الاقتصاد الاجتماعي… طموحات كبيرة وإكراهات هيكلية

أصحاب التعاونيات الصغيرة يواجهون مشاكل في الحصول على تمويل مشاريعهم وصعوبات في تسويق منتوجاتهم في جناح صغير، واحد من عشرات الأجنحة التي يضمها المعرض الدولي للدار البيضاء، تقف فاطمة الشيخ عمر أمام معروضات من عصير الصبار(الهندية)، ومرباه، وزيته، وسلة صغيرة ممتلئة بحباته. زيت الصبار "نحن التعاونية الوحيدة بمنطقة الشمال كلها التي تشتغل في حقل تصنيع الصبار"، تقول فاطمة بلكنتها الريفية المميزة وهي تتطلع إلى قوارير زجاجية صغيرة ومتوسطة الحجم بها عصائر حبوب الصبار الأخضر والوردي، وأخرى بها مربى الحبوب نفسها، وثالثة صغيرة الحجم بها زيت الصبار. "ومع ذلك لا نستفيد من أي شكل من أشكال الدعم"، تضيف رئيسة تعاونية "صباريف" التي تتخذ من دوار أكني، جماعة بني بوفراح بإقليم الحسيمة، مقرا لأنشطتها، وتشارك حاليا في الدورة الثالثة للمعرض الوطني للاقتصاد الاجتماعي والتضامني المنظم من 19 إلى 23 أكتوبر الجاري . ثم تقول بنبرة صوت بدأ يخالطها الأسى، ومفردات تنم عن شعور بالغبن، "أنا واثنتا عشرة امرأة فقط من يشرف على هذه التعاونية، ومنتجاتنا مطلوبة في السوق الوطني، خصوصا الزيت، لكن لا نتوفر على الإمكانيات المالية، التي تستفيد منها تعاونيات أخرى، لشراء الآلات التي تساعد على عصر حبات الصبار لاستخراج زيتها".تعاونية "صباريف"، التي لا يتجاوز رأسمالها 4600 درهم، كانت تضم في عضويتها 25 امرأة "لكن بسبب الظروف الصعبة التي نشتغل فيها وقلة الدعم، اختارت الكثيرات الانسحاب، لأنهن لم يحققن ما كنا يصبين إليه"، وما كانت النسوة تصبو إليه لا يتجاوز الحصول على دخل كريم وقار لتلبية الحاجيات المعيشية لهن ولأسرهن الفقيرة، وهو الغرض الرئيس من برنامج "الاقتصاد الاجتماعي والتضامني" الذي يشرف عليه "مكتب تنمية التعاون" المحدَث سنة 1962.في انتظار الدعم"حنايا واقفين"، تشرح فاطمة في إشارة إلى انعدام الإمكانيات المادية التي من شأنها إعطاء دفعة قوية للتعاونيات الصغيرة التي تتخبط في دوامة من الصعوبات الهيكلية، التي تقر بها الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالشؤون الاقتصادية والعامة، وهي الوصية على الاقتصاد الاجتماعي، من خلال إطلاقها، في أواسط يونيو الماضي، برنامج "مرافقة" والذي جاء لمساعدة التعاونيات "على مواجهة الصعوبات التي تحول دون إقلاعها واستمراريتها"."لا علم لنا بالبرامج التي أطلقتها الحكومة للنهوض بالتعاونيات" تؤكد فاطمة، في حديثها إلى "الصباح" عصر الجمعة الماضي، "كل التعاونيات التي أعرف هناك بمنطقة الشمال استفادت من دعم تقدمه وكالة إنعاش وتنمية الشمال" تضيف نبرتها الريفية التي تضغط على الكثير من الحروف، قبل أن تضيف، بصوت يُبْطِن الكثير من التوسل أكثر مما يظهر من الشكوى، "تركت خلفي والدي الذي أجرى، أخيرا، عملية جراحية، وحضرت إلى هذا المعرض عساي أجد من ينصت إلينا ويقدم لنا الدعم المالي الذي من شأنه أن يحول دون إفلاس تعاونية تتخبط في مشاكل مالية لا حصر لها".الزيت الذي تطمح فاطمة الشيخ عمر إلى الحصول على آلة، يصل ثمنها إلى حوالي ثلاثة ملايين سنتيم، لاستخراجه يبلغ ثمن اللتر الواحد منه "12 ألف درهم"، تؤكد رئيسة "صباريف" التي تأسست في مطلع شتنبر من سنة 2009، "والمادة الأولية متوفرة بغزارة والحمد لله، لكن ما يعوق تطوير هذا القطاع هو غياب الاهتمام والدعم المالي"، تقول فاطمة، التي تشير إلى أن مربى أو عصير الصبار لا يباع بثمن كبير حتى يساعد التعاونية للخروج من ضائقتها المالية، إذ لا يتجاوز ثمن قنينة من المربى مثلا خمسة دراهم في أحسن الأحوال.العسل المربرنامج الاقتصاد الاجتماعي، ومن خلال الأرقام الرسمية، رسم لنفسه طموحات كبيرة جدا والدليل عليها عدد التعاونيات التي ساعد في إحداثها، إذ يصل هذا العدد اليوم إلى 9 آلاف تعاونية تنشط في كل القطاعات الاقتصادية من الفلاحة مرورا بالصناعة التقليدية والصيد البحري والحرف اليدوية وتربية النحل والصناعات الغذائية والفلاحية... ووصولا إلى الخدمات والأنشطة السياحية، وهو يهدف من وراء ذلك إلى إدماج ما يسميه "الفئات المهمشة" وهي النساء والشباب، في النسيج الاقتصادي حتى "ترفع مداخيلها".لكن هذه الطموحات الكبيرة تحد من بلورتها على أرض الواقع مجموعة من الإكراهات الهيكلية. ففضلا عن الصعوبات التي تواجهها التعاونيات في الحصول على مصادر للتمويل، تجد هذه التعاونيات نفسها أمام إكراه آخر يتجلى في صعوبات جمة في ما يخص التسويق، إذ الكثير منها بالكاد يروج ما ينتج في محيطه القريب.وهذه حال تعاونية صغيرة تنتج مادة كثيرة الحلاوة لكنها تشتغل في "ظروف صعبة ومريرة" كما يقول رئيسها عمر الأبيض، في حديث على هامش جولة لـ"الصباح" بأروقة المعرض. فعلاوة على المشاكل المرتبطة بالتمويل "نجد أنفسنا مضطرين إلى البقاء منحصرين في رقعة جغرافية محدودة، فما ننتجه نادرا ما يصل إلى المدن الأخرى"، يتأسف عمر الذي يرأس "تعاونية النسيم لتربية النحل"، ومقرها بمدينة سلا، وتنشط في مجال انتاج العسل."المشكل الرئيسي والهاجس الذي يؤرقنا كتعاونية لإنتاج العسل هو التسويق"، يقول عمر بصوت خفيض بالكاد تلتقطه المسامع، وما السبب في ذلك؟ "غياب الإمكانيات المادية وقلة الدعم، فترويج أي سلعة عبر مدن المملكة يقتضي توفر إمكانيات مالية لتغطية مصاريف التنقل، وللحفاظ على أسعار العسل في مستويات معقولة" يجيب عمر والتجهم لا يفارق ملامح وجهه.عمر، كما هو حال الكثير من أصحاب التعاونيات، يحذوه طموح كبير في الارتقاء ببيع العسل الذي تنتجه تعاونيته من المستوى المحلي إلى الصعيد الوطني "لدينا محل صغير يقصده الزبناء، لكن لو كان هناك دعم مالي من طرف الدولة لكان بإمكاننا توزيع ما ننتج على الصعيد الوطني، ولما لا تصديره". إعفاء التعاونيات من الحصول على ترخيص كشف نزار بركة، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، أنه تم إعفاء التعاونيات من الحصول على ترخيص لمزاولة أنشطتها، موضحا، في تصريح خص به "الصباح" عقب زيارة لأروقة معرض الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مساء الجمعة الماضي، أن وزارته أعدت مشروع قانون تقدمت به للأمانة العامة للحكومة ينص على أن التعاونيات "يكفيها اليوم وضع تصريح لدى السلطات المحلية والانطلاق مباشرة بعد ذلك في عملها".وأشار إلى أن الوزارة قامت بفتح "سجل التعاونيات"، على غرار السجل التجاري، الذي سيفتح الباب أمام التعاونيات للاستفادة من الصفقات العمومية ومن القروض، مشيرا إلى توقيع الوزارة اتفاقيات مع المؤسسات البنكية "لتقليص نسب الفائدة التي ستفرض على التعاونيات، وتخفيف الشروط اللازمة لحصولها على قروض بنكية". وشدد الوزير على أن برنامج "مرافقة"، الذي أطلق في يونيو الماضي، سيوفر الدعم في مجال التكوين والمحاسبة والتدبير، والمساعدة التقنية بالنسبة للإنتاج، والتسويق. وتعهد نزار بركة أن وزارته ستعمل، من خلال هذا البرنامج الذي يرافق التعاونيات على مدى سنتين، "على مرافقة ومواكبة كل تعاونية جديدة حتى نضمن لها الاستمرارية". وكشف أيضا أن وزارة الشؤون الاقتصادية والعامة قامت بتوقيع اتفاقية مع مكتب التسويق والتصدير لتمكين أصحاب التعاونيات من تسويق منتجاتهم على الصعيد الدولي، في إطار "أرضية التجارة الإلكترونية" التي أعدتها الوزارة.وأضاف أن الوزارة تطمح إلى تشجيع التعاونيات للانفتاح على أنشطة جديدة مثل قطاع الطاقات المتجددة ومجال القراءة وقطاع سيارات الأجرة والنقل المدرسي بالعالم القروي، وكذلك المجال البيئي، إذ وقعت الوزارة اتفاقية مع كتابة الدولة في الماء والبيئة، للاستعاضة عن الأكياس البلاستيكية بأكياس من الثوب تقوم تعاونيات متخصصة بإنتاجها. محمد أرحمني

الاقتصاد الاجتماعي… طموحات كبيرة وإكراهات هيكلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الراضي: تجربتي ساعدتني في الفوز برئاسة الاتحاد البرلماني

السباعي: التسويق أهم مشكلة تواجه التعاونيات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات