العطاوية … “ميتروبول” الزيت

موسم استثنائي في الإنتاج يعزز الحركة الاقتصادية بالمنطقة تشتهر منطقة العطاوية، بإقليم قلعة السراغنة، بشجرة الزيتون، وتعرف أيضا بجودة رفيعة في إنتاج زيت الزيتون، إذ تساهم بحوالي 10 بالمائة من الإنتاج الوطني السنوي. وتشهد المنطقة هذه السنة موسما استثنائيا، إذ ساهمت الظروف الطبيعية في الرفع من حجم الإنتاج، وهو ما انعكس على الأسعار، إذ توفر المنطقة أنواعا من الزيتون والزيت بأثمان مناسبة، كما ساهم هذا العامل أيضا في النشاط الاقتصادي بالمنطقة، وأتاح فرصا كثيرة في التشغيل، غير أن العطاوية تعاني غياب المواكبة، وتأطير الفلاحين في الجانب التقني للنهوض بالانتاجية، وتشجيع التسويق الداخلي والخارجي، وكذا غياب التعاونيات المحلية، ووحدات التصنيع. إنجاز: عصام الناصيري - تصوير: عبد الحق خليفة (موفدا الصباح إلى العطاوية) تقع بلدة العطاوية بجهة مراكش آسفي، وتبعد عن قلعة السراغنة بـ 28 كيلومترا جنوبا، وكانت تسمى "العطاوية الشعيبية"، نسبة إلى ساقية قديمة تدعى "الشعيبية"، وهو ما يبرز طابعها الفلاحي، وارتباطها بالسواقي والقنوات، التي تخترقها، والتي ساهمت في تعزيز مكانتها الفلاحية، خاصة في ما يتعلق بأغراس الزيتون، وإنتاج الزيوت. موسم استثنائي تشير الأرقام الرسمية إلى أن إنتاج الزيتون هذه السنة يقارب مليوني طن، أي بارتفاع بلغ نسبة 28 في المائة، مقارنة مع الموسم الماضي، ويبدو أن الواقع يعزز هذه الأرقام، إذ تنقلت "الصباح" إلى العطاوية، وعاينت فرحة الفلاحين وأرباب المعاصر بغلة هذه السنة، وأكد بعضهم أن هذا الموسم استثنائي، بالنظر إلى الظروف المناخية الجيدة، وتساقط الأمطار في أوقات منتظمة. ينطلق موسم جني الزيتون ابتداء من أكتوبر، ويدوم قرابة خمسة أشهر، فيما تستمر عمليات التحويل الصناعي أشهرا أخرى، ويقول عبد العزيز غازي ، وهو فاعل جمعوي بالمنطقة، وملم بقطاع الزيتون، "إن موسم الزيتون يخلق نشاطا اقتصاديا كبيرا بالمنطقة، ويوفر فرصا كبيرة للشغل، سواء في الجني، أوالنقل، أوالعمل داخل المعاصر، كما يدر دخلا مهما على الأسر، خاصة أن أغلب مالكي الضيعات من السكان المحليين". وأضاف المتحدث ذاته، أن منطقة العطاوية مشهورة بجودة زيت الزيتون، مؤكدا أن المستهلكين يقبلون عليه بشكل كبير، سواء تعلق الأمر بالاستهلاك الذاتي، أو الموزعين والتجار، موضحا أنه رغم العدد الكبير للمعاصر بالمنطقة، إلا أنها تكون مكتظة في أغلب الأحيان، لأن الإنتاج مرتفع بالعطاوية. ومن جانبه قال صاحب معصرة حلت بها "الصباح"، "بدأنا الاشتغال منذ منتصف أكتوبر، والعطاوية منطقة معروفة على الصعيد الوطني بزيتها الفريد واللذيذ"، مضيفا،"نتزود بالزيتون من قبل الفلاحين ومن السوق المحلية، أنا لا أشتري الزيتون "البراني" أبدا، ولا أدخله إلى ورشتي". ومن جانبه يقول الحسن شوقي، وهو باحث في تاريخ السراغنة، "يمكن القول إن منطقة العطاوية أو قلعة السراغنة عموما معطاءة في هذا المجال، سيما أنها تتوفر على نهر من أهم الأنهار بالمملكة، وهو وادي تساوت الذي تغذيه عيون أم الربيع، والذي يصب بالمحيط الأطلسي عند مدينة أزمور، إذ تنتشر هذه الشجرة على ضفافه، وبالتالي فهذه الشجرة كثيرة ومعمرة في المنطقة لقرون، والناس لهم اهتمام بها من حيث السقي والغرس والتشذيب والتجديد وغيرها، كما أن جزءا كبيرا من مداخيل السكان من هذه الشجرة، والتي يباع محصولها في أسواق بني عامر والسراغنة وزمران". جني الثمار يمر موسم جني الزيتون على مجموعة من المراحل، إذ يبدأ الفلاحون منذ أكتوبر في جني غلتهم، ويقول غازي، "إن السكان يشرعون في جني الزيتون الأبيض المسمى بالعامية "المشقوق"، من مطلع أكتوبر إلى نهاية نونبر، أما الأنواع الأخرى مثل"المخلطة" أو "الحمرة"أو"الكحلة" فيتم جنيها بين شهري دجنبر وفبراير". وتختلف أسعار الزيتون من نوع لآخر، إذ يؤكد غازي أن الثمن يكون متأثرا بقاعدة العرض والطلب، كما أن ثمن نوع "البيضة" يكون مرتفعا على سعر "المخلطة"، غير أن ثمن النوع الأسود يبقى الأعلى، لأنه في الغالب لا يطحن، بل يحول إلى زيتون مصنع، أو معلب، وعليه إقبال كبير. ويضيف مالك المعصرة الذي تحدثت إليه "الصباح"، إن أسعار الزيتون هذاالموسم تتراوح بين 3 دراهم ونصف وأربعة، وأما الزيتون القادم من خارج العطاوية فيصل سعره إلى ثلاثة دراهم ونصف، مضيفا أن "ثمن الزيت انخفض هذه السنة، إذ لا يتجاوز سعر اللتر 38 درهما، وأما سعر الجملة فلا يتجاوز 36 درهما، وكما هو معلوم فنحن نساير السوق". وتابع المتحذث ذاته قائلا "نعصر الزيتون في مطحنة شبه تقليدية بعدما جربنا الطريقة العصرية قبل سنوات، لأن النتيجة كانت عكس المتوقع، إذ خسرت جزءا من زبنائي بسبب اعتماد الطريقة العصرية، لأن الزيت يفقد طعمه و"الختورية" بعد ثلاثة أشهر فقط، ويصبح خفيفا وطعمه رديء، لذلك قررت العودة إلى الأسلوب التقليدي، الذي يحافظ على جودة الزيت". وزاد المتحذث ذاته قائلا، "طحن الزيتون بالأسلوب التقليدي أو العصري لا يؤثر على الإنتاجية، والدليل أني بدأت العمل في 15 أكتوبر، وبعد مرور شهرين ونصف شهر وصل معدل الإنتاج 450 طنا، وما زال أمامنا الكثير من العمل، ورغم هذا الحجم الهائل في الإنتاج، إلا أن الزيت ينفد بحلول مارس، واضطرإلى اقتناء الزيت الذي سأشتغل به في باقي شهور السنة، من قبل أشخاص أعرفهم، تتوفر فيهم شروط الثقة وجودة المنتوج". وأكد مالك المعصرة أن زبناءه يحجون إلى العطاوية في كل موسم، من جميع مدن المملكة وخارجها، موضحا، أنه يتعامل مع جميع الفئات، سواء تعلق باستهلاك الأسر، أو بالموزعين الذين يعاودون بيع الزيت بالجملة والتقسيط في أماكن أخرى، مبرزا "رأسمالنا هو علاقتنا المتميزة مع الشركاء، الذين يأتون من جميع المدن، من البيضاء والرباط وسلا وغيرها". زبناء أوفياء يقول صاحب المعصرة الذي استجوبته "الصباح"، إنه يسوق منتوجه في مجموعة من المدن، موضحا أن أصحاب الجملة يفضلون زيوت العطاوية، في الوقت الذي كانت فيه "الصباح" تحاور صاحب المعصرة، دخل رجل يبدو في عقده الخامس، تبين في ما بعد أنه زبون وفي، دأب على اقتناء زيت العطاوية قصد بيعها بالتقسيط في البيضاء، إذ قال "أتعامل مع هذه المعصرة منذ 17 عاما، بالنظر إلى جودتها، خاصة أن الناس يطلبونها بكثرة"، موضحا "آتي كل موسم، ثلاث مرات، وأشتري طنا في كل مرة، لأن هناك إقبالا والناس يتصلون بي يريدون الزيت، إلى حدود الساعة اشتريت ثلاثة أطنان، وأتواصل مع صاحب المعصرة في الهاتف فقط، إذ يخبرني أنه بدأ عملية الطحن، وبعد أسبوع أحل بالعطاوية، وأشتري من "الطحنة" الأولى". فرص شغل مهمة يشكل موسم الزيتون بالعطاوية فرصة مواتية للكسب والعمل، سواء تعلق الأمر بالعمال في الجني والمعاصر أو أرباب الضيعات، إذ يقول صاحب المعصرة الذي زارته "الصباح"، "إن المعاصر توفر فرصا للشباب المحلي الباحث عن عمل، إذ نشغل بهذه الوحدة أزيد من 12 عاملا، لكن الملفت في هذا الموسم، أننا عانينا لإيجاد العمال، إذ ارتفعت الأجرة وقل العمال، إذ بلغ الأجر اليومي 150 درهما. وفي السياق ذاته، يؤكد غازي، أن الزيتون بالعطاوية يعد أكثر الميادين التي توفر فرص الشغل، إذ قال "إن موسم الزيتون يوفر حركة اقتصادية لدى السكان المحليين، لأن المنطقة تعرف وجود مئات من هكتارات أغراس الزيتون عبر التاريخ، ومازالت هذه الفلاحة عملة رائجة في المنطقة، إذ يقبل الناس على غرس شجيرات جديدة، لتوسيع إنتاجهم، إما عبر البرامج الحكومية التي تسعى إلى الرفع من الإنتاجية أو الغرس الذاتي، ويمكن القول إن زراعة هذه الشجرة في المنطقة تعرف تقدما وتحسنا كبيرين". وتعد تجارة الأواني البلاستيكية بالمناطق التي تعرف إنتاجا كبيرا للزيتون من الأنشطة المربحة كذلك، إذ يقول الفاعل الجمعوي، الذي تحدثت إليه "الصباح"، "يصل سعر قارورة لتر واحد إلى 25 سنتيما، و5 لترات تباع بـ 3 دراهم، بينما يصل سعر عبوة 20 لترا إلى 26 درهما، وأما عبوة 34 لترا فثمنها 38 درهما"، وأما في ما يخص سعر طحن الزيتون بالمعاصر بالنسبة إلى الأشخاص الذاتيين فلا يتجاوز 40 درهما للقنطار الواحد، بمعدل 8 سنتيمات لكل كيلوغرام". غياب التعاونيات لعل أكثر المشاكل التي تواجه قطاع الزيت والزيتون بالعطاوية غياب التعاونيات الفلاحية والجمعيات، التي من شأنها تنمية القطاع وهيكلته، والانتقال إلى مرحلة الإنتاج الصناعي، إذ ما يزال الزيتون يسوق إلى باقي المدن دون خضوعه للتصنيع والتعليب، ويقول غازي في هذا السياق، "للأسف هناك تعاونيات معدودة بالمنطقة، وأتحدث عن تلك الفاعلة في إنتاج الزيتون وتصنيعه، إذ النسبة الكبيرة من الإنتاج تباع في شكلها الخام، وهناك نقص كبير في التعاونيات، فرغم وجود بعضها إلا أنها غير فعالة ولا تشتغل في الميدان، ولا تنظم الفلاحين، لأن مسيري تلك الوحدات أميون ولا يفقهون أساليب عمل التعاونيات، وأشكال توسيع الإنتاج والاستثمار".

العطاوية … “ميتروبول” الزيت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حملة إنسانية لتوزيع ملابس مقاومة للبرد بتفراوت

المونودرام المسرحي يتجدد في مراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات