دراسة: أسباب احتجاجات كتاب الضبط ودواعيها (3/3)

الوضع الراهن كرس انعدام ثقة موظفي كتابة الضبط في وزارة العدل ارتفعت وتيرة احتجاجات موظفي هيأة كتابة الضبط بمختلف محاكم المملكة في الآونة الأخيرة بسبب ما آلت إليه أوضاعهم وما عرفه ملفهم المطلبي من انحراف خطير كان سببه تنصل الحكومة المغربية من تطبيق بنود اتفاق 14 فبراير 2011 الذي وقعته مع النقابة الديمقراطية للعدل والتي كان من أهمها الالتزام بمباشرة وزارة العدل التفاوض مع المصالح الحكومية وإشراك النقابة الديمقراطية للعدل فيها، على أن تقدم النتائج النهائية عند متم شهر أبريل 2011. مرة أخرى، فإن وزارة العدل الساهرة على تطبيق القانون تكون أول من يتنصل من تطبيق مقتضياته بالإجهاز على مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية الداخلية بعدم إشراك النقابة الديمقراطية للعدل، باعتبارها النقابة الأكثر تمثيلية في القطاع، في صياغة مشروع القانون رقم 39.09 المتعلق بالمؤسسة المحمدية لقضاة وموظفي العدل، إلى الرغم من أن موظفي هيأة كتابة الضبط يشكلون ما يناهز 80 في المائة من الموارد البشرية لوزارة العدل، وعملت على تقديمه للمصادقة على المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 26 أبريل 2011 والمجلس الوزاري بتاريخ 28 أبريل 2011، وهو ما يعتبر شرودا من طرفها عن نسق التغييرات الهامة التي تعرفها البلاد المتولدة عن حركة 20 فبراير، وعدم استيعاب للثورة التي أحدثها الخطاب الملكي السامي ل 9 مارس، وخطاب 17 يونيو واللذان دشنا مغربا جديدا ديمقراطيا حداثيا منفتحا على جميع فئات الشعب ولا مكان للإقصاء فيه، فالطابع الذي تمتاز به هذه المؤسسة هو طابع اجتماعي محض ولا مكان فيه لما هو وظيفي، وبالتالي وجبت دمقرطتها بما يؤهلها لإيلاء العناية الكاملة لجميع مكونات الجسم القضائي، وانتخاب أعضاء مجلسها الإداري بناء على قاعدة نزيهة وشفافة تراعي حجم تمثيلية كل فئة على حدة وهجر الأسلوب القديم الذي جعل منها هي الأخرى مرتعا للفساد ولنهب المال العام.وأخيرا، فإن الصدمة الكبرى التي أجهزت على ما تبقى لموظفي وموظفات هيأة كتابة الضبط من صبر وأمل في تحسين وضعيتهم المادية والمعنوية كانت محل إجماع الكل ملكا وشعبا وفاعلين مهنيين، هي الاقتراح الذي تقدم به الفريق الاستقلالي بمباركة من لوبيات الفساد بوزارة العدل والمتمثل في إدخال تعديلات على الصيغة المقترحة لتعديل ظهير التنظيم القضائي بواسطة قانون 34.10 بما يقصي جهاز كتابة الضبط من العملية القضائية ويجرده من هويته التي طالما كانت مبعث فخر جميع الفاعلين داخل الحق القضائي والتي تجعل منه أمين سر الجلسة والشاهد على كل ما يروج داخلها وضامن حقوق الأطراف تجاه بعضهم البعض بل وتجاه الهيأة القضائية في حالة رفضها لأحد ملتمساتهم.تداعيات الوضع الراهـن وسؤال الهويـةأفرز الوضع الراهن الذي تعيشه المحاكم انعدام ثقة موظفي هيأة كتابة الضبط في وزارة العدل، ومن خلالها في الحكومة المغربية، وهو ما ترجمه ازدياد الاحتجاج وابتداع أشكال نضالية جديدة عكست حجم التذمر الذي يعرفه موظفو القطاع والذي أخذ منحى تصعيديا دون مبالاة ولا اهتمام من الحكومة على تداعياته على مرفق العدالة ببلادنا.وعليه، ووفق ما سلف، فإن أصابع الاتهام بدأت توجه مؤخرا من بعض مهنيي المرفق ومرتفقيه إلى هذه الهيأة معتبرة إياها المعطل الأساسي للعمل القضائي، وهي نظرة ضيقة لا تستوعب حجم المعاناة التي يعيشها موظفو القطاع، كما أنها لا تلامس لب المشكل المطروح وتعتبر مردودة من عدة وجوه :إن المظلومية التاريخية التي عاشها جهاز كتابة الضبط لعقود سلفت جعلته يصر أكثر من أي وقت مضى على الانعتاق، ولعب دوره كاملا في العملية القضائية، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون نظام أساسي يرقى إلى طموحاته وتطلعاته بما يضمنه له من استقلالية وتحفيز مادي ومعنوي وهيكلة تساعده على الاضطلاع بمهامه المحورية داخل أسرة العدالة.إن أي مس بهوية جهاز كتابة الضبط وخصوصيته يعتبر مسا بهوية أسرة العدالة بكاملها، فاليوم نُسْنِدُ مهام الجلسة إلى مواطن عاد وغدا نمنح أحد الخصوم حق تبليغ الأحكام التي صدرت لصالحهم وتنفيذها بأنفسهم وتبليغ مختلف الأوامر المبنية على طلب، وبعد غد نحصر الطائفة المخولة لها تحرير العقود الرسمية على جهة دون الأخرى، ويستمر المسلسل إلى حين تجريد المهن القضائية من هويتها التي تضفي عليها طابعا خاصا لا يمكنها أن تتخلى عنه.تكالب القطاعات الحكومية المعنية بملف جهاز كتابة الضبط بات واضحا وتبرره عدة أسباب: فمن جهة أولى فهذه القطاعات ممثلة في وزارة العدل ما زالت تنظر إلى هذه الهيأة باستعلاء كبير كان السبب فيه تراكمات سابقة جعلته يسخر لخدمة الجهاز القضائي عوض تكملته وجعله مكونا أساسيا لجودة العمل القضائي كما وكيفا، ومن جهة ثانية فهذه الهيأة عرفت وفود شباب مثقف حامل لشهادات جامعية عليا بأفكار جديدة وعقلية رشيدة تسعى إلى تكريس مبدأ الشفافية وعزة النفس في ممارسة المهام، بالموازاة مع احترام الاختصاصات والجودة في تقديم الخدمة القضائية التي أبى بعض رموز الفساد داخل القطاع، إلا أن يبخسوها ويناهضوها عبر شتى الطرق، ومن جهة ثالثة فالمبادرة الجريئة التي خاضتها ولا زالت النقابة الديمقراطية للعدل الرامية إلى مناهضة الفساد بمختلف أنواعه والتي جاءت نتيجة قناعات مختلف العاملين بالقطاع قد مست لوبي الفساد في الصميم وجعلت الفساد المستشري داخل القطاع لم يعد من الطابوهات، بل طفا إلى السطح لأنه واقع لا يرتفع يتأذى منه الجميع سواء داخل أسرة العدالة أو خارجها، وهو ما يترجم حجم الحقد الذي أصبح يكنه هذا اللوبي للجهاز ويبحث له عن جميع الطرق لعزله في دائرة ضيقة وإسكات صوته المنادي بالإطاحة به، والذي لم يجرؤ أحد قط على القيام به.إن النضال الذي خاضته النقابة الديمقراطية للعدل في الآونة الأخيرة لا يمكن ربطه بأي حال من الأحوال بالمعطيات والأحداث على الساحة الإقليمية والعربية، على اعتبار أن نضال الموسم الحالي قد بدأ منذ الإعلان عن إضراب 1 و2 شتنبر 2010 وما زال مداه مستمرا إلى حين تحقيق المطالب المشروعة والعادلة لموظفي هيأة كتابة الضبط (عكس ما تعرفه بعض القطاعات)، وهو ما يستتبع القول إن أي تحليل للمعطيات خارج هذا السياق يعتبر مردودا وغير منطقي، على الأقل من ناحية التسلسل التاريخي للأحداث والوقائع.إن عدد موظفي هذه الهيأة والذي لا يتجاوز 13.000 موظف لا يمكن مقارنته بباقي الهيآت التي يعد موظفوها بمئات الآلاف، كما أن المهام التي تضطلع بها هي من الجسامة والكثرة التي يشهد بها الجميع داخل أسرة العدالة، وهو الشيء الذي يشفع لها في تمكينها من نظام أساسي محفز ومحصن سوف لن يكلف الدولة الكثير، فإضافة 8 نقاط أو 10 في نسبة حصيص الترقي بنوعيه سيفرز عددا من المستحقين لا يمكن مضاهاته بالعدد الذي سوف تنتجه نفس النسبة لقطاع يعد موظفوه بمئات الآلاف، إضافة إلى ذلك فالموارد التي تضخها صناديق محاكم المملكة بخزينة الدولة والأموال التي تودعها بصندوق الإيداع والتدبير تطبيقا للمساطر القضائية تشفع لهذه الهيأة في الحصول على امتياز مادي معقول يلبي طموحاتها في وضعية مادية حسنة. بقلم: الجيلالي مكوط عضو المجلس الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل

دراسة: أسباب احتجاجات كتاب الضبط ودواعيها (3/3)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لمتهم تخلى عن خليلته ببرشيد إثر حادثة سير

محاكمة شبكة لتهريب المخدرات بين المغرب وبلجيكا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات