اليوسفي: أزمة تنزيل

الخبير في قضايا التربية حذر من الإجهاز على المدرسة العمومية لحساب تعليم نخبوي أكد عبد اللطيف اليوسفي، المختص في قضايا التربية والتكوين أن المغرب يواجه مشكلا حقيقيا في تنزيل مشاريع إصلاح التعليم. وأوضح مدير أكاديمية ونائب وزارة التربية، وعضو اللجنة الوطنية للتربية والتكوين، سابقا أن المناظرات والهيآت المختلفة التي تشكلت منذ الاستقلال، أعدت وثائق ومشاريع إصلاحية ظلت تواجه دائما صعوبات في التنزيل. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني عرف المغرب منذ الاستقلال العديد من مشاريع إصلاح منظومة التربية، لم تنجح في إخراج القطاع من الأزمة. كيف تقرأ مسار هذه المشاريع وأسباب فشله؟ صحيح، شكل موضوع التعليم أول الملفات التي تفجر بشأنها الصراع، لأن الأمر كان يتعلق ببناء مغرب الاستقلال، فجاءت اللجنة العليا سنة 1957، تلتها اللجنة الملكية سنة بعد ذلك، والتي أقرت بإجبارية التعليم ومجانيته، والمجلس الأعلى سنة 1959 الذي أكد على المجانية والتعميم. ثم تكررت محاولات الإصلاح من خلال عدد من المناظرات مثل المعمورة وإفران الأولى والثانية سنة 1980، وصولا إلى اللجنة الوطنية للتعليم سنة 1999، ما يؤكد أن التعليم ظل محط صراع سياسي منذ الاستقلال. وأؤكد أن جل المشاريع التي خرجت بها المناظرات والهيآت، كانت وثائق عامة تؤسس للمبادئ الكبرى والتوجهات، ولم تستطع أن تتجاوز هذا السقف، وظل التطبيق لمختلف المشاريع الإصلاحية وإلى اليوم يواجه صعوبات في التنزيل. وأعطي مثالا على الوثيقة التي تم التوصل إليها سنة 1994 داخل البرلمان، وهي وثيقة المبادئ الأربعة التي أضيف إليها مبدأ التحديث والملاءمة، وهي وثيقة مهمة جرى تعليقها بتدخل رسمي من أعلى سلطة في البلاد. وفي 1999 ستتأسس اللجنة الملكية للتربية والتكوين برئاسة المرحوم مزيان بلفقيه، والتي بلورت مشروعا شاملا للإصلاح، في الوقت الذي كانت المشاريع السابقة جزئية. وبسبب تزامنه مع وفاة الملك الراحل، فقد جرى تعليق العمل به إلى 2000، لينطلق العمل بميثاق التربية والتكوين، والذي أجمع المهتمون بقضايا التعليم على اعتباره، وثيقة رصينة تجمع بين المرتكزات والدعامات والتشريح الدقيق، مع تحديد الاهداف والغايات، واعتبر الميثاق قضية التعليم أولوية وطنية. ما الجديد الذي حمله الميثاق مقارنة مع المشاريع السابقة؟ الميثاق رسم أولويات أساسية أهمها اعتبار التعليم أولوية وطنية، وإطلاق التعبئة الشاملة من أجل إستراتيجية للاستثمار في التعليم، واعتبار التعليم قطاعا منتجا وقاطرة للتنمية، بعد أن ظل لسنوات يعتبر قطاعا مستهلكا، وكل القضايا الواردة في الميثاق كانت واعدة بالإصلاح، وتصادفت مع حكومة التناوب التوافقي، التي عملت في إطار لجنة موسعة برئاسة اليوسفي، على تنزيل أول مشاريعها. واليوم أؤكد أنه رغم الحماس الذي رافق التطبيق، إلا أنه افتقد إلى الذكاء، وحصلت العديد من الثغرات في التطبيق، ولم تتحقق الأهداف المسطرة، رغم رفع نسبة التمدرس من 63% إلى 93، وهو الأمر الذي نتج عنه اكتظاظ في الأقسام، بسبب عدم مواكبة توفير الأقسام والتجهيزات . فشلت الحكومات المتعاقبة في تدبير القطاع وفق إستراتيجية واضحة، هل المشكل في الرؤية أم في التدبير أم في الموارد البشرية؟ في 2004 صدر تقرير يحذر من بطء في تنزيل الميثاق، غير أنه لم يتم الالتفات إلى التقرير وتوصياته، لننتظر إلى 2008 ليعيد المجلس الأعلى، بعد إعادة هيكلته، التشخيص ذاته، والذي صادف تقرير البنك الدولي وتقرير الخمسينية، وأعاد رسم الصورة الحقيقية للتعليم، وخلص المجلس إلى أننا أضعنا 8 سنوات من الإصلاح، دون أن يصل الإصلاح إلى القسم. هذه الخلاصات هي نفسها التي جاءت بها العديد من التقارير اللاحقة في 2013. والخلاصة هنا أن المغرب عرف نصوصا ووثائق جيدة، آخرها الرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتعليم، والتي استشرفت أفق الإصلاح، من خلال رؤية 2015 - 2030. وبالرجوع إلى هذه الوثيقة، من منظور تربوي، وليس سياسيا، يمكن وصفها بالإستراتيجية الجيدة، لأنها طورت ما جاء به ميثاق التربية والتكوين، وصححت الثغرات، وجمعت كل الجهود التي تراكمت على مدى سنوات. وأؤكد اليوم أن المغرب منذ 57 إلى اليوم، وهو ينتج وثائق ناضجة لكن المشكل في التنزيل، والممارسة، حيث هناك هوة سحيقة بين المشاريع والممارسة، ربما لعدم توفر الإرادة السياسية أو لضعف الحكامة أو فشل السياسات العمومية المنتهجة في تطبيق ما تحدده الإستراتيجيات المنجزة. إن المغاربة يفتقدون القدرة على تطبيق ما يقررون، والمثال هنا بدستور 2011، الذي رغم تقدمه مقارنة مع الدساتير السابقة، يواجه بطئا وتأخرا في التنزيل، والشيء ذاته مع مدونة الأسرة، التي تبقى نصا متقدما، لكن واقع التنزيل يظل ضعيفا. ما هي في رأيك أسباب هذا الفشل الذي ظل يرافق إصلاح التعليم؟ في رأيي المشكل حسب تجربتي أن هناك خصاصا في الرؤية السياسية للدولة، والتي ليس مطلوبا منها التعبير عن النوايا، ولكن تنزيل الرؤى على أرض الواقع وتوفير مستلزمات ذلك، فللإصلاح كلفة، ويحتاج إلى موارد بشرية وكفاءات مؤهلة، وتمويلا كافيا، فلا إصلاح بدون كلفة. إن من يستكثر أموال التعليم على أمة، عليه أن يجرب الجهل ونتائجه الكارثية، وها نحن اليوم نراها على أرض الواقع، من خلال الهدر المدرسي الذي يذهب ضحيته أزيد من 300 ألف تلميذ سنويا. فأن نحرم تلميذا من مقعد في القسم ويغادر المدرسة قبل الأوان، فإننا نهيئه لكل شروط الانحراف الأخلاقي والسقوط في فخ الإرهاب والممارسة الظلامية. هناك أموال وإصلاحات متواصلة لكن الحصيلة دائما هزيلة. علينا أن نعي أن إصلاح المدرسة يحب أن يكون موضوع رؤية شمولية تطول كل القطاعات، والحال أننا بصدد إصلاحات لقطاع معزول عن القطاعات الأخرى، فلا يمكن التفكير في بناء طريق أو مد قنوات ماء أو كهرباء، دون التفكير في المدرسة، إن الأمر يتطلب تقاطعا في السياسات حول قضية التعليم، فلا يمكن التفكير في سياسة صحية معزولة عن المدرسة، إن القول بأولوية التربية، يجب أن تتمحور حولها مختلف السياسات العمومية. يسير قطاع التربية بسرعتين بين المدرسة العمومية والتعليم الخاص. هل يمكن انتظار إصلاح في ظل هذا التفاوت وغياب نظرة موحدة لمدرسة وطنية؟ إن المبدأ الأساسي الذي يجب أن يؤطر كل إصلاح، هو وضع تصور موحد للمدرسة الوطنية من الابتدائي إلى الجامعي، انطلاقا من العدد الهائل من المستفيدين من التمدرس من التعليم الأولى إلى الإعدادي والجامعي، بغض النظر عن الفئات الاجتماعية ومستوياتها، أو توزعها على المجال الجغرافي، والتمايزات الموجودة. وللأسف إن ما نلحظه اليوم هو الإجهاز على المدرسة العمومية لحساب تشجيع تعليم نخبوي يعرف الجميع أنه لا يشكل سوى 12 %، علما أن التعليم الخاص فيه الجيد وفيه الرديء، والذي لا يمكن حتى أن يسمى تعليما، في حين أن 88 % موجودون في المدرسة والجامعة العموميتين. فلا يمكن الرهان على القطاع الخاص، لأنه رهان فاشل، لا يراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فلا مناص للدولة من تحمل مسؤوليتها في القطاعات العمومية مثل الصحة والتعليم، ولا يمكن الرهان على تقدم التعليم الخصوصي بتدمير المدرسية العمومية، بل بالعكس، دعم المدرسة العمومية هو المدخل لفتح إمكانية الاختيار أمام المواطنين بين مدرسة عمومية جيدة وأخرى خاصة، ولا ننسى هنا أن أغلب أطر الدولة العليا هم نتاج المدرسة العمومية، لذلك وجب الوفاء للمدرسة العمومية. في الحاجة إلى إصلاح عميق < أثارت إجراءات وزير التربية بشأن صباغة المؤسسات وفرض البذلة الكثير من الانتقادات، وتهميش المناهج والبرامج. ما هو تقييمك لهذه المداخل الإصلاحية؟ < إن ما نراه اليوم من عمليات تجديد المؤسسات وصباغتها وتوفير التجهيزات من سبورات وطاولات، أمر جيد لا يمكن تبخيسه، لأنه لا يمكن ممارسة عملية تربوية في مؤسسات مخربة وفضاءات لا توفر للمدرسين والتلاميذ على حد سواء شروطا ملائمة. لكن لا ينبغي الوقوف عند هذه الرتوشات، بل نحن في حاجة إلى إصلاح عميق للمنظومة يشمل المناهج والبرامج وتكوين المدرسين، وتوفير العدد الكافي للتأطير. لقد أخطأت الدولة ومعها وزارة التربية في المغادرة الطوعية، وها هي اليوم تلجأ إلى التوظيف بالعقدة لـ 24 ألف مدرس، دون تكوين كاف، ونقلهم من الشارع حيث كانوا يحتجون، إلى القسم. إن آخر قطاع يمكن التفكير فيه بالتوظيف المباشر هو التعليم، لأن التجارب الناجحة أبانت أن التكوين الجيد للمدرسين عامل أساسي في نجاح المدرسة. أما المقاربات الجزئية أو التقنية أو الأمنية في التعاطي مع قضايا التعليم، خارج المنظور التربوي، فقد أثبتت التجارب فشلها. إن رؤية الإصلاح لا يمكن أن تبنى على تصورات تقليدية، أو الرهان على سرعات مختلفة في قطاعيه العمومي والخاص، بل في مدرسة عصرية منفتحة على التقدم التكنولوجي والمنجزات الإنسانية، وتقليص الفوارق بين أنماط التعليم التي تنبت كالفطر، خاصة في التعليم العالي. في سطور > مدير أكاديمية سابقا > نائب سابق لوزارة التربية الوطنية بالجديدة والبيضاء > عضو سابق في اللجنة الوطنية للتربية والتكوين > عضو الحزب الاشتراكي الموحد > عضو مركز بنسعيد آيت يدر للدراسات والأبحاث

اليوسفي: أزمة تنزيل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مناورات لتأجيل افتحاص الجامعات

اصطدام مبكر بين "الكاك" وتادلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات