلم؟ مسألة الجوائز هي دائما غير موضوعية. الأفلام المشاركة في أي مهرجان قد تعجب لجنة التحكيم وقد لا تعجبها. في مهرجان مراكش الدولي، شرفت الأفلام المغربية المشاركة في المسابقة الرسمية بلدنا، وإذا كانت اللجنة لم يعجبها الفيلم، فذلك لا يعني أن الفيلم لا يستحق الجوائز.بالنسبة إلى مهرجان دبي السينمائي، كسبنا علاقات كثيرة وشرفنا السينما المغربية التي قالوا عنها هناك إنها سينما رائعة. فيلمي "كازا نيغرا" نال 25 جائزة، لكن كل هذه الجوائز لم تجعل منه فيلما دوليا. أهمية الفيلم تنبع من تأثيره على المجتمع. وفي تاريخ السينما العالمية، هناك أفلام عظيمة لم تحصل على جوائز. المخرج المبدع ستانلي كوبريك مثلا لم يحصل يوما على جائزة... في طنجة، لجنة التحكيم شاهدت السينما ولم تركز على الأخلاق والنقد غير البناء. لجنة التحكيم في الدورة الأخيرة من مهرجان طنجة لا علاقة لها بالسياسة، وبعيدة عن نقاش الفيلم النظيف أو غير النظيف.بعض الأشخاص "كا يقلبو غير علاش يهضرو"، ويتركون النقاش الحقيقي جانبا. يجب أن يتساءلوا "هاد الفيلم آش عطانا؟" "واش حنا زيروات ولا أبطال؟"... انتقد البعض منح جائزة أفضل دور ثاني للراحل محمد مجد، واعتبروا أن عزيز - دادس كان الأحق بها. كيف ترى الأمر من وجهة نظرك؟ أظن أن الناس يتصرفون بعاطفتهم أكثر مما يستعملون عقولهم. دادس ممثل ممتاز، أبان في "زيرو" عن قدرات هائلة في الأداء، لكني أظن أن الراحل محمد مجد أتى بشيء جديد على مستوى المهنة. شخص دور أب فاشي دكتاتوري باقتدار. لقد كان دور شخص لا يستطيع أن يتحرك لكنه يفيض طاقة وقوة. وكان يستحق الجائزة بغض النظر إن كان ميتا أو على قيد الحياة. هذا لا يعني أن دادس لم يكن يستحق الجائزة. إنه من أحسن الممثلين الموجودين اليوم في المغرب. كيف كانت العلاقة بينك وبين محمد مجد أثناء التصوير؟ محمد مجد ممثل ذكي. يحب أن يطلع على السيناريو بكامله ولا يتوقف عن طرح الأسئلة. إنه من الممثلين الذين يفضلون معرفة كل شيء عن العمل. عند بدء التصوير طلبت منه المشاركة في حصص التدريب مع باقي طاقم الفيلم من الممثلين، لكنه رفض لأن ثقته في نفسه كانت كبيرة. ولكني كنت مصرا على الأمر وأقنعته بأنها طريقتي في العمل. ومع توالي الحصص، أصبح شريكا معي في تطوير الدور. كان في كل مرة يقدم اقتراحات جديدة. التدريب جعله يفكر أكثر في الشخصية. لقد أضاف كثيرا للدور. محمد مجد ممثل سخي. توفي الممثل حسن الصقلي بعد تصوير فيلمك "كازا نيغرا". ومات محمد مجد بعد أن قتلته في سيناريو فيلمك "زيرو"؟ يقولون في الوسط الفني إن لعنة ما تطارد ممثليك. ما تعليقك؟ إنها محض مصادفات. مات محمد مجد في "زيرو" كما مات في فيلم "ملاك" الذي شارك فيه أخيرا. إنها أفكار أشخاص يؤمنون بالشعوذة وليس بالتفكير المنطقي السليم. إنها الأقدار فقط من تتحكم وليست اللعنة. هل كان محمد مجد يعاني مرضا أو تعبا أثناء تصوير "زيرو"؟ لا، أبدا. كان عاديا طيلة مدة التصوير. سافرنا إلى دبي للمشاركة في مهرجانها السينمائي، وفي طريق العودة، أخبرني ونحن على متن الطائرة أنه يتنفس بصعوبة. كان لديه نقص في الأوكسجين. هناك من قال إن الفيلم لا علاقة له بالواقع المغربي، خاصة المشاهد المتعلقة بـ "البورديل" وإن السينما الحقيقية هي التي تمتح من واقع مجتمعها. ما ردك؟ مشاكل الإنسانية هي الموضوع الرئيسي في جميع أفلامي. إذا كان من قال هذا الكلام مخرج أو ناقد فأعتقد أن لا علاقة له بالفن ولا يفقه في السينما ولا يعرف شيئا عن المجتمع المغربي. أقولها بكل تواضع. الفيلم هو خيال، ليس بعيدا عن المجتمع المغربي. و"البورديل" موجود وواقع سبق لفيلم "مكتوب" أن تحدث عنه. "يديرو أفلامهم ويوريونا شنو هوا الواقع المغربي؟"... هناك أيضا من يتهمك بمحاولة أمركة السينما المغربية بطريقة مبتذلة، كيف ترد؟ أستلهم أفلامي من السينما السوداء. وهي سينما لها قواعدها، ويحضر فيها الليل والظلام والعنف ورجال الشرطة... كما أنها ليست حكرا على الأمريكيين فقط... فيلم "ميتروبوليس" الشهير مثلا فيلم ألماني أخرجه فريتز لانغ، أب السينما السوداء. "من حقي ندير بالبوليسي ديالي اللي بغيت". هناك في الواقع رجال شرطة مغاربة "بالطوينغة"، والتقيت بهم شخصيا غير ما مرة. "واش الواقع المغربي هوا راجل فمو مهدوم وعندو جوج سنان". باراكا علينا من الفولكلور و"ليكزوتيزم". اتهمت أيضا بسرقة مشاهد من أفلام عالمية وتوظيفها في "زيرو". ما تعليقك؟ أولا، أنا لم أخف يوما إعجابي بأفلام مارتن سكورسيزي التي أستلهم الكثير منها. يتهمونني بأنني أنسخ أفلامي عن السينما الأمريكية لأنني أصور الدار البيضاء مثل نيويورك، في حين أن البعض يحب أن يصور المغرب البئيس، "العروبي". إنه منطق لا معنى له.كان هناك تحفظ أيضا على اختيار يونس بواب لدور البطولة. كيف ترى هذا الأمر؟ أنا الذي طلبت من البطل أن يخفف الإيقاع نسبيا ويكون سلبيا. أردته أن يشتغل بعيونه ونظراته أكثر. إنه اختياري الفني وأتحمل مسؤوليته. يونس بواب لعب الدور بسلاسة وكان نجما حقيقيا في مهرجان دبي. التحفظ طال أيضا بعض الأدوار الثانوية في الفيلم، والتي ظلمتها في الفيلم بالنظر إلى المساحة الضيقة التي خصصتها لها (دور راوية مثلا). إلى أي مدى تختلف أو تتفق مع هذا الرأي؟ أنا لا أتفق طبعا مع هذا الرأي. الراحل محمد مجد لم يسبق أن أدى دورا بهذه القمة. إنه دور سيبقى خالدا في تاريخ السينما المغربية. عزيز دادس كان استثنائيا. جميع الممثلين في الفيلم كانوا متميزين... راوية ورفيق بوبكر ومحمد بنبراهيم منحوني مشاهد رائعة، ولم تكن مشاهد "البورديل" لتنجح لولاهم. مساحة الدور لا علاقة لها بالطاقة والقوة التي يؤدي بها الممثل. "واش كا نفرقو الركاكي" (القطع الأرضية)... العديدون تحدثوا عن أن "تخسار الهضرة" أصبح الوصفة الجاهزة في أفلام نور الدين الخماري. كيف ترد عليهم؟أولا الأشخاص الذين سبق لهم أن اشتغلوا معي يعرفون أنني لا أحب الغش. "تخسار الهضرة" الموجود في الشارع أكبر مما تجدونه في أفلامي. أنا أنطلق من عمل سوسيولوجي وبحث ميداني. الحوار الموجود في الفيلم هو الحوار الذي يدور في الواقع اليومي، وأنا لا يمكنني أن أكذب على الناس في أعمالي. سأخسر الكثير إذا اشتغلت من أجل إرضاء هذا الطرف أو ذاك. أحب أن أنصت لنبض الشارع ولما يقوله الناس فعلا. التاريخ لا يرحم. وسيأتي أبناؤنا بعدنا ليحاسبونا على ما قدمناه. علينا أن نكون صادقين ونبين لهم المغرب على حقيقته. الفنان الذي يتحدث عن الأخلاق لا علاقة له بالفن ورسالة الفيلم أهم وأعمق من الحوارات التي أثارت هذا النقاش. المغاربة مصابون بعقدة. لديهم سكيزوفرينيا (انفصام في الشخصية) ولا يحبون رؤية واقعهم مجسدا على الشاشة. لديهم عقدة مع الحب... مع المرأة... مع العنف الذي يمارس كل يوم ويحيط بنا من كل جانب... هل يمكن أن تعطينا فكرة عن فيلمك المقبل؟ الفيلم الثالث هو الأخير في ثلاثية أفلامي حول الدار البيضاء، بعد "كازا نيغرا" و"زيرو". وأتحدث فيه عن الجدار الذي خلق بين المجموعات الاجتماعية داخل المجتمع والذي ولد الكثير من الحقد. فيلمي المقبل موضوعه اللا تواصل بين الفقراء والأغنياء في بلدي. سأصور الدار البيضاء بطريقة أخرى فيها كثير من الصمت، ويحضر فيها العنف كذلك. هل وقع اختيارك على اسم معين عنوانا للفيلم؟ اخترت له اسم "مزلوط". (يضحك)... سرقت العنوان من فيلم ألماني... لدينا أشباه نقاد هاجمك النقاد بعد عرض الفيلم، وأثناء مشاركتك في حلقة من برنامج "مباشرة معكم" على القناة الثانية. هل علاقتك متوترة إلى هذا الحد معهم؟ أولا، يجب أن نعطي تعريفا محددا للنقاد. الناقد السينمائي قبل أن يكون كذلك، عليه أن يشاهد عددا كافيا وكبيرا من الأفلام وتتوفر لديه دراية بالسينما. ومثلما يقولون إن المخرجين المغاربة قلة، فنحن أيضا نقول إن النقاد السينمائيين قلة أيضا. هناك بعض النقاد يرسخون أنفسهم كذلك وهم لا يعرفون شيئا عن السينما. لا يمكن للناقد أن لا يكون حداثيا، لأنه يشاهد الكثير من الفن والإبداع. الأخلاق لا علاقة لها بالنقد. إنهم سياسويون أكثر منهم نقاد. أي ناقد هذا الذي يقول لك إن السينما يجب أن تكون على هذه الشاكلة أو تلك... وأي ناقد هذا الذي لا يعترف إلا بمخرجين معينين ويذكرهم بأسماءهم دون غيرهم... الناقد شخص علمي لديه أفكار ولا يتعامل من خلال عواطفه الإنسانية أو درجة حبه أو كرهه لمخرج دون آخر... لدينا أشباه نقاد يدافعون عن مصالحهم... جعلوا أنفسهم أوصياء على الفن والسينما. كيف لأحد أن يعتبر نفسه ناقدا وهو لم يحضر مرة مهرجان برلين أو كان... بما أن السينما بدأت تتحرك وتخلق نقاشا، فعليهم أن يشتموها ويخنقوا صوتها... الناقد الحقيقي ينتقد الفيلم سينمائيا وليس أخلاقيا. هناك في الساحة 4 أو 5 نقاد أحترمهم شخصيا، لديهم قلم ذكي وعلمي وفني. أرى أخطائي عبر كتاباتهم وأتعلم منها وأدخل في نقاش بناء معهم. الفنان إذا لم يخلق نقاشا في المجتمع فلا حاجة لهذا المجتمع به. الفنان يجب أن تكون له رؤيته الخاصة ولا يعمل إرضاء لهذا الطرف أو ذاك. "زيرو" ليس سيرة ذاتية قيل إن فيلمك "زيرو" مستوحى من قصتك الشخصية ومن علاقتك بوالدك الحقيقي. إلى أي مدى هذا الأمر صحيح؟سمعت ذلك. هذا خطأ. فيلمي ليس سيرة ذاتية ولو أن الجانب الشخصي حاضر فيه كثيرا، وهذا أمر منطقي. من يعرفني، يعرف طبيعة علاقتي بعائلتي التي أكن لها الكثير من الحب. والدي رجل استثنائي وسلس التعامل. لكنني عايشت من خلال محيطي قصصا شبيهة بتلك الموجودة في فيلمي. علاقات "زيرو" عايشتها في العائلة. هؤلاء الذين تحدثوا عن سيرة ذاتية يحبون الكلام لمجرد الكلام. يريدون أن يقنعوا أنفسهم أن الفيلم لا يتحدث عنهم، وأن لا شيء فيه يشبههم. إنهم يضحكون أمام صور قاسية دفاعا عن أنفسهم وإيهاما لها. يقولون بينهم وبين أنفسهم "الفيلم مصطي، ما كايهضرش علينا". إنهم لا يحبون أن يروا أنفسهم في المرآة. إننا ننتقد الجميع إلا أنفسنا. لا أحد يسألنا عن أنفسنا... نعيش نوعا من الراحة ولا نحب أن يأتي من يقلقها... الفيلم "العائلي" نوع من النفاق ما رأيك في تصنيف "الفيلم العائلي" الذي برز إلى الوجود أخيرا؟ إنها تصنيفات الغرض منها البيع فقط، ولا علاقة لها بالسينما من بعيد أو قريب. على الفنان أن يصنع السينما التي يحبها ويحسها. "ماشي شغلو" فالعائلة. هذا نوع من النفاق الذي أصبح البعض يكرسه إرضاء للمنتج او للتيار المحافظ. وهذه الأفلام التي يدعون أنها عائلية لا تخلق أي جدل في المجتمع. أجرت الحوار: نورا الفواري - تصوير : أحمد جرفي

“تخسار الهضرة” في الشارع أعنف مما في أفلامي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"جاري يا جاري" على "ميدي 1 تي في"

سيـدي بنـور...إقليـم يعانـي التهميـش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات