“شبح البوعزيزي” بقيسارية الحفاري بالبيضاء

"الفراشة" يؤثثون شارع محمد السادس مقابل مبالغ مالية ينتشرون هناك، بين أزقة كراج علال بالدار البيضاء، وأيضا بشارع محمد السادس. لا يمكن تجاوزهم بسهولة. إنهم قوة لا يمكن تجاهلها، يتكاثرون يوما بعد آخر، وفي كل يوم تتضاعف قوتهم. إنهم "فراشة" كراج علال و"قيسارية الحفاري". أشخاص حوّلوا شارع محمد السادس إلى "كابوس"، على حد قول بعض سائقي سيارات الأجرة الذين اعتادوا المرور من هناك. إزعاج على مدار الأسبوع وقوف السيارات أو مرورها من شارع محمد السادس، صعب للغاية. تكاد تعتقد أن السيارات في ذلك الشارع لا تبرح مكانها. المنبهات الصوتية لا تتوقف، وضجيج الموسيقى الشعبية المغربية، الذي يملأ المكان، يزيد حدة التوتر. لا يهم إن أنار الضوء الأحمر أو الأخضر بشارع محمد السادس، لان الحاكم والناهي هناك، هم "الفراشة" الذين اتخذوا من الشارع مكانا يعرضون فيه سلعهم المتنوعة."ياربي راك كتشوف"، بطريقة يلفها المزاح، حاول سائق سيارة أجرة، تجاهل توتره بسبب الباعة المتجولين الذي يعرقلون سير جل وسائل النقل وأيضا المارة بشارع محمد السادس. وقبل أن يكمل الرجل حديثه، قال أحد ركاب سيارة الأجرة "هؤلاء الباعة يشكلون معضلة يجب مواجهتها بالبحث عن حلول ناجعة لأنهم يستقرون في الطرقات ويعرقلون السير ويؤثرون على الاقتصاد الوطني".حوار الرجلين، كان يتجه صوب اتجاه واحد، يتجلى في أن هؤلاء الأشخاص، الذين يستغلون الملك العام، لعرض سلع هي ذاتها ما تعرضه المحلات التجارية، يشكلون مشكلة حقيقية، يجب الوقوف عندها والبحث عن الأسباب والحلول.المنبهات الصوتية للسيارات زادت حدة بعد أن حاول سائق سيارة الأجرة التوقف بالقرب من "الفراشة"، وكأنهم يحاولون منعه من التوقف لأنه يعرقل السير أكثر، إلا أن السائق لم يبد اهتمامه بالسيارات، وتوقف رغم أنف الجميع، موضحا "إلى ما درناش هكا ما عمرنا نوقفو".مغادرة عالم سيارة الأجرة ودخول عالم آخر، أبطاله "الفراشة" وأصحاب المحلات التجارية، بالإضافة إلى زبنائهم، ليس بالأمر الهين. في العالم الثاني يتكشف الواقع، وتتضح معالم الفوضى التي كان يتحدث عنها سائق سيارة الأجرة وزبونه. هناك تلمس درجة انزعاج أصحاب المحلات التجارية من "الفراشة". في هذا الصدد، قال صاحب أحد المحلات التجارية بكراج علال إنه لا يعقل أن يستمر الوضع بهذا الشكل، خاصة وأن العديد من هؤلاء الباعة لا يحترمون المحلات ولا يفكرون سوى في مصلحتهم. التجار يصرخون..."كفى من الفراشة" بحت حناجر تجار المركز التجاري كراج علال الحفاري، وأبدوا استعدادهم الكامل لخوض جميع الأشكال النضالية المشروعة والقانونية دفاعا عن حقوقهم "كفاعلين اقتصاديين يساهمون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمدينتهم ولبلادهم بصفتهم قطاعا منظما يؤدي للدولة الرسوم والضرائب المفروضة عليه".التجار، شنوا حملة ضد الفراشة بطريقتهم الخاصة، وأرسلوا حزمة من الشكايات إلى الجهات المسؤولة، يحتجون فيها على انتشار "الفراشة" والباعة المتجولين لكن "لا حياة لمن تنادي". ووصل الأمر إلى حد تهديدهم بمقاطعة تسديد الضرائب، مؤكدين أنهم ينوون رفع دعوة قضائية ضد المسؤولين الذين "سمحوا بهذه الفوضى الغير قانونية"، على حد تعبيرهم، من أجل أن تتدخل الجهات المسؤولة، مؤكدين أنهم أعطوا مهلة للسلطات المركزية والجهوية والمحلية لتصحيح الوضعية الراهنة "وإلا سيكونون مضطرين لاتخاذ جميع الإجراءات النضالية المشروعة في مواجهة هذا الوضع الشاذ والغير قانوني".وعبر التجار عن استيائهم من الموقف السلبي للسلطات المحلية بخصوص الباعة المتجولين الذين أصبحوا يستولون على جميع المنافذ المؤدية إلى المحلات التجارية وللقيساريات "الأمر الذي أثر على مدخولهم اليومي وعرضهم للإفلاس بسبب صعوبة وصول الزبناء إلى المحلات التجارية المنظمة، وبسبب السلع المهربة التي غالبا ما تكون غير صالحة للاستهلاك والتي تعرض بأثمنة منخفضة جدا تشكل منافسة غير شرعية".كما استنكروا استيلاء الباعة المتجولين على شارع محمد السادس وجميع الأزقة، إلى جانب عرقلة عملية شحن وإفراغ السلع بالمحلات التجارية "أصبح التجار مع ذلك الوضع يجدون صعوبة كبيرة في إخراج أو إدخال السلع إلى محلاتهم، كما أن عملية المرور أضحت جد صعبة من الشوارع المحاذية للمركز التجاري كراج علال الحفاري، ما أدى إلى نفور أغلبية الزبناء أصحاب السيارات من اقتناء حاجياتهم منه". "شبح البوعزيزي" درب السلطان، الحي المحمدي، الحي الحسني، البرنوصي... من بين الأحياء التي أصبحت شبه مغلقة أمام المارة بسبب انتشار الباعة المتجولين أو "الفراشة" الذين مارسوا هذه "التجارة" من أجل تحسين وضعهم. أشخاص استغلوا ما حدث مع البوعزيزي، البائع المتجول الذي تسبب في اندلاع الثورة التونسية، معتقدين أنهم بإعادة السيناريو ذاته في حالة إذا منعتهم السلطات من عرض سلعهم، سيتمكنون من تحقيق أهدافهم. الأشخاص ذواتهم أطلقوا سراح البوعزيزي بقيسارية الحفاري" وكراج علال، فارضين على الجهات التي تحاول محاربتهم، الاستسلام للأمر الواقع.من المؤكد أن المتضرر الكبير، في ظل انتشار "الفراشة"، الذين يقدر عددهم في كراج علال والأحياء المجاورة له، بـ30 ألف شخص، هم التجار القانونيون أصحاب الرخص الذين يؤدون الضرائب والذين يتكبدون ثقل الفواتير المتتالية. وبالنظر إلى وضعية "الفراشة"، نجد أنهم أيضا عانوا في صمت، واستنفدوا كل الطرق من أجل الحصول على ما يسد رمق عائلاتهم، ولم يتبق لهم سوى عرض سلعهم على الأرصفة، فاستغلوا الفرصة، واحتلوا الشوارع من أجل ربح القليل من المال. لكن، بمقابل، لأنهم على حد تعبير أحدهم "يدفعون المال مقابل أن يحتلوا المكان"."لا يمكن أن نعرض سلعتنا بكراج علال، دون أن ندفع من 100 إلى 200 درهم في اليوم"، هذا ما أكده احد الباعة كان يعرض على عربة خشبية مواد غذائية، قال إنه يأتي بها من تطوان، مؤكدا أن عائلة كانت تسكن أحد المنازل أجرت له بقعة أمام منزلها ب150 درهما لليوم الواحد.وأضاف الشاب أن غياب البديل حتم عليه كراء البقعة الأرضية "البطالة والمكوث في البيت وعدم القدرة على سد حاجيات الأسرة، دفعني إلى ذلك، لا أندم على استغلال الشارع، في ظل غياب الحل". كما يضطر الكثير من "الفراشة" إلى تقديم إتاوات يومية لأشخاص من أجل السماح لهم بعرض سلعهم "أصبح هؤلاء الأشخاص يقسمون الطريق العام إلى مربعات لكرائها للباعة المتجولين الوافدين على المركز التجاري من داخل وخارج الدار البيضاء".وهذا بالضبط ما أكده محمد الذهبي، منسق جهوي للاتحاد العام للمقاولات المهنية، مضيفا أن الواقع بكراج علال يؤكد أن "الفراشة" يكترون البقع الأرضية من أجل أن يعرضوا سلعهم. وأضاف في حديثه مع "الصباح" انه مع ذلك الوضع، اضطر الكثير منهم إلى عرض السلع على متن سيارات كبيرة "أصبحت سيارات تحمل سلعا مختلفة تركن بكراج علال، أصحابها لا يضطرون إلى كراء البقع الأرضية، إذ بمقدروهم التنقل من شارع إلى آخر، ودون أن يثيروا انتباه السلطات".مليكة 32( سنة) صاحبة «فراشة»، قالت إن «زوجها عاطل عن العمل ولها ثلاثة ابناء، الأمر الذي دفعها إلى وضع»الفراشة»، مضيفة «ليس عيبا الخروج لممارسة هذا النوع من التجارة، في غياب بديل حقيقي، علما بأنني أكسب منه بعرق جبيني، فهو نشاط شريف كباقي الأنشطة الأخرى».إيمان رضيف

“شبح البوعزيزي” بقيسارية الحفاري بالبيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

معاذ...الطفل الموهبة

مكتب الصرف... شركتان تهربان 208 ملايين درهم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات