المغامرون

المتحمسون لإنهاء حالة الطوارئ الصحية ووضع حد للحجر الصحي كليا، فئة من اثنتين: إما جاهلون بطبيعة فيروس فتاك، مازال في أقصى حالات نشاطه على المستوى العالمي (أكثر من 130 ألف إصابة مؤكدة و3000 وفاة يوميا)، وهي كارثة إنسانية بكل المقاييس لم تحصل حتى في أشرس الحروب دموية منذ بداية الخلق. وإما مغامرون يريدون سوءا بالبلد، ويخططون لهلاكه وضربه في مقتل، عبر الدعوة إلى خروج جماعي إلى الشارع، واستئناف حركة النقل والمواصلات بين المدن والجهات، والضغط على السلطات، بمبررات اجتماعية ونفسية واقتصادية مختلفة، للعودة إلى الحياة الطبيعية. وفي الحالتين معا، فنحن أمام نوع من البشر يكن مشاعر سيئة لمواطني هذا البلد، ويرغب، بطريقة أو بأخرى، في إرباك جميع المخططات والتدابير الاستباقية التي قررتها السلطات العمومية منذ بداية الحجر، وأعطت بعض ثمارها مؤقتا، من خلال التحكم نسبيا في انتشار الفيروس، وتفادي وقوع الأسوأ، كما حدث في دول أخرى. ودون تردد، يمكن القول إن ما تحقق في المغرب، خلال ثلاثة أشهر الماضية، يعتبر مكسبا تاريخيا ساهم فيه جميع المواطنين الذين صبروا وكابدوا، والتزموا بتدابير الحجر الصحي، رغم الصعوبات المرافقة، كما ساهمت فيه الدولة، بجميع مكوناتها ومؤسساتها، المركزية والجهوية، كما يعتبر، أيضا، وسام شرف لجنود الصفوف الأولى من أطر صحية وقوات حفظ النظام وعمال ومستخدمي شركات التموين الغذائي ورجال نظافة. ولأن الأمر يتعلق بإنجاز جماعي ووطني لكل رجال الوطن ونسائه، فلن نسمح لـ"غير" الرجال، بالاقتراب منه، أو السماح لهم بتقويضه، عبر دعوات متسرعة وغير مدروسة، لرفع الحجر الصحي كليا، دون تقدير العواقب، مرة بدعوى أن الفيروس تلاشى وانتهى واندثر، ومرات أخرى بمبرر أن الدولة "تمثل علينا"، ولا وجود للوباء من الأساس. ولن نكون أحسن من دول أخرى، اكتوت بنار الفيروس، واقتنعت أن الرفع الكلي للحجر الصحي، هو ضرب من الوهم والخيال والمغامرة، ولن يتحقق ذلك إلا بعد التأكد من صنع لقاح فعال ضده، وهي المهمة التي مازالت مستحيلة حتى اليوم، رغم الاستثمارات الدولية الضخمة المسخرة لهذا الغرض. وفي انتظار ذلك، يجب الإقرار أن فيروس كورونا هو العدو الأول للإنسانية، وينبغي على الجميع أن يواصل مواجهته بالمستوى نفسه من التعبئة، التي لا تعني دائما الاختباء في كهوف ومغارات، بل النجاح في إحداث ثورة في السلوك الاجتماعي الفردي (النظافة والوقاية والتباعد وارتداء الكمامة...) والاقتناع أن التعايش مع الفيروسات والجوائح المقبلة، أضحى خيارا حتميا، لا مناص منه. إن مجرد الحديث عن التعايش مع الوضع الجديد يعني إقرارا ضمنيا أن الحياة لا يمكن أن تعود إلى طبيعتها كما كانت من قبل، على الأقل في المنظور القريب، كما يعني، أيضا، أن الإبقاء، مؤقتا، على الحجر الصحي هو مطلوب في الوقت الراهن، كما هو مطلوب التخفيف منه تدريجيا في بعض المناطق والجهات، التي بذلت مجهودات في مواجهة الفيروس، نوعا من المكافأة المستحقة لها. إن الواقع لا يرتفع. والواقع يؤكد اليوم أن فيروسا قاتلا مازال يتجول بيننا بكل حرية. فإما أن نتعايش معه بكل ما يلزم من حيطة وحذر. أو نستعد للهلاك.

المغامرون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سقي ضيعات ذرة بـ "الواد الحار"

السلام عن بعد ... أكبر المكاسب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات