“عرّاكات” درب السلطان… هوس التسوق الغيبي

جولة في أشهر أسواق معدات الشعوذة بالعاصمة الاقتصادية بدأ العد العكسي استعدادا لليلة القدر، بعد أن دخل رمضان أسبوعه الأخير. وعادت الحركة تدب شيئا فشيئا في الجانب العلوي من سوق "الغرب" بدرب السلطان بالبيضاء، الشهير باسم سوق "اجميعة". على امتداد أسابيع رمضان، وحدها محلات "العطارة"، التي تقع في الجانب السفلي من السوق المشيد على منحدر معروف باسم "عكبة الشلوح"، كانت تشهد إقبالا كبيرا، بحكم حاجة الزبائن إلى التوابل ومستلزمات المائدة الرمضانية عند الإفطار، فيما كان الكساد والبوار حليف الجانب الآخر من السوق، الذي يعتلي ربوة تولي ظهرها للسوق، ويمتد عبر زقاق طويل اصطفت فيه محلات عطارة من صنف خاص، تجاورت إلى جانب حوانيت أخرى، يطلق عليها رواد السوق "العراكات"، تنتهي بمحلات تجمع بين العرافة و"تاشوافت" تحت ستار "النقش بالحناء".على امتداد الزقاق تبدو الحوانيت "المصافّة" بأرزاقها "المخالْفة"، وسلعها المتشابهة، توحد بينها طريقة عرضها، أكياس بلاستيكية زرقاء مشمرة عن محتوياتها، وهي عبارة عن مواد تستخدم في أعمال السحر والشعوذة، على واجهة المحلات وأمام أبوابها، فيما تصطف علب المربى الزجاجية داخل رفوف المحلات، معبأة بمواد غامضة لا يعرف سرها إلا باعتها، فضلا عن بقايا حيوانات وزواحف مجففة معلقة على الأبواب."تفضل أسيدي مرحبا" أو "آش حب الخاطر آلخاوة" أو "كاين شي ما نقضيو" عبارات ترحيبية تلتقطها أذن العابر من الزقاق، من قبل الباعة، المستظلين تحت واجهة محلاتهم، محتمين من قيظ اليوم الرمضاني المفرط الحرارة. بعضهم يتطلع إلى الوافدين بعين الريبة والشك، خاصة إذا تعلق الأمر بالرجال، ويمعنون النظر فيه علّهم يخمنون غرضه، إن كان بدافع البحث عن معضلة صحية أو سحرية، أم بدافع الفضول وجلب مشاكل هم في غنى عنها.ترقيم المحلات التي تحمل أسماء مختلفة توحي بالشرف والأبعاد الروحية التي يدعيها أصحابها، مؤشر على تطبيع السلطات مع الظاهرة واعترافها بهم، لكن أي مغامرة من قبل صحافي أو مصور لالتقاط صور للمحلات لا تكون محسوبة العواقب، إذ سرعان ما ينتفض أصحابها ضد كل من يريد أن يفضح نشاطهم، وقد يصل الأمر إلى الاشتباك مع من يصفونهم بالفضوليين وقاطعي الأرزاق.عملية اقتناء معدات "ليلة 27" لا تتم بالضرورة على عجل، إذ يتخذ الزبائن، أو في الغالب الزبونات، مكانهم على كراس بلاستيكية يضعها الباعة رهن إشارتهن، ريثما يتم إعداد الوصفة المطلوبة، حسب درجة الغرض والنية."ليلة 27 ماشي بحال ليامات الأخرى" يقول بائع تحايلنا عليه بدعوى اقتناء مواد لفك "الثقاف"، مضيفا "هاذ الليلة عندها سلعتها بوحدها وكليانها (يقصد زبائن) بوحدهم".ويسترسل الرجل متحدثا " في الغالب ما يكون الإقبال على اقتناء السلاحف أو الزواحف المجففة أو المحنطة، لأغراض تتعلق بإبطال السحر " ويحاول أن يربط نشاطه بأغراض دفاعية تروم حماية المتعرضين للسحر ، وإيجاد حل لأزماتهم الصحية والنفسية.في المقابل لا ينظر عطار بالجهة الأخرى من "سوق اجميعة" بعين الرضا إلى زملائه "العرّاكة" إذ يعتبر أن وجودهم يشكل خطرا على بقية التجار، بالنظر إلى ارتباط أنشطتهم بالسحر الأسود الذي تترتب عنه مشاكل اجتماعية وصحية خطيرة، لا يجب السكوت عنها، وأن سمعة السوق أصبحت في الحضيض بفعل تواطؤ السلطات مع هؤلاء الباعة الذين يدفعون لها إتاوات مقابل غض الطرف عن نشاطهم.عزيز المجدوب

“عرّاكات” درب السلطان… هوس التسوق الغيبي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المقابر ... اللعب مع الأموات

"مول المجمر"... هدوء قبل العاصفة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات