التقني والفكري … لعبة الكر والفر

تخصصات جامعية تفرخ العاطلين وحل الترقيع أمام التكوين أعاد خطاب الملك محمد السادس في خطابه الأخير في ذكرى 20 غشت، إلى الواجهة نقاش موقع التكوين المهني، ومستقبله في إيجاد البدائل الكفيلة بتجاوز فئات عريضة من الشباب حالة العطالة التي يعيشونها، وهو ما جعل الملك يشدد على أهميته ودوره في فتح آفاق الاندماج المهني والاستقرار الاجتماعي. وقال الملك بالحرف إن "الحصول على شهادة الباكالوريا وولوج الجامعة ليس امتيازاً، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم". كما شدد الخطاب الملكي على "دور التكوين المهني والعمل اليدوي في إدماج الشباب، انطلاقا من حرف الصناعة التقليدية، وما توفره لأصحابها من دخل وعيش كريم". هذا النقاش فتح ملف التكوين المهني من جديدا، ودفع عددا من المهتمين بالموضوع إلى الخوض في أعطابه، وكذلك أيضاً في صعوبة وصول خريجيه إلى مناصب شغل توازي مؤهلاتهم، مقارنة بالتعليم الجامعي. لكنه في المقابل أثار مخاوف الكثيرين من أن يكون الخطاب يتضمن إشارة إلى استبعاد دور الجامعة المغربية، وبعض الشعب فيها المرتبطة بمجالات الفكر والثقافة، والتي صار ينظر إليها على أنها لم تعد ذات جدوى، أو أنها مشتل يفرخ جيوش العاطلين، الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على مواكبة متطلبات سوق الشغل أو فائضين عن حاجته. كما أعاد الموضوع رواسب نقاشات قديمة حول تعارض التقني والفكري في التخصصات الدراسية بالمغرب، منذ عقود، وأفكارا حول نفور رسمي للدولة من التخصصات الفكرية والأدبية والتي لها صلة بمجال العلوم الإنسانية، والتي لم تكن ترى فيها سوى مصدر إزعاج لارتباطها لفترة معينة بتيارات اليسار الجذري خلال الستينات والنصف الأول من السبعينات. ولم تكن المضايقات التي عرفتها شعبة مثل الفلسفة ومعظم الطلبة المنتسبين إليها، خلال سنوات الرصاص، سوى وجه من وجوه سعي الدولة إلى توجيه طلبة الجامعيين إلى تخصصات بعينها، تبعد عنهم "سخونية الراس" وتقتل فيهم ملكة النقد والتحليل والتفكيك والمساءلة. وبدا وكأن هناك تعارضا جذريا بين بعض التخصصات الجامعية، التي وفرت أسماء عديدة في مجال الفكر والأدب والنقد، وفئة عريضة منها وجدت نفسها أمام طريق واحد هو التدريس، حتى إذا ما انسدت هذه السبيل تكون البطالة هي المصير المحتوم. هذا الوضع جعل فكرة التكوين المهني تبدو بمثابة المخلص و"المنقذ من الضلال"، وفي الوقت نفسه سبيلا أيسر لتكوين فئات من الخريجين، الذي اختاروا الابتعاد عن التخصصات "المزعجة" أو لا طائل منها بالنظر إلى التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، والتي سارت في اتجاه تكريس هامشية الفكر والثقافة، في المجال العام، ومحاصرة التخصصات التي تفرزه. وفي المقابل صار التكوين المهني يوفر ما يناهز 300 شعبة، حسب ما تشير إليه بعض الإحصائيات، في مختلف المؤسسات الموزعة على المغرب، لكن أغلبها لا تعطي حظوظا كبيرة للمتدربين لدخول سوق الشغل، باستثناء بعض الشعب مثل الإلكتروميكانيك وصناعة الطائرات واللوجيستيك والبناء والأشغال العمومية، وهي تخص مستويات التقني والتقني المتخصص. أما شعب التأهيل التي تقبل الحاصلين على مستوى التاسعة إعدادي، فأغلبية خريجيها يعتمدون على التشغيل الذاتي أو الانضمام إلى ورشات صغيرة، مثل الميكانيك أو النجارة أو الألمنيوم والترصيص والخياطة، وهي مهن ذات أجور ضعيفة. كما أن خريجي معاهد التكوين يواجهون بدورهم مشاكل عدة، منها اشتغالهم دون ضمانات أو أنظمة اجتماعية وصحية، تكفل لهم العيش الكريم خلال العمل أو بعد التوقف أو التقاعد عنه، دون الحديث عن الأجور الضعيفة التي لا تصل في أغلب الحالات إلى الحد الأدنى للأجور، ما يعني أنها لا تتيح فرص تحسين للوضعية الاقتصادية والاجتماعية. عزيز المجدوب

التقني والفكري … لعبة الكر والفر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار

التكوين المهني ... طوق النجاة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات