دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الثالثة)

مشكل الحصانة له أهمية خاصة لتحديد موقف المغرب نظرا للوضع المتميز لشخص الملك وقعت المملكة المغربية على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية يوم 20 شتنبر 2000، إلا أنها لم تصادق عليه حتى اليوم رغم توصية هيأة الإصلاح والمصالحة في هذا الشأن. فمشكل السيادة بكل مفاهيمها ومضامينها يبدو إذن محسوما، إذ المغرب مارس سيادته عن طواعية واختيار، وقَبلَ بسمو المعاهدات الدولية على منظومته التشريعية الوطنية، والتزم بملائمة قوانينه الداخلية مع المعاهدات التي يصادق عليها.ولم يعد بالتالي هناك مبدئيا أي سبب له علاقة بالسيادة لتقبل نظام روما، وممارسة المحكمة الجنائية الدولية وظائفها وسلطاتها في أراضي الدولة المغربية إذا صادق المغرب على نظام روما.وللإشارة فإن فرنسا أدخلت تعديلا خاصا على دستورها، بأن أضافت مقتضى يقضى بإمكانية القبول باختصاص المحكمة الجنائية الدولية (الفصل 53 – 2). (2إشكالية الاختصاص النوعي:أورد الدستور الجديد مستجدا مهما تناوله الفصل 23 الذي ينص على أن القانون يعاقب على جريمة الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان.هذا المقتضى ينقل بالحرف ثلاثة من أنواع الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية، والمنصوص عليها في المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة.إلا أنه لم يورد النوع الرابع وهو جريمة العدوان التي سوف لا ينعقد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بشأنها إلا بعد 2017.وبالمقابل أضاف الفصل 23 من الدستور إلى أنواع الجرائم الثلاث المذكورة "كافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان" مما يفتح المجال لإدماج جريمة العدوان في هذا المفهوم".إلا أن هذا الوصف العام يمكن أن لا ينطبق على التعريف الذي توافقت عليه جمعية الدول الأطراف في نظام روما المنعقدة بكمبالا من 31 مايو إلى 11 يونيو 2010 بخصوص جريمة العدوان، استنادا إلى قرار الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة عدد 3314 المؤرخ في 14/12/1974، الشيء الذي لا يمنع من القول بأن إضافة جريمة العدوان إلى الجرائم التي يعاقب عليها القانون الزجري المغربي، لن تتعارض مع أي مقتضى دستوري، بل هي من صميم صلاحيات البرلمان المنصوص عليها في الفصل 71 من الدستور الجديد.(3 إشكالية الحصانة المرتبطة بالصفة الرسمية للأشخاص:فالمادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تنص على مبدأ المساواة أمام القانون ولا تعتد بالصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيس دولة أو حكومة أو عضو في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا، ولا تعتد بالحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي.ومشكل الحصانة في المغرب له أهمية خاصة، ولربما حاسمة لتحديد موقف المغرب، نظرا للوضع المتميز لشخص الملك، وتقتضي معالجته، الكثير من التحليل والتعميق انطلاقا من المستجدات الدستورية.فالفصل 23 من دستور 1996 كان يقضى بأن شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته. إلا أن الفصل 46 من دستور يوليوز 2011 رفع القدسية على شخص الملك الذي لا تنتهك حرمته وله واجب التوقير والاحترام.ويجدر التساؤل هل مصدر حصانة الملك هي قدسية الفصل 23 أم واجب الفصل 46 بالتوقير والاحترام، أم هي في صيانة شخص الملك التي أوردها الفصلان معا بالتنصيص على أنه لا تنتهك حرمته. وهل الحرمة مرادف للحصانة بالمفهوم القانوني. تساؤلات ليست لنا عنها أجوبة جاهزة، إلا أنها تفتح المجال للنقاش وإبداء الرأي.كما يجدر التساؤل هل مصدر حصانة الملك في صلاحياته الدينية المرتبطة بإمارة المؤمنين والمحددة في الفصل 41 من الدستور الجديد، أم إن مصدر هذه الحصانة في المهام المخولة للملك بمقتضى الفصل 42 بصفته رئيسا للدولة وممثلها الأسمى والضامن لدوامها ورمز وحدة الأمة، وضامن استقلال البلاد، وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. أم إنه في الفصلين 41 و 42 معا، المتفرعين عن الفصل 19 السابق الذي كان يجمع الصلاحيات الدينية والمهام الدنيوية .ربما يكون حل لغز تربيع الدائرة أهون من الجواب على هذه التساؤلات، إلا أن التمعن في الفصل 42 من الدستور الجديد يقودنا إلى القول بأن هناك مهام أساسية أخرى يضطلع بها الملك، كالسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وصيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، واحترام التعهدات الدولية للمملكة.أي أن الملك هو الساهر على قيام دولة الحق والقانون في إطار ما تفرضه المعاهدات الدولية وينظمه النص الدستوري. بقلم: محمد بن عبد الصادق: (محام بهيأة البيضاء)

دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الثالثة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وضاح خنفر يغادر "الجزيرة"

اختطاف طفلين بالعرائش واغتصابهما

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات