المنتوجات الجزائرية تغرق الجهة الشرقية

إغلاق عشرات محطات البنزين والمعامل وفوضى في الدورة التجارية للجهة بسبب التهريب الهدوء الذي يطبع مراكز شرطة الحدود على الجانبين المغربي والجزائري لايكسره شيئ سوى العصافير التي تملأ المكان تغريدا، وفي مركز زوج بغال الحدودي الذي لا يبعد عن مدينة وجدة المغربية سوى ب8 كلمترات وعن مغنية الجزائرية ب 15كلمتر، لا حقيقة تهيمن سوى حقيقة لؤم السياسة ومكر التاريخ، فالحدود مغلقة رسميا منذ حوالي أربع عشرة سنة بسب حادثة أطلس أسني، إلا أن العلاقات التجارية والاقتصادية غير الرسمية لم تنقطع أبدا ،بل ازدادت وثيرتها بالمواصفات والشروط التي فصلها على المقاس والعابرون للحدود والكثير من الفئات التي تقتات يوميا من إغلاق الحدود الرسمي هذا، لتفرض واقعا معيشيا يوميا يسمى التهريب، ومن الضفتين، في ظل حرب تبدو غير جدية في الكثير من الأحيان تخوضها فئات من القوى النظامية بين الحين والآخر، حتى ليبدو كأن الأمر جزء من مسرحية عبثية تحكم المناطق الحدودية من الجانبين. وفي ظل هذه الشروط تنشط حركة التهريب بين المغرب والجزائر ،بسبب قانون العرض والطلب، وبسبب تغاضي الدولتين معا لأسباب تعود لضعف النشاط الإنتاجي في هذه المناطق وارتفاع نسبة البطالة ،وكذا للتخفيف من حدة الأزمات الاجتماعية، إلا أن الظاهرة اتسعت حدتها منذ ثلاثة عقود تقريبا، ولم يعد هذا النشاط محدودا مقتصرا على منطقة دون الأخرى، بل شمل كل المدن الشرقية تقريبا من جنوب وجدة إلى غاية مدينة السعيدية ومن الجانب الجزائري يصل خط التهريب جنوبا إلى نواحي مدينة بشار على الحدود الجنوبية المغربية الجزائرية، وتحولت مدينة وجدة تحديدا إلى مركز تجميع لسلع التهريب من الجزائر وإعادة التوزيع بالجملة إلى داخل المدن المغربية، بشكل يهدد باستمرار الحركة التنموية بالجهة الشرقية أساسا، مستفيدة من انحسار التهريب من مدينة مليلية المحتلة التي كانت تعد في السابق مركز تصدير مهم للسلع الصينية والإسبانية والأوربية الموجهة نحو المغرب والجزائر، بعد التجميع بمدينة الناظور التي أدت دور مصنف للسلع والتوزيع عامة تبعا للحاجيات التي يتطلبها السوق المغربي والجزائري، والتي وصل معدل شبكتها التجارية أكثر من 3500 محل تجاري، انحسر حاليا إلى النصف تقريبا بعد فقدان دورها كموزع للسلع الإسبانية، وتحول عدد من تجارها إلى الاتجاه المعاكس، وهو إعادة توزيع المنتوجات المهربة من الجزائر نحو مدن شمال المغرب بما فيها مدينة مليلية نفسها. وخلال العشرين سنة الماضية ،طرأ تحول كبير على البنية العقارية بمدينة وجدة وبعض المدن المجاورة خصوصا مدينة بني ادرار الصغيرة وكذا أحفير وبركان، بسبب نقل العديد من التجار نشاطهم من مدينة الناظور إليها، وبروز ظاهرة كثيفة للهجرة الداخلية من كل مدن المملكة تقريبا، حيث ارتفعت أسعار العقارات بشكل صاروخي خصوصا التجارية منها، مثل سوق الفلاح العشوائي، وسوق مليلية، وسوق طنجة الذي تم هدمه ويجري الاستعداد لتوسيعه، وقيسارية «أنجاد» وسوق وجدة، والأحياء المجاورة لهذه المراكز التجارية العصرية المتعددة الطوابق، حتى ليخيل للزائر لمدينة وجدة أنها سوق كبيرة، تستحق أن تسمى مدينة القيساريات، والذي برعت في تشييدها كل المجالس البلدية التي سيرت مدينة وجدة منذ ربع قرن تقريبا . وتثير كثافة هذا النشاط أسئلة كثيرة سبق الحديث حولها في مناسبات علمية وسياسية لدى الفاعلين الاقتصاديين والجمعويين بالجهة الشرقية، على اعتبار أن هذه الوفرة في تدفق السلع الجزائرية ،الرديئة عموما مقارنة مع مثيلاتها المغربية أو الأوروبية، على مدينة وجدة وضواحيها تعكس نوايا حرب اقتصادية موجهة لتخريب الاقتصاد المغربي وضرب كل محاولات التنمية بالجهة الشرقية، حيث أن دورية جمركية مغربية و أثناء مرورها بدوار أولاد ناصر الحدودي بالمغرب منذ حوالي ست سنوات، فوجئت بوجود حوالي عشر شاحنات ضخمة متوقفة في الجانب الجزائري في انتظار تمرير سلعها إلى التراب المغربي، مما يطرح الأسئلة حول الكيفية التي وصلت بها شاحنات ضخمة محملة بالسلع المعدة للتهريب إلى الحدود مرورا بعشرات الدوريات الأمنية والجمركية الجزائرية، وكيف تمكنت من البقاء رابضة بالحدود لعدة أيام، في انتظار إفراغ سلعها في عشرات المخازن المنتشرة على الحدود الجزائرية، بينما يرى جزء من متتبعي الشأن الاقتصادي بالجهة الشرقية أن الأمر يتعلق أساسا بشبكات ضخمة من المهربين تحتل مراكز عليا بالدولة والجيش الجزائريين، تتحكم في دواليب النشاط التجاري بكل من مينائي وهران والجزائر خصوصا، حيث تتوافر حاويات ومخازن مخصصة لتجار(كبار) اعتادوا على التوفر على حماية استثنائية وقانونية كذلك ،كقدماء المجاهدين وأفراد عائلات ضباط كبار بالجيش الجزائري وشخصيات لها ارتباطات عائلية نافذة تتحكم في الدوائر الإدارية والعسكرية والمالية بالغرب الجزائري،وهذا يجعل الحاويات المستأجرة لمستورداتهم لا تخضع للتفتيش الجدي كما أنها في الغالب تكون موجهة للسوق المغربي، وتشمل المواد الكهرومنزلية والملابس الصينية ومستحضرات التجميل، ومواد وزيوت السيارات...الخ، لا يفصل بين تاريخ إنتاجها وتاريخ دخولها للسوق المغربية سوى شهور قليلة جدا.ومع ذلك فإن جل تجار المواد المهربة بقرية بني ادرار ووجدة والمصادر الجمركية التي كانت التقتها ( الصباح) في أواخر شهر أكتوبر الماضي، أجمعت على أن أسواق التهريب المتخصصة في السلع القادمة من الجزائر، عرفت تذبذبا نسبيا خلال العشرة أشهر الأخيرة، وشهد استيراد بعض المواد اضطرابا ملحوظا، خصوصا التي تكاد تختفي من لائحة التهريب كالدقيق والقمح اللين والصلب والمشروبات الغازية ومشتقات الحليب،وبعض مواد النظافة، نظرا لغلاء ثمنها، بل وتجاوزها أحيانا لثمنها بالمغرب، كمسحوق الصابون وبعض أنواع الدقيق ،ويرجع ذلك لأسباب متعلقة بضعف أداء الدينار الجزائري والكلفة المرتفعة لاستيراد تلك المواد من طرف الدواوين الجزائرية المكلفة بالاستيراد بالنسبة للمواد التي تتحكم الدولة الجزائرية في استيرادها وهي في الغالب مواد مدعمة أو تخضع لنظام خاص في الاستيراد ،رغم لجوء تجار التهريب إلى تعديل قيمة الدينار الجزائري في مواجهة الدرهم المغربي لتسهيل ترويج المنتوجات المهربة بالأسواق المغربية ،بتخفيضه خلال الأربعة أشهر الماضية إلى أقل من 2 في المائة من قيمته المعروفة والتي هي مابين 9.5 ، 11 في المائة في أحسن الأحوال، كما تعزى أسباب ذلك إلى رفع درجة الحراسة خصوصا لدى الطرف المغربي ،وكذا سوء الأحوال الجوية الذي عرفته هذه المناطق الحدودية خلال السنة الماضية ،ثم ما سبق ذكره من أسباب اقتصادية، منها تصفية الحسابات الاقتصادية فيما بين لوبيات التهريب المتنافسة داخل الجزائر. وفيما هو مؤكد أن رقم المعاملات السنوي للجهة من نشاط التهريب يفوق سقف 13 مليار درهم حسب غرفة التجارة والصناعة والخدمات بمدينة وجدة، فإن حجم المعاملات الناتجة عن التهريب في كل من سبتة ومليلية يناهز 15 مليار درهم مغربي سنويا. كما أن فرص الشغل الضائعة بالجهة الشرقية، يفوق 22 ألف منصب. دون الحديث عن الخطورة التي تشكلها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي، سيما في ظل ارتفاع عدد عمليات حجز البضائع المغشوشة والمهربة من طرف المديريات الجهوية الثلاث بشمال المغرب (الشمال الغربي، الشمال الشرقي والوسط) التي بلغت خلال النصف الأول من سنة ,2008 بحوالي 21,19 بالمائة، مقارنة مع الفترة ذاتها من سنة 2007، دون الحديث عن صرخات الصيادلة المستمرة ضد تهريب الأدوية، وعن عشرات محطات البنزين التي أغلقت بمدن الجهة، وعشرات حوادث السير التي تخلفها قوافل مقاتلات التهريب بمدن الجهة، وعشرات المعامل التي اضطرت إلى إقفال أبوابها من جراء منافسة غير شريفة بسبب آفة أريد لها على الأقل في المدى القريب أن تتحكم في الدورة الاقتصادية للجهة الشرقية. محمد المرابطي (وجدة)

الإفلات من العقاب يشجع تنامي تهريب البنزين

بورتريه:نهاية محتومة لمهرب ناشئ

مقالات ذات صلة