هوس التسوق العشوائي

الخدري: المهووس يدخل في حالات انفعالية غير محسوبة العواقب اشتكى المغاربة في السابق من ندرة المنتجات الغذائية، وعانوا كثيرا في البحث عنها والتسابق لاقتنائها لتلبية حاجياتهم الملحة، وخاضوا معارك لأجل توفيرها، ومظاهرات لتقليص أسعارها بعد منتصف الثمانينات، وحينما شيدت المساحات الكبرى لعرض المنتجات، وتنوعت العروض بمختلف أشكالها وألوانها، انتقل المغاربة من مجتمع الفاقة والاحتياج، إلى مجتمع الاستهلاك المتعدد الأبعاد. وغير المغاربة من معاني بعض القيم المجتمعية، اعتقادا منهم أنهم يسايرون العصر، فرفعوا من شأن التعامل المادي لاقتناء منتجات استهلاكية لتلبية الحاجيات الملحة، إلى ما هو رمزي في المعاملات للظهور بمظهر التباهي والتفاخر وسط الأسر والفئات الاجتماعية، بأن ما تم اقتناؤه مكلف جدا وهم قادرون على تحمله، حتى لو اضطروا إلى اقتراض المال من البنوك أو استعمال شيكات بدون رصيد، ما يعرضهم للعقاب، ومع ذلك يصرون على فعلهم الذي يصل إلى حد وصفهم ب"مجانين الشوبينغ". وقال إدريس الخدري، دكتور في المالية من أمريكا، والمختص في "الكوتشينغ" المالي للكوبل والأسرة" في تصريحات لـ"الصباح" إن الإنسان كمي وكيفي بطبعه، يعيش بالفطرة وبحساب رقمي، ويتعامل مع الأشياء بمنظور الفطرة والقلب والعقل، لكن حينما يتجاوز السلوك البشري منطق العقل الذي يرتكز على ترشيد الإنفاق، إلى القلب الذي يستدعي الشهوات لاقتناء ما يلبي غرائز الجسد وحينما يتجاوز الحد الأقصى، يفرغ الجيب بالتبذير. ولا يميز المغربي، يضيف الخدري، بين تلبية الحاجيات الملحة، للعيش بسلام، وتلبية الرغبات الكثيرة، ما يستدعي المزيد من الإنفاق بوعي أو بدونه، وهذا يؤدي إلى خلل في ميزانية الأسرة، مشيرا إلى أن مشكل المغاربة يكمن في تصرفهم "بانفعال مالي" مع المنتجات المعروضة عليهم، عبر الإسراف، بدلا من اتخاذ القرار بعقلانية وضبط النفس، مقدما مثلا على ذلك بما يجري بالحياة الزوجية التي تعرف أحيانا بعض المشاكل، فيتجه الرجل إلى الحانة ليقضي "ليلة حمراء" ينتقم فيها من بطاقة حسابه البنكي، فيما تنتقم الزوجة بدورها من بطاقة حسابها البنكي في المحالات التجارية عبر شراء المنتجات بشكل كبير يتجاوز الحاجيات. وأكد الخدري أن الاقتناء الزائد عن الحد، في بعض الأحيان، قد يكون ناتجا عن حسد إزاء الجار أو الصديق، ما يدخل الحاسد في زوبعة "السلوك الانفعالي" الطائش ويزيد من متاعبه في اللجوء إلى الاقتراض الذي يدخله في دوامة جديدة من المشاكل النفسية والاجتماعية، لذلك ينصح بنشر ثقافة جديدة وصفتها ب"التثقيف المالي"، عبر بثها في قالب الأغنية المغربية، ومراجعة تربية الأطفال لجعلهم يتعاملون بشكل ذكي وعقلاني مع الأموال وتكوينهم تكوينا جيدا كي يميزوا بين الحاجة في تلبية الأساسي في الحياة، والرغبة في التباهي والتفاخر دون إمكانيات. وأشار المتحدث نفسه إلى أن رمضان الذي خصص للعبادة والتضامن مع المحتاجين تحول عند المغاربة بفعل سلوك التبذير المالي إلى "انتحار طبقي". ومن جهته، قال إدريس القري، أستاذ الفلسفة وباحث في علم الاجتماع، إن هناك ثلاثة عوامل لجنون "الشوبينغ"، هو أن المغاربة لا يتعاملون بعقلانية مع الاستهلاك، الذي هو عموما ناتج عن قيم الرأسمالية الأصيلة التي أنتجتها البورجوازية الغربية، لذلك لم يحسن المغاربة وهم يستوردون هذه السلوكات، من التعامل مع التحولات المجتمعية بطريقة ذكية، مؤكدا أن ذلك يقع حتى في الملتقيات والمهرجانات، إذ تجد الأساتذة والمثقفـين والنقاد والفنانين، من طينة الذين يوصفون "بالكبار" يملؤون "طباسلهم"، بما لذ وطاب من المأكولات بشكل يتجاوز حصة الفرد الواحد، بل تجد خليطا من أنواع التغذية التي لا يمكن تناولها دفعة واحدة. أحمد الأرقام غياب المسؤولية اعتبر القري أن العامل الثاني يكمن في انعدام الإحساس بالمسؤولية فيتزامن استهلاك الكلام مع المشتريات، لضمان الاطمئنان النفسي بأن لا شيء سيضيع من المستهلكين، لكن وهم يشترون بشكل هستيري، يغفلون أن هناك أناسا آخرين أكثر حاجة منهم، لذلك يوصف سلوكهم بالأناني، فيما يتجلى العامل الثالث كما يجري دائما في رمضان في اقتناء غير واع لكل المنتجات، كأن هناك ندرة لها وتتطلب تسابقا حتى لا تختفي من الأسواق، فهو سلوك يدخل المستهلكين في "الصراط المستقيم"، وهو ما يخالف الهدف من شهر الصيام، الذي يعني الصبر والإحساس بالحرمان، وقبول الآخر المحتاج، والعناية به بعيدا عن الدعاية الإعلامية الحكومية التي ترتكز بدورها على توفير كل الحاجيات في هذا الشهر، والحرص على المراقبة وتلبية الرغبات، لذلك فإن المغاربة بصفة عامة يعيشون حرب الحرمان القسري، بتنويع مشترياتهم حد الجنون.

هوس التسوق العشوائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مخاطر سماعات الأذن على الأطفال

الإرهاب يقرب بين واشنطن والرباط

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات