الصناعات الصيدلية تعيش معارك محتدمة

المختبرات المصنعة للأدوية الأصلية تلجأ إلى ممارسات مناهضة للمنافسة للحفاظ على مصالحها يعيش سوق الصيدلة العالمي صراعات محتدمة بين الأدوية الأصلية والأدوية الجنيسة. هذه الصراعات تغذيها المختبرات المالكة للأدوية الأصلية التي تسعى بكل السبل إلى الحفاظ على مصالحها المالية والاقتصادية، وحصصها من سوق الأدوية وأثمنتها، وفي مقابل هذا تبذل المختبرات المصنعة للأدوية الجنسية قصارى جهودها لغزو سوق الأدوية واحتلالها عن طريق إدخال أدوية ذات أسعر منخفضة جدا بالمقارنة مع أسعار الأدوية الأولية. تلك بضع خلاصات تقرير موجز عن «دراسة حول التنافسية في قطاع الصناعة الصيدلية»، أوضح أن هذه الصراعات تأخذ أشكالا متعددة وتمس الجوانب العلمية والتنظيمية والتجارية والتسويقية للأدوية فضلا عن صورة المنتج والمختبر.ويستعرض التقرير، الذي أنجزه مجلس المنافسة، الحجج التي يسوقها مصنعو الأدوية الأصلية ذريعة للحيلولة دون السماح بإنتاج أدوية جنيسة بالتركيبة نفسها، ومنها «الارتفاع المفرط لتكاليف البحوث الصيدلية، وجودة منتجاتها وخبرتها طويلة».وكرد على هذه الحجج يقدم مصنعو الأدوية الجنيسة بدورهم حججا لدعم طرحهم، إذ يرون أن هذه الأدوية «تيسر حصول المواطنين على الأدوية، وتساهم في الحفاظ على التوازنات المالية لهيآت إدارة التأمين الصحي».واستحضر التقرير، المترجم بركاكة كبيرة، السياق التاريخي لدخول الأدوية الجنيسة سوق الأدوية، معتبرا أن الحاجة إلى «السيطرة على التكاليف الصحية، في مواجهة طلب قوي ومتزايد على الأدوية»، كانت من العوامل التي شجعت الكثير من البلدان، من تلك الأكثر تقدما طبعا، على ترخيص وتنظيم استعمال الدواء الجنيس.ممارسات المناهضة للتنافسيةوواصل التقرير رصد الممارسات المناهضة للتنافسية في القطاع الصيدلاني، بالتطرق إلى «الدراسات السريرية الخاطئة والممولة من طرف المرضى»، والتي يطلق عليها «الدراسات متعددة المراكز»، وتنجز عموما عند دخول دواء جديد إلى السوق الوطنية، قائلا إنها «غير ذات قيمة علمية ونادرا ما يتم نشرها، أو قد لا تنشر أبدا».وأشار إلى أن المختبر الراعي لهذا النوع من الدراسات يلجأ إلى الاتصال بمجموعة من الأطباء للمشاركة في إنجاز دراسة «سريرية». ويُطلب من هؤلاء الأطباء وصف الدواء الجديد لمرضاهم، وبعد انتهاء مدة العلاج يتم فحص المرضى ويملأ هؤلاء الأطباء استمارات تشتمل على مجموعة من المعلومات عن المريض ومرضه (سنه، وجنسه، ومرضه، وعلاجه، والنتائج العلاجية التي حصل عليها والآثار الجانبية المحتملة التي تمت ملاحظتها) وفي مقابل ذلك يحصل الطبيب على هدية عينية تتراوح قيمتها بين 200 و300 درهم. وفي محور آخر، وقف التقرير عند مؤشرات الوضعيات الاحتكارية التي تستفيد منه الأدوية الأصلية، معتبرا أنه بمجرد طرحها في السوق الدولية تستفيد هذه الأدوية من الاحتكار الذي تفرضه براءة الاختراع. المفروض هو أنه عند انقضاء آجال براءة الاختراع يصير بإمكان المختبرات المصنعة للأدوية الجنيسة الحصول على تركيبة صنعها وبالتالي طرحها في السوق بأثمنة في متناول العموم، لكن الذي يحدث هو أن الشركات متعددة الجنسيات المالكة للأدوية الأصلية تسعى جاهدة إلى عرقلة، أو على الأقل، تأخير ولوج نسخ جنيسة لأدويتها الأصلية إلى السوق.عرقلة إدخال دواء جنيسأورد التقرير مثالين على عرقلة إدخال دواء جنيس إلى المغرب، والتي تمثل جزءا من إستراتيجيات دولية لبعض الشركات متعددة الجنسيات. وقال إن الحالة الأولى تتعلق بمنع الشركة متعددة الجنسيات «أسترا زينيكا» إطلاق دواء جنيس لدوائها الأصلي «إينيكسيوم»، من قبل المختبر المغربي «بروموفارم»، الذي حصل على فعلا على إذن بالتسويق وإطار للأسعار وكان مبرمجا أن يشرع في تسويق هذا الدواء في صيف 2009، لكن تدخل الشركة المصنعة لدى وزارة الصحة حال دون ذلك، إذ لم يتم طرحه في السوق من طرف المختبر المغربي إلا سنة بعد ذلك.هذه «المضايقة» كبدت المختبر المذكور خسائر كبيرة تعادل ربح سنة من المبيعات، وخسائر على مستوى دفعات الإنتاج ومعدات الترويج المعبأة لإطلاق الدواء. ولفت التقرير إلى أن الخسائر لا تقتصر على المختبر، بل تشمل أيضا المرضى الذين حرموا من علاج بديل أرخص من الدواء الأصلي «إينيكسيوم».الحالة الثانية تتعلق بالاستعمال السيئ لإجراءات إذن التسويق على نطاق واسع من طرف بعض المختبرات المالكة للأدوية الأصلية على المستوى الدولي. إذ أكد أن هذه المختبرات تغير، بعد بضع سنوات، الشكل الصيدلي أو نسب مكونات التركيبات الدوائية النشيطة لمنتجاتها، بحيث قامت مختبرات «سيرفيي» المصنعة للدواء المضاد للضغط الدموي والمدر للبول «فلوديكس» (وتسميته العالمية هي أنداباميد).فقد قام المختبر باستبدال «فلوديكس 2.5 ملغ»، المسوق بالمغرب، بـ»فلوديكس 1.5 ملغ» على شكل أقراص، وبرر هذا التغيير بكون المقدار 1.5 ملغ له آثار جانبية أقل من 2.5 ملغ، مثل خفض نسبة بوتاسيوم الدم. وفي الواقع فالنسخة التي تحمل مقدار 2.5 ملغ تستعمل على نطاق واسع عالميا، وظلت كذلك لعدة سنوات دون تسجيل أي آثار، وهو ما دفع التقرير إلى القول إن المختبر كان يهدف من وراء هذه المناورة إلى تضييع الفرصة على مصنعي النسخ الجنيسة. وتطرق التقرير كذلك إلى احتكار أدوية الأمراض الخطيرة الباهظة الثمن، مثل السرطان والتهاب الكبد والسيدا...، إذ أن الأدوية الجنيسة لعلاج هذه الأمراض تتسم بدورة حياة قصيرة، ذلك أنه بمجرد انقضاء براءة الاختراع لدواء أصلي معين حتى يتم إطلاق أدوية أصلية أخرى أحدث. ورصد أن الترسانة العلاجية من مضادات السرطان المتوفرة بالمغرب تعتبر فقيرة بالمقارنة بما هو عليه الحال على الصعيد العالمي، فمن أصل 217 ماركة دواء لا يوجد بالمغرب سوى 67، منها فقط 22 دواء جنيسا والباقي كلها أصلية. إستراتيجيات الشركات العالمية لعرقلة الأدوية الجنيسة منحت المختبرات المنتجة للأدوية الجنيسة التراخيص التي تسمح لها بتسويقها، بمجرد انقضاء أجل براءة الاختراع التي تستغرق في المتوسط مدة عشرة أعوام، بالنسبة إلى المنتوجات الدوائية. والنتيجة الحتمية لهذا الانفتاح كانت طبعا فقدان العديد من المختبرات المالكة لتركيبات تصنيع الأدوية الأصلية لمواقعها في الأسواق الدولية، إذ حذا هذا الوضع بالكثير من الشركات الصيدلية متعددة الجنسيات إلى تبني استراتيجيات ضد الأدوية الجنيسة لعرقلتها أو تأخير تطور مبيعاتها بكل الوسائل.وكشف التقرير أن قطاع الصناعات الصيدلية شهد مجموعة من الممارسات التي تضرب مبدأ المنافسة في الصميم، ضاربا المثال بما وقع من تجاوزات في أوربا من قبل عدد من المختبرات، وهو ما دفع المحاكم الأوربية إلى الضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطه في هذه الممارسات، والمغرب بطبيعة الحال غير مستثنى منها.ويؤكد أن الاستراتيجيات الماسة بالمنافسة تقوم على الحط من جودة الدواء الجنيس، وتبرير أسعار الأدوية الأصلية «بجودتها الفريدة من نوعها»، ويذكر من جملة هذه الممارسات التي سماه «الانزلاقات»، واقعة كان بطلها أحد المختبرات، لم يسمه، المالك للدواء الأصلي، والذي خاطب قبل بضع سنوات، في إحدى وصلاته الإشهارية الموجهة للأطباء، قائلا «إذا كان مريضك عدوك فصف له دواء جنيسا».وفي واقعة أخرى، اختار مختبر ثان، لمقارنة دوائه مع دواء جنيس، صورة لبيضة طرية (وترمز إلى الدواء الأصلي) وإلى جانبها بيضة فاسدة (الدواء الجنيس). ويقول التقرير إن هذه الحملات الحاطة من قيمة الدواء الجنيس «لم تتوقف، ولكنها اتخذت مجموعة الأشكال الحاذقة». إذ لم تعد المواجهة بين الأدوية الجنيسة والأصلية تقتصر على العيادات الطبية والمستشفيات والصيدلية، بل اكتسحت الرأي العام عبر وسائل الإعلام. كما صارت المختبرات المصنعة للأدوية الأصلية تلجأ بشكل متزايد إلى عناصر ضمن جماعات (لوبيات) الضغط للتعبير عن مواقف ووجهات نظر، والإدلاء بتصريحات بهدف الحط من قيمة الدواء الجنيس.وصار التكافؤ الحيوي هو الحجة المستعملة من قبل المختبرات المالكة للدواء الأصلي بغرض محاربة الأدوية الجنيسة، بحيث لا يتم التمييز بين هذه الأخيرة الملزمة بالقيام بالمعادلة الحيوية وتلك غير الملزمة بذلك بسبب خصائصها الصيدلانية. محمد أرحمني

الصناعات الصيدلية تعيش معارك محتدمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أول مُصنع للأنسولين بالمغرب ينتقل إلى الجزائر

بادو: لا ضغوط دبلوماسية في صفقات الأدوية

مقالات ذات صلة