الكاريانات جزء مهم من تاريخ المغرب

نجيب تقي أستاذ التاريخ دعا إلى إنشاء متاحف لحفظ ذاكرة الكاريانات قال الأستاذ والباحث في تاريخ المغرب، نجيب تقي، إن الكاريانات تمثل جزء مهما من تاريخ المغرب، مؤكدا في هذا الحوار أنها ساهمت، في حالة الدار البيضاء، التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفتها هذه المدينة، مشيرا إلى أنها ترتبط بعدد من الأحداث الكبرى في البيضاء والمغرب عموما، وأنها تمثل مغربا مصغرا نظرا للطيف المتنوع من المغاربة الذين استقروا بها، كما دعا إلى اتخاذ عدد من التدابير للحفاظ على الذاكرة الجماعية للبيضاء والمغاربة... تفاصيل أكثر في الحوار التالي: ما هو السياق التاريخي الذي أفرز ظاهرة الكاريانات بالدار البيضاء؟في الواقع هذا السؤال يحتاج إلى إجابة طويلة، لكن المعروف عن مدينة الدار البيضاء أن التحول الأساسي في تاريخها مرتبط بالخصوص بالاستعمار منذ القرن 19، والتوسع الإمبريالي وبالأساس بداية القرن العشرين، إذ عرفت المدينة أحداثا أساسية بعد مؤتمر الخزيرات 1906 وما جاء به من إصلاحات أعطت في نهاية المطاف احتلال الدار البيضاء سنة 1907، وغزو الشاوية بعد ذلك وتوافد عدد كبير من المهاجرين من مختلف الجهات بالأخص من أوربا واستقروا في المدينة ووقع تحول خارج أسوار المدينة، التي تسمى اليوم المدينة القديمة، إذ ظهرت مجموعة من المؤسسات التجارية والصناعية والعقارية، فبدأ مجال الدار البيضاء يتغير بشكل فوضوي ولم يكن خاضعا لأي تصور معين وظهرت مجموعة من الشركات الصناعية والتجارية في مختلف الاتجاهات؛ في اتجاه أزمور، ومديونة، وفضالة (المحمدية). وجاء أول مهندس رئيسي في تاريخ الدار البيضاء والذي عينه الجنرال ليوطي آنذاك، ويسمى هنري بروست، والذي أكد التوجه السابق وحاول أن ينظم الدار البيضاء وأخذ مجموعة من القرارات، من أهمها تقسيم المجال الذي ستكون عليه البيضاء مستقبلا إلى ثلاثة مجالات أساسية، قسم خاص بالإقامة، وقسم في الوسط للأنشطة التجارية، والقسم الشرقي للدار البيضاء مخصص للأنشطة الصناعية، وأساسا حي الصخور السوداء، حيث بدأت تظهر مجموعة جديدة من الوحدات الصناعية أقامها المعمرون، خاصة أوجين لاندرا. ثم أكدت المصالح البلدية تخصيص القسم الشرقي للصناعة بشراء مساحات كبيرة من الأراضي وإقامة وحدات صناعية فوقها، مثل معمل الجير والإسمنت (1918) ومركز توليد الطاقة الكهربائية بالصخور السوداء، وهذا المركز بدأ يستقطب المهاجرين من القرى وسكان البيضاء وضواحيها، وهؤلاء بدؤوا في البحث عن مكان يستقرون به، فبدؤوا بالسكن التقليدي المعروف بالنوايل والخيام، ولكن شيئا فشيئا بدؤوا يبدعون شكلا جديدا للمساكن والمتمثل في البراكات، إذ كانوا يجمعون البراميل ويسطحونها ويجمعون الأعواد فيصنعون البراكات، وبشكل تدريجي تكون تجمع للبراكات أطلق عليه أولئك العمال اسم الكاريان، لماذا؟ لأنه بني بالقرب من المحاجر، أي الأماكن التي كانت تستخرج منها الحجارة، وصارت هذا التسمية شائعة في المغرب كله تقريبا على أي حي صفيحي... والتي تسمى في بعض المدن دواوير (دوار الدوم، دوار الكورة.. بالرباط)... وظهرت الكاريانات في بداية عشرينات القرن الماضي وظلت هذه الأحياء، مثل كاريان سنطرال، تتمدد وعرفت مجموعة من التحولات، إذ تحول كاريان سنطرال في ما بعد إلى الحي المحمدي، وظهرت بالموازاة معه كاريانات أخرى كابن مسيك الذي بني فوق أراض خاصة بأسرة ابن مسيك، إذ يعتبر ابن مسيك وسنطرال أكبر كاريانات الدار البيضاء، كما ظهر كاريان الدرب الجديد بطريق أزمور وصار يسمى بالحي الحسني، وباشكو وسيدي مومن... كيف كانت مساهمة الكاريانات في نمور الدار البيضاء اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا؟طبعا الكاريانات، وبالأخص كاريان سنطرال، كانت تستقطب المهاجرين وخصوصا البدو ومن مختلف جهات المغرب إلى درجة يمكن أن نتحدث عن أنها بمثابة مغرب مصغر، إذ يوجد فيها الدكالي والرحماني والشلح والباعمراني والسوسي. هؤلاء المهاجرون هم العمال الذي بنوا بقوة سواعدهم مدينة الدار البيضاء وأسسها الصناعية وطرقها، فاقتصاديا لعبوا دورا أساسيا في التحول الذي عرفته المدينة. وأهم الأحياء التي ارتبطت بهذا التحول الصناعي هو كاريان سنطرال، الذي كان قريبا من الحي الصناعي. اجتماعيا فهؤلاء المهاجرون جلبوا معهم ثقافتهم وعاداتهم وأعرافهم وأهازيجهم وتراثهم الفني والشفهي، وبالتالي نقلوا هذه الثقافة المغربية المتنوعة والمتعددة الروافد (صحراوية وأمازيغية وعروبية...) وكان لذلك دور على المستوى الاجتماعي والثقافي، إذ أن هؤلاء المهاجرين أعطوا ثقافة كانت تُتداول في الحلاقي بكاريان سنطرال وفي طريق الشابو، لأن سياسة الإدارة الاستعمارية كانت تقوم على بناء أحياء عمالية وفق تصميم يترك مساحة فارغة في وسط كل تجمع سكاني ليكون فضاء للترفيه بالنسبة إلى العمال خلال العطل، وهذه الحلاقي كانت فضاء تأثر به أبناء العمال والذين استثمروا ذلك لخلق تجارب رائدة مثل تجربة ناس الغيوان، كما أنجبت هذه الأحياء عددا من الأشخاص المميزين في المجال الفني والأدبي والمسرحي... ما هي أهم الأحداث التي تشكل ذاكرة بعض الكاريانات؟لا يمكن أن نتكلم عن تاريخ المقاومة في المغرب، وخاصة بالبيضاء دون الحديث عن المقاومة التي نبعت من الكاريانات، ولا يمكن أن نتحدث عن خلايا المقاومة دون أن نتحدث عن النشاط الذي لعبته الكاريانات، ابن مسيك وسنطرال. فمثلا أحداث ماي 1947 الدامية بكاريان ابن مسيك ودرب الكبير والتي ارتبطت بما يسمى ضربة «الساليغان»، وهم الجنود الأفارقة العاملون في صفوف الجيش الفرنسي والذي نفذوا مجزرة خطيرة وسط أحياء بالبيضاء، ثم هناك أحداث كاريان سنطرال في دجنبر 1952، يوم ارتكبت القوات الفرنسية مجزرة رهيبة على خلفية ما وقع في تونس، إذ خرج سكان الكاريان في مسيرة تندد باغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد على تنظيم فرنسي إرهابي يسمى اليد الحمراء في 5 دجنبر 1952، فدعا الاتحاد العام لنقابات المغرب إلى إضرابات عامة، ارتكب إثرها الفرنسيون بقيادة بونيفاس مجزرة رهيبة خلفت أعدادا كبيرة من الشهداء والمعتقلين.... هل يمكن أن نعتبر كاريانات البيضاء ذاكرة جماعية للبيضاويين؟ ومن هم المتدخلون الذين يجب أن يحرصوا على الحفاظ عليها؟الكاريانات عموما لا تمثل فقط ذاكرة جماعية للبيضاويين، بل للمغرب ككل، والدليل هو الصدى الطيب والإقبال الكبير الذي لقيه الإنتاج الذي نبع من الكاريان، وبالأخص إنتاج المجموعات الغنائية والفنية وذلك شيء أساسي يجب الحفاظ عليه لأنه جزء من الذاكرة، ولا يمكن أن نتصور إحساسا رهيبا لدى الكثير من الناس الذين تم ترحيلهم في الأشهر الأخيرة، لأنهم مرتبطون بقوة بذلك المجال حيث ولدوا وترعرعوا وعاشوا... سياسة إعادة الإيواء والقضاء على دور الصفيح لم تعط أهمية إلى تاريخ هذه الكاريانات، هل يتعلق الأمر بمحاولة للتخلص من صورة مغرب القصدير؟أنا أستحضر هنا تجارب قامت بها بعض الدول الأخرى بغية الحفاظ على ذلك «الشكل المعماري القصديري»، مثل البرازيل. لكن في السياق المغربي ما حصل فقد حصل، لأن الأحياء الصفيحية بالحي المحمدي مثلا أزيلت بنسبة 80 في المائة، ونسمع أن مجاله ستغطيه مساحات خضراء والتي يمكن توظيفها للحفاظ على إرث الكاريانات من خلال تخليد أسماء بعض الكاريانات والأشخاص أو الفرق أو المجموعات أو بعض المقاومين، وسمعت أنه كان هناك مشروع لتسمية أزقة بالهراويين بأسماء مقاومين ومشاهير أنجبهم كاريان سنطرال.... ماذا تقترحون أنتم بصفتكم أستاذا جامعيا للتاريخ كطريقة للتعامل مع كاريانات الدار البيضاء وطي صفحتها مع الحفاظ على ما ارتبطت به في تاريخ هذه المدينة؟ هذا الموضوع يقتضي تدخل مجموعة من الأطراف كل من زاويته، فهناك علماء الاجتماع والمهندسون المعماريون. وأنا أعتقد أنه لابد أولا من حفظ هذه الذاكرة والتاريخ، وهذا يجرنا إلى مسؤولية جامعة الحسن الثاني بمختلف أقسامها في الاشتغال على هذا الموضوع، وثانيا لابد من متحف لحفظ ذاكرة هذه الفضاءات، خاصة ذاكرة ناس الغيوان. وفي هذا الصدد، فإن المجهود الذي تبذله جمعية «كازاميموار» مهم وأساسي، خاصة الكتاب الذي اشتغلنا عليه وهو بعنوان «جوانب من ذاكرة كاريان سنطرال الحي المحمدي في فترة الحماية». ثم هناك الاشتغال على اللوحات التذكارية، والذي نشتغل في إطاره مع جمعية «كازاميموار»، لتخليد الأماكن التي لها أهمية في الأحياء الصفيحية للحي المحمدي، ثم هناك خارطة تحدد الأماكن التي لها أهمية إما اجتماعية أو ثقافية... عموما فموضوع ذاكرة هذه الفضاءات يتطلب مزيدا من العمل. نجيب تقي, باحث في تاريخ المغرب أجرى الحوار: محمد أرحمني

الكاريانات جزء مهم من تاريخ المغرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فضيحة تعيينات في مناصب عليا بوزارة النقل

التعيينات في المناصب العليا... "سير الضيم"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات