العثمانيون يحتلون قلوب العرب

إذا كان المغرب، استعصى ذات تاريخ مضى، على الإمبراطورية العثمانية التي عجزت عن احتلاله مثلما فعلت بالعديد من البلدان العربية، فإنه اليوم يفتح لها الأبواب على مصراعيها، ويستقبل استعمارها الجديد بالكثير من القبلات والأحضان، شأنه في ذلك شأن باقي بلدان عالمنا العربي، الذي ما زال ينخره التخلف والجهل والأمية. البوابة التي دخلت بها تركيا (الإمبراطورية العثمانية سابقا)، اليوم، بلدان العرب واحتلت من خلالها قلوبهم، هي التلفزيون. وهي وسيلة دعاية و»بروباغندا» تتجاوز خطورتها بكثير الدبابات والصواريخ العابرة للقارات. صحيح أنها «سوفت»، لكن لها من الآثار المدمرة ما تعجز عن فعله أقوى الآلات الحربية.يقول ملاحظون إنه لولا الدراما، لما استطاع سياسيو تركيا، بدءا من رئيس وزرائها، أن يكونوا لأنفسهم شعبية لدى الشعوب العربية ويدلوا بدلوهم في شؤونها، بعد ما يسمى الربيع العربي الذي غزا المنطقة، بل ذهبوا بعيدا في القول إن الأمر برمته عبارة عن مؤامرة من أجل استيلاب العرب وجرهم إلى اعتناق الثقافة التركية، ومنهم من نبه إلى أن «الرجل المريض» يستعيد اليوم عافيته تدريجيا. فهمي قورو، وهو كاتب إسلامي تركي معروف، دافع من جهته، عن انتشار المسلسلات التركية في العالم العربي، معتبرا أنها تلعب دورا كبيرا في الترويج للنموذج التركي في الحكم (المقصود به حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي)، أما زميله فاروق شاهير، فدعا الحكومة التركية إلى دعم المنتج التلفزيوني التركي المسوق عربيا نظرا للخدمة الكبيرة التي يقدمها للبلد. من جهة أخرى، يرى بعض المتتبعين أن المسؤولين الترك لم يفطنوا إلى أهمية الدراما التي يصدرونها إلى البلدان العربية، إلا بعد أن غزت مسلسلاتهم البيوت العربية، ولاحظوا هوس المشاهدين العرب بنجومها، إلى درجة أن نقصا في فحولة «مهند»، أعلنت عنه وسائل الإعلام، شكل صدمة بالنسبة إلى معجباته العربيات اللواتي طلقت نسبة مهمة منهن من أزواجهن بسبب وسامة ورومانسية هذا «الفارس» التركي، الذي لا يشق له غبار في ساحة الدراما بتركيا. كانت البدايات في 2007 مع مسلسل «إكليل الورد»، أول دراما تركية مدبلجة إلى اللهجة السورية، قبل أن يأتي الدور على مسلسلي «سنوات الضياع» و»نور»، اللذين حققا نجاحا غير مسبوق على شاشة «إم بي سي 1»، الأكثر مشاهدة من طرف العرب في العالم، وجلبا أكبر نسبة من الإعلانات، خاصة أن القصتين لا تخلوان من بهارات الحب والرومانسية والصراع الطبقي، الوصفة الكفيلة بالدخول مباشرة إلى قلوب المتفرجين، لتتوالى بعد ذلك المسلسلات التركية المدبلجة مثل «بائعة الورد» و»الأوراق المتساقطة» و»العشق الممنوع" و"حريم السلطان"... وهي المسلسلات التي عوضت حمى دراما أمريكا الجنوبية التي ضربت لسنوات العالم العربي. هذا النجاح الذي حصدته المسلسلات التركية جعل بعض البلدان العربية المستوردة تفكر بدورها في تقليد الوصفة نفسها، ومن بينها المغرب الذي أنتج مسلسلا للاستهلاك المحلي بعنوان "زينة الحياة"، ولبنان الذي سوق مسلسلا جديدا يعرض على "إم بي سي 4" بعنوان "روبي"، أو مصر التي دخلت هذه "المعمعة" بإنتاج مشترك مع لبنان في مسلسل "زي الورد"، الذي من المنتظر أن يعرض في رمضان المقبل، لكن هذه الأعمال، ما تزال غير قادرة على منافسة الدراما التركية التي تحقق أعلى نسب مشاهدة في العالم العربي، لأنها تسوق نموذجا حالما للحياة، لا علاقة له بالواقع الذي يرغب جل المشاهدين في الهروب منه، ولو من خلال الدراما. نورا الفواري

العثمانيون يحتلون قلوب العرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سلع تركيا غزت الأسواق المغربية

زلزال نسب المشاهدة يولد تسونامي المسلسلات التركية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات