تجاذبات المشهد السياسي بعد 25 نونبر

تعرف الساحة السياسية حاليا تجاذبات ما بعد الانتخابات التشريعية التي يتم خلالها تكوين أغلبية حكومية ومعارضة، وهذا نهج يندرج في سياق ملامح نموذج مغربي فريد ومعقد في تكوين التحالفات ونسج خيوطها عكس ما هو معمول به في بعض الدول مثل أمريكا التي تفرز الانتخابات فيها مباشرة أغلبية ومعارضة واضحتي المعالم. تعرف الساحة السياسية حاليا تجاذبات ما بعد الانتخابات التشريعية التي يتم خلالها تكوين أغلبية حكومية ومعارضة، وهذا نهج يندرج في سياق ملامح نموذج مغربي فريد ومعقد في تكوين التحالفات ونسج خيوطها عكس ما هو معمول به في بعض الدول مثل أمريكا التي تفرز الانتخابات فيها مباشرة أغلبية ومعارضة واضحتي المعالم. صارت بلادنا تعرف على إثر كل انتخابات تشريعية «مخاض الاستوزار» الذي يتسم بنقاش حاد حول سبل إبرام التحالفات الممكنة لتشكيل الحكومة بناء على منطقي البحث عن الأغلبية العددية للنواب وعدد الحقائب الوزارية... وقد يسعفنا في فهم هذا المخاض الفريد والمعقد الاستعانة ببعض الخبرة التاريخية، حيث يتبين كيف أن مشكل عدم النجاح في مرحلة ما بعد الانتخابات ونقصد هنا تدبير تركيبة الأغلبية الحكومية، قد يعصف بما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، ونكتفي بالتذكير بمحطة استحقاقات 2002 التي عرفت توقف تجربة التناوب التي انخرطت فيها بلادنا سنة 1998 التي أفضت إلى تعيين وزير أول تقنقراطي بسبب لجوء الأحزاب التي حصلت على الرتب المتقدمة إلى إبرام تحالفات لا تخضع لأي منطق، وما تبع ذلك من تجارب هجينة، كما حدث عقب انتخابات 2007 من انسحاب حزب الحركة الشعبية في آخر لحظة من الأغلبية والخروج إلى المعارضة لنفاجأ بعد ذلك بعودته إلى الحكومة في منتصف الولاية الحكومية. والغريب في الأمر، أننا بعد الدستور الجديد لازلنا نشتم رائحة الممارسات القديمة، من قبيل استهلاك مرحلة تكوين الأغلبية لجهد كبير ربما قد لا ينسجم وما ستسفر عنه التركيبة الحكومية المقبلة والتي لا يخفى على الجميع أنها ستكون كثيرة الأشواك وما يؤكد ذلك أن حزب العدالة والتنمية وجد نفسه بعد استحقاقات 25 نوفمبر2011 ملزما بالتحالف مع مجموعة من الأحزاب للحصول على أغلبية مريحة، تجنبه مطبات انسحابات هذا الطرف، أو ذاك من الحكومة في منتصف الطريق. وعلى هذا الأساس، بدأ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مباشرة بعد تعيينه رئيسا للحكومة من طرف جلالة الملك رحلة مشاورات مع كافة الأحزاب، ما عدا حزب الأصالة والمعاصرة، بناء على ما يبدو، على معايير التقارب في التصورات والتوجهات والانسجام والتضامن والنظافة السياسية. وبالنظر إلى القرارات التي أعلنت عنها الهيآت السياسية بخصوص المشاركة في الحكومة من عدمها، والتي أفضت إلى انقسام مكونات الكتلة والتحالف من أجل الديمقراطية بين أطراف في المعارضة وأخرى في الأغلبية، باتت تطرح تساؤلات ملحة حول اللعب السياسي في تأطير التحالفات القبلية، فهل نحن أمام مزاح أم مقامرة سياسية؟ وهل الظرفية الحالية تسمح بإعادة إنتاج الممارسات التي لطالما شانت العمل السياسي عموما والعملية الانتخابية خصوصا ونددت جميع الأحزاب بها؟ كما وجبت الإشارة إلى أن طبيعة القرارات والمواقف «الارتجالية» التي تتخذها بعض الهيآت الحزبية والتي لا تستكمل مسارها المنطقي المتعارف عليه في كل الديمقراطيات تساهم في ضبابية المشهد السياسي وعدم استيعاب المواطن للتحولات المكوكية، وهو ما يثير تساؤلات من قبيل: الجدوى من الإعلان عن تحالفات قبلية يتم فك الارتباط بها بعد نتائج الانتخابات؟ وما هي انعكاسات قرار خروج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للمعارضة على مستقبل الكتلة المنقسمة بين مكونات ضمن الأغلبية وأخرى في المعارضة؟ وإذا كان حزب العدالة والتنمية قد نجح في إقناع مجموعة من الأحزاب تتقاسم معه التوجهات والتصورات الكبرى على ما يبدو بالمشاركة في الحكومة، فإن فعالية الأداء الحكومي تقتضي إعداد ميثاق عمل مشترك يؤطر آليات الاشتغال على المستوى الحكومي والبرلماني والحزبي بغية ترسيخ روح التضامن والانسجام بين مكونات الحكومة وتدبير الاختلاف للقطع مع كل الممارسات التي تشين العمل الحكومي من قبيل التملص وتحميل المسؤولية لأطراف أخرى عوض التمسك بمبدأ التضامن الذي ينبغي أن تتأسس عليه الحكومة. إضافة إلى ذلك، وجب التذكير على إن رهان المشاورات والتحالفات لا ينتهي بتشكيل الحكومة، بل بالمسار الذي ستنهجه المعارضة والأغلبية في تعاملها مع القضايا الجوهرية، سيما أن المقتضيات القانونية والتشريعية التي جاء بها الدستور الجديد تخول لكل طرف حقوقا وواجبات وإمكانيات اشتغال تهدف إلى دعم الخيارات الديمقراطية لبلادنا والتي تعتبر مصداقية المسلسل الانتخابي مدخلا أساسيا لتخليق الحياة السياسية والعامة. وجدير بالذكر أن ما قلناه على مستوى وصفنا لعسر مخاض تكوين الأغلبية، ينطبق تماما وبشكل حتمي على مسار تكوين المعارضة، التي لم تعد تختلف في جوهر وظيفتها عن وظيفة الأغلبية، بموجب الدستور الجديد، وذلك بالنظر إلى انتظارات المواطنين منها أن: تكون في آن واحد مركز استماع لنبض الشارع وقوة اقتراحية تتبنى الدفاع عن مطالب وانتظارات المواطنين المتمثلة في الكرامة والعيش الكريم للمواطن المغربي والتنديد بأشكال تبذير المال العام ومظاهر الفساد والشطط؛ وتتبنى مقترحات مشاريع بديلة للعرض الحكومي مبنية على خلاصات دراسات متخصصة؛ -تساهم في ترسيخ ثقافة المعارضة المؤسساتية المبنية على المشروع والمشروع البديل؛ - تقطع مع كل أنواع المعارضة التي تتسم بنوع من العداء غير المبرر لكون العمل السياسي يرتكز على مبادئ التعاقد الأخلاقي بين الأشخاص. - تكون نائبا حقيقيا عنهم في تتبع مدى التزام الأغلبية الحكومية بالبرنامج الحكومي وعلى وجه الخصوص في مجالات التشغيل والتعليم والصحة والسكن...؛ - تكون طرفا فعالا في مناقشة وصياغة جميع القوانين خلال الولاية التشريعية المقبلة والتي ستكون حبلى بمشاريع القوانين الضرورية للتنزيل الفعلي للدستور الجديد. - تحرص على إلزامية حضور النواب لجلسات البرلمان حتى لا تتكرر تجارب التصويت على قوانين جد هامة من قبيل قوانين المالية، مدونة السير، قانون الوظيفة العمومية...بنسب ضئيلة؛ - تتوفر على الجرأة في مساءلة الحكومة بكل حكمة وواقعية بعيدا عن مظاهر التوتر، وأن تضفي قيمة مضافة على العمل البرلماني وعلى وجه الخصوص الدفع في اتجاه تغيير محتوى وطريقة تدبير جلسات الأسئلة البرلمانية الأسبوعية. - تسعى إلى تدبير الاختلاف داخل المؤسسات عوض نقل صراعات هامشية للشارع عبر وسائل الإعلام تساهم في خلق جو من اللبس بخصوص جدية المشهد السياسي في التعامل مع القضايا الجوهرية للوطن... وبالنظر إلى المقتضيات القانونية المتعلقة بتمويل الأحزاب السياسية، بات لزاما على هذه الأخيرة، إضافة إلى مهام تأهيل وتأطير المواطنين، الاستثمار في مجالات التكوين والدراسات بالاستعانة عند الاقتضاء بخدمات مكاتب خبرة في مختلف المجالات لتتمكن من لعب دورها كأغلبية حكومية أو كمعارضة والدفاع عن مقترحاتها بمعطيات رقمية مضبوطة عوض خطابات فضفاضة. إن استثمار روح المواطنة في تدبير الشأن العام يمر أساسا عبر إعادة الثقة للمشهد السياسي من خلال العمل على تحديث وتعزيز علاقة الدولة بالمجتمع في إطار الشراكة الإستراتيجية بين مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية و المجتمع المدني، الأمر الذي يمكن من تعزيز مشاركة المواطن في صنع القرار وبناء ثقافة ديمقراطية ركائزها المساواة، والعدالة، والنزاهة، والشفافية، والمساءلة، وسيادة القانون دعائم لمجتمع ديمقراطي حديث متسامح ومنفتح ومتماسك ومشارك في الحياة العامة. إن الظرفية الحالية تقتضي من كل فاعل سياسي جاد العمل على جعل تشجيع الموطنين على الانتساب للأحزاب هدفا استراتيجيا لتمكينهم من ممارسة دورهم السياسي، والتفريق بين دور ومهام الأحزاب وباقي مؤسسات المجتمع الأمر الذي سيساهم في تقوية عمل الأحزاب ويرسي اتجاهات فكرية وبرنامجية وقاعدة جماهيرية واسعة قادرة على المساهمة في الحياة السياسية بما يضمن بلوغ مرحلة النضج السياسي الأمر الذي يشكل صمام أمان ضد أي انزلاق نحو المجهول. خالد بنعلي:باحث في الاقتصاد

تجاذبات المشهد السياسي بعد 25 نونبر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران يخصص 20 في المائة من راتبه لفائدة حزبه

حول مدى دستورية تعيين كريم غلاب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات