عادات رباطية تقاوم الزوال

استعدادات الأعراس تدوم أزيد من سنة واحتفالات تمتد سبع ليال تحاول العائلات الرباطية العريقة الحفاظ ما أمكن على عادات ترى فيها علامة مميزة تدل على عراقة العائلة، وتعكس امتدادها التاريخي وأصولها الرباطية. ولأن الأعراس من بين المؤشرات على "أصل العائلة وفصلها"، فهي تعد مناسبة مميزة للاحتكام إلى قوة التقاليد والالتزام بها. كان أهل الرباط حريصين على الوفاء، إلى الآن، على إحياء طقوس تميزهم عن باقي المدن والجهات المغربية في الاحتفال بأعراس بناتهم وأبنائهم. كانوا يجسدون التطبيق الحرفي للمقولة الشهيرة التي تتداولها الألسن "زواج ليلة، تدبيرو عام". تحكي كوثر كيف أن جدتها المتحدرة من أحد أبرز العائلات الرباطية، كانت تروي عن حفلات أعراس، يستغرق الترتيب لها لمدة تتجاوز سنة أحيانا، حتى تكون لائقة بسبعة أيام بلياليها من الاحتفال. ترتيبات تجمع أهل العروسين، وتجعل جهودهما تتضافر لإنجاح حفل كان يجب أن يكون بالتأكيد حديث الناس لمدة طويلة، إلى أن يحل عرس آخر على الأقل. عادات أصيلة تضيف كوثر، التي أكدت أن ظروفا خاصة منعتها من إحياء زفافها، الذي احتفلت به قبل ثلاثة أشهر، بالطريقة الرباطية التقليدية، ذلك أن ليالي الاحتفال السبع تحولت إلى ثلاث فقط، "ليلة الحنة، وحفل الزفاف، والصبوحي"، مضيفة أنها تمكنت من الاقتصار على الحفلات الثلاث بعد محاولات إقناع واسترضاء لجدتها، أولا، التي قبلت على مضض التخلي عن عادات الأجداد. فكوثر لم تقم بطقوس حمام العروس. ذلك أنه كما جرت العادة في احتفالات الأعراس بالرباط، وعند اقتراب موعد العرس، تحضر عائلة العروس كل اللوازم الخاصة بصنع الحلويات وتقتني ما يلزم لإقامة الولائم وتعد ملابس العروس. وقبل يومين أو ثلاثة من موعد الحفل، يحدد أهل العروس موعد الحمام، فيتكلف والد العروس بحجز الحمام بكامله أو إحدى غرفه، حسب القدرة المادية للعريس، لأنه هو من يؤدي تكاليف الحمام، الذي تحضره، بدعوة من والدة العروس، عماتها وخالاتها، وشقيقاتها، فضلا عن الصديقات وبنات الجيران، يشكلن موكب العروس للحمام، توقد فيه الشموع، ولا تتوقف أصوات الزغاريد والصلاة على النبي، فيما تعم رائحة الورد والريحان الحمام. «تعلاق الشوار" يختفي استغنت كوثر أيضا عن عادة "تعلاق الشوار"، أي الحفل الذي يضمن استعراض جهاز العروس، الذي حضرته طيلة الفترة الممتدة من الخطوبة إلى حفل الزواج، "فبدلا من إقامة حفل خاص باستعراض الجهاز، غالبا ما كان يتم في بيت العروس، يتم عرض كل القطع المطروزة في إحدى الغرف، إلى جانب الألبسة التقليدية، وهدايا أهل العروس، بما فيها الهدايا الثمينة التي قدمتها لها والدتها منذ أن كانت طفلة إلى أن صارت عروسا، جرى الاتفاق على الاكتفاء ب"الدفوع"، خلال حفل الحنة". تضيف كوثر أنه استنادا لحكايا جدتها غالبا ما كان حفل "تعلاق الشوار" يقام يوم الخميس، وفي الليلة ذاتها، تجتمع بنات العائلة وصديقات العروس، تقضينها في الرقص والغناء، إلى اليوم الموالي، الذي يعد يوم عقد القران أي "الملاك"، الذي يليه حفل الحناء. "هنا أيضا لم ألتزم بالعادات والتقاليد، إذ اكتفينا بعقد القران، في حفل الحناء ذاته، في الوقت الذي تقول جدتي إنه كان يفترض أن يحضر أهل العريس الجمعة عصرا، بمعية العدول، ليتم عقد القران بعد الاتفاق على الصداق، لتنطلق زغاريد النساء والضرب على الدفوف بإيقاع موحد سريع، إيذانا بحصول القبول وزواج العروسين رسميا. حينها تتكلف النكافة ومساعداتها في إلباس العروس لباسا خاصا لإقامة حفل المساء، ترتدي خلاله العروس قفطان النطع الأخضر، ويحضر العريس بلباسه التقليدي الذي يجب أن يكون جلباب السوسدي، الذي يعتمره فوق جابادور أبيض، مع طربوش أحمر وبلغة صفراء، يلبس عروسه الخاتم ويتبادلان شرب الحليب وتقديم التمر لبعضهما البعض". وبعد طقوس الهدية التي يستقدمها العريس، في موكب يضم عائلته وفرقا موسيقية، يبدأ حفل الحناء في الليلة ذاتها، تتكفل خلالها نقاشة تكون ضمن مساعدات النكافة، بتزيين يدي ورجلي العروس، وأيدي الراغبات من صديقاتها بنقش الحناء جلبا للحظ. خلال هذه الفترة، تكون والدة العروس أعطت انطلاقة مأدبة العشاء التي كانت تتم بمنزل أهل العروس، والتي لم تكن تخرج عن أطباق الدجاج المحمر بالزيتون والليمون "المرقد" واللحم بالبرقوق على الطريقة الرباطية. "أطباق استبدلتها شخصيا باقتراحات ممون الحفلات، الذي استقدمته عائلتي لإحياء حفل الحناء، الذي لم يتم أيضا بمنزل العائلة، بل بقاعة حفلات، حرصا على عدم إغضاب جدتي اخترنا التيمة المغربية التقليدية، حتى تذكرها بأجواء الاحتفالات العائلية، أما الأطباق، أكيد تغيرت، سيما أن الرباط، تشتهر بممونين كبار صاروا يمزجون بين المطابخ العالمية". لا غنى عن التخليلة أغلب زيجات الرباطيين تتم عبر ليلتين، يحرصون خلالها على الحفاظ على ترتيب أيام الاحتفال. الجمعة لحفل الحناء والسبت للعرس، الذي مازالت الرباطيات يحرصن على ارتداء ثلاثة أزياء تقليدية، أضفن إليها الفستان الأبيض في ختام الحفل. تظهر العروس في البداية بالتخليلة الرباطية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها، وهي عبارة عن "تكشيطة" من الحرير، بيضاء اللون، تخلل بثوب رفيع فاتح، يمسك بأكسيسوارات ذهبية، وتحرص النكافة على تزيين العروس بحلي خاصة، فتضع فوق رأسها تاجا، وتتقلد "خيط الريح"، وتضع حزاما ذهبيا، كما تزين بأطواق من العقيق، تدعى "المدجة"، بالإضافة إلى أساور، هي مزيج من حبات "الجوهر" وسبائك رقيقة من الذهب، وتدخل العروس ووجهها مغطى بوشاح أبيض شفاف. فيما تختلف الألبسة المتبقية حسب ذوق العروس، وما أعدته سلفا. هجر المغلي

عادات رباطية تقاوم الزوال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أردوكان... الإمبراطور

وادي زم يعزز صفوفه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات