السلطات “تشطب” جنبات سوق طارق بالبيضاء

الحملة ضد الفراشة والباعة المتجولين ستستمر أسبوعا في البرنوصي وسيدي مومن وأهل الغلام على غير العادة، استقبل تجار السوق العشوائي بسيدي البرنوصي بالدار البيضاء، الذين كانوا يتخذون من الزنقة 39 مستقرا لهم، صباح الثلاثاء الماضي، زوارا لم يخطروا لهم على بال. في العاشرة من ذلك الصباح توقفت بهذا السوق القديم 12 سيارة تابعة للقوات المساعدة وعلى متنها عشرات من الرجال المدججين بالهراوات متأهبين لإخلاء أكبر سوق عشوائي بعمالة مقاطعات البرنوصي سيدي مومن. لم يكونوا لوحدهم، بل كانوا معززين بجرافتين وعدد من رجال الأمن الوطني. في ظرف سويعات صار هذا السوق، الذي يرجع تاريخ ظهوره إلى سبعينات القرن الماضي، أثرا بعد عين. العشرات من التجار، أغلبهم شباب عاطلون، يتطلعون إلى الفراغ الذي خلفته الجرافات وراءها. بعضهم يضرب أخماسا في أسداس لا يدري ما يقدم ولا ما يؤخر. "شنو نديرو دابا، نمشيو نكريسيو؟"، يتساءل رشيد، وهو واحد من التجار المتضررين، باستنكار كبير. "كنا خدامين ما بينا ما علينا، دابا ملي غادين يحيدو لينا هاذ الكرارس كاين حاجة من الجوج؛ يا نولي كراب (بائع خمور بالتقسيط وسط الأحياء الشعبية) أو لا نمشي نكريسي" يضيف رشيد، وهو واحد من أبناء البرنوصي الذين كان السوق مصدر قوتهم اليومي. "السوق النموذجي الذي تقترح علينا السلطات موقعه غير إستراتيجي"، يقول جواد، وهو بائع فواكه ب"مارشي البرنوصي". "هاذو راه باغين يتعداو على الناس ويقطعو ليهم رزقهم"، يضيف المتحدث نفسه بنبرة حادة. "هرسوا لينا كرارسنا وطابلاتنا وضيعو لينا سلعتنا الله ياخذ فيهم الحق"، يقول أحد تجار السوق الشباب وفي صوته غصة. عند الثانية من زوال ذلك اليوم، لم يكن يملأ ساحة السوق إلا أكوام الأزبال ووديان من مياه الصرف الصحي تملأ الفضاء بروائحها النتنة، وبضعة فتية يطاردون جرذا سمينا ارتمى في أول مزراب صادفه فارا من الحجارة والفواكه والخضر الفاسدة والأحذية التي يقذفونه بها. منير شاب في مقتبل العمر وواحد من التجار الذين جُرفت براريكهم. انسحب إلى جوار مدخل مبنى سكني مطل على هذا السوق العشوائي. يحيط نفسه بحوالي عشرة صناديق مليئة بطماطم وبطاطس وجزر وبصل وفلفل وحامض... مشهد يتوسطه ميزان وبضعة أوزان. يقول تكرفسو لينا على السلعة.. مابعنا ماشرينا هاذ الصباح أش بغاو عندنا؟ مالكنا كانسرقو أو لا كانكريسو؟" يتساءل هذا الشاب بحنق شديد. "يديرو بعد للناس شي حل معقول وداك والساعة يديرو الحملة، ماشي يعطيونا محلات ضيقة وبعيدة ويكولو ليك سير ليها؛ مع من نبيع ونشري هناك؟ مع الجنون؟"، يشرح منير متحدثا ل "الصباح" بالزنقة 39 التي فقد إسفلتها هويته من كثرة ما حُجب عن الشمس، إذ غطته الأوساخ وحولت لونه إلى أسود داكن.الحملة خلفت جوا محتقنا في أوساط التجار. عدد منهم لم يعد يعرف كيف يتصرف أمام هذه "الغارة" المفاجئة، خاصة أنهم كانوا يعولون على السوق لتوفير مصاريف عيد الأضحى الذي يدنو بسرعة كبيرة؛ لكن كثيرين من هؤلاء عقدوا العزم على التوجه إلى مقر عمالة البرنوصي و"الاعتصام هناك حتى يجدوا لنا حلا"، يؤكد الباعة الذين تحدثت إليهم "الصباح". "سنبقى هناك حتى نسترد مورد رزقنا فأخلاقنا لا تسمح لنا ببيع المخدرات أو الخمور أو اعتراض سبيل المارة وسلبهم ما في حوزتهم، كما لا يسمح لنا كبرياؤنا بمد أيدينا لتسول الصدقات من الآخرين"، يوضح أحدهم.الحملة التي بدأت الثلاثاء الماضي وتستمر طيلة أسبوع كامل، جاءت على حين غرة وفي سياق عام اتسم بتساهل كبير مع الباعة المتجولين في معظم المدن المغربية، الكبيرة قبل الصغيرة، حتى صار الأمر شبيها بظاهرة متفشية. لكن ما يستغربه تجار مارشي البرنوصي هو السبب وراء ما يعتبرونه "قطعا لأرزاقهم"، طالما أن أنشطتهم كانت توفر لهم موردا يضمن لهم لقمة عيش كريمة، كما كان فضاء يوفر لسكان الحي سوقا يقتنون منه كل ما يحتاجون إليه؛ "كان الواحد حتى ترشق ليه ويهبط يتقدى باش يدير كاميلة"، يشرح جواد "دابا فين يمشيو الناس؟ للسوبير مارشي؟" يتساءل بنبرة ساخرة. في الطرف الآخر من المعادلة يستعرض رجال السلطة المحلية الذين أشرفوا على تنفيذ حملة "التطهير" حصيلة اليوم الأول بافتخار كبير، إذ أكد أحد هؤلاء في تصريح ل"الصباح" أنه "تم تفكيك 250 منصة ثابتة وتكسير العربات التي تحتل السوق والتخلص منها"، ثم يضيف المصدر نفسه أن العملية، التي ساهمت فيها الشركة التي تتولى تدبير قطاع النظافة بالمقاطعة، "مكنت من إخلاء الملك العمومي الذي كان يحتله حوالي 45 تاجرا يتوفرون على محلات مرخصة بالزنقة المذكورة". من الأمور التي لاقت استحسان سكان الزنقة، وأيضا التجار الذين كانوا يحتلونها، هو إقدام السلطات المحلية التي نفذت الحملة على إغلاق محلين للبقالة كان يبيع صاحباهما موادا فاسدة. فالمصدر الذي تحدث إلينا من السلطات العمومية كشف ل"الصباح" أنه تم العثور لدى هؤلاء على زيتون به صراصير وحامض منقوع (مُرَقّد) به جرذان ودود. وأكد المصدر نفسه أن هذه الحملة التي تهدف إلى إخلاء وتفكيك كل مظاهر العشوائية بعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي، والتي نفذتها دورية مشتركة بين الملحقات الإدارية بالبرنوصي، ستتواصل طيلة أسبوع كامل وستصل إلى الزنقة 28 بالبرنوصي، والتي تعرف بدورها انتشارا كبيرا للباعة المتجولين. وكشف المصدر، في تصريحه ل"الصباح"، أن هذه الحملة "ستطول كذلك الباعة المتجولين والمساكن العشوائية والأسواق العشوائية بالبرنوصي وكذلك مقاطعة سيدي مومن وأهل الغلام. وتواصلت "حملة تفكيك المنصات والعربات الثابتة"، كما تطلق عليها السلطات المحلية؛ والمخصصة لاستئصال الباعة المتجولين في مقاطعة البرنوصي، أول أمس (الأربعاء)، إذ بلغت الزنقة 28، والتي تم إخلاؤها من الباعة المتجولين و"الفراشة".وذكر مصدر من السلطات المحلية، التي أشرفت على الحملة أنه بعد إخلاء الزنقة تم إخضاعها لعملية تنظيف واسعة باستعمال المادة الكيماوية "الكلور"، بغرض القضاء على كامل عوامل التلوث المتفشي في المنطقة؛ خاصة القضاء على الحشرات والجرذان، التي وفرت لها الأوساخ المنتشرة هناك ظروف التكاثر والنمو إلى درجة أصبحت من المشاهد الأساسية ضمن هذه الأسواق العشوائية.وأوضح مصدر "الصباح" أن الحملة تُوجت بتحطيم 250 عربة مدفوعة، كان لابد أن تليها عملية تنظيف واسعة لإزالة مخلفاتها، وتخليص فضاء هذه الزنقة من أكوام الأزبال وفتحها في وجه حركة المرور بعد أن ظلت مغلقة لعدة عقود. محمد أرحمني

السلطات “تشطب” جنبات سوق طارق بالبيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التعذيب... افتراء الدولة وغلو الضحايا

الاتحاد يفوض وسيطا لإبرام الصلح مع مولاي هشام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات