“سيدنا رمضان”… رياء برعاية رسمية

المغاربة يقدسون الصيام بـ״إفراط״ دون أن تنعكس مقاصده على أخلاق المجتمع يبقى الصيام، فريضة إسلامية بين أخريات، لكن الملاحظ، أنه بمجرد حلول موعده، ممثلا في رمضان، ينقلب السير المألوف للحياة رأسا على عقب ويسابق الجميع كل على طريقته، نحو أداء تلك الفريضة، ما يفرز نفيرا عاما من تمظهراته الإقبال الشديد على المساجد وعلى طلب الفتاوى وعلى فعل الخير والإحسان، لكن دون ينعكس ذلك على سلوكهم الأخلاقي، إذ لا يتخلص رمضان من مظاهر العنف والسرقة والغش والإسراف في الاستهلاك.وإذا كان بعض المغاربة، سيما فئة "المؤمنين الاعتياديين"، انتبهوا إلى أن الأمر غير عادي، فصاروا منذ سنوات يتحدثون عن ظاهرة "عبادين رمضان"، فإن الواقع أكبر من التندر، بل تنطوي الظاهرة على أغوار وخلفيات دينية واجتماعية/سوسيولوجية وتاريخية، هي التي يتوجب استدعاءها لفهم أسرار الخصوصية التي يتمتع بها صيام رمضان، سيما علاقة المغاربة به، شهرا تنكشف خلاله تناقضاتهم في أبشع صورها.بالعودة إلى الدين، يبرز أن فيه تأسيس لـ"تقديس رمضان" مقارنة بباقي الشعائر، وذلك عبر حديث قدسي، جاء فيه "قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"، ويفسر من قبل العباد والناسكين على نحو حرفي، يجعلهم، لا يتهاونون في الصيام، مقابل التفريط في باقي الفرائض، مثل الصلاة، رغم يقينهم أن الفرائض والعبادات متكاملة ولا يستقيم الالتزام بواحدة دون أخرى، ووحده الحج، فيه تساهل، حين ربطه الدين بشرط الاستطاعة.ينضاف إلى العامل الديني المؤسس لقدسية رمضان، آخر اجتماعي، يحتم على الفرد الانخراط في النفير العام الخاص برمضان، بالنظر إليه عادة وطقسا جماعيا وليس عبادة فقط، وهي العادة التي غذت قدسيتها ورسختها مقولات، وصلت مستوى جعل رمضان واحدا من ولاة الله وتشخيصه بعبارة "سيدنا رمضان"، وبلغت أيضا، مستوى الوعيد، بأن رمضان، مناسبة لطهارة الروح والجسد، في حال لم يتم صيامه، لن يتأخر الإنسان في دفع الثمن غاليا قبل أن يحل رمضان الموالي.وبعدما وضع الحديث القدسي، أسس جعل فريضة الصيام ذات خصوصية أمام باقي العبادات، فقام المجتمع على مر التاريخ بترسيخ تلك القدسية من خلال طقوس، جاء المشرع، ليرعى القدسية لموروثة، بدوره، بتضمين القانون الجنائي، مقتضيات تجعل الصيام إلزاميا، بحظر الإفطار في المجال العام خلال نهار رمضان ليكون بذلك الصيام العبادة الوحيدة التي يتدخل القانون الجنائي لفرضها على الجميع.ورغم تضافر تلك العوامل لتجعل صيام رمضان عبادة استثنائية، إلا أن المثير للانتباه أن الإقبال على التدين لمناسبة شهر الصيام، غير ذي أثر على السلوك، إذ تبدو مظاهر العنف واضحة ولم تغادر الشارع العام، كما بات "شهر الاغتسال من الذنوب" أشهر موسم للغش والجشع والكسل في أداء المهام والأعمال، كما لا يخلو من عمليات سرقة ومن احتكاكات وتحرشات، تجتمع كلها في ظاهرة تسمى "الترمضين".ولعل أبرز تناقض، تكشفه علاقة المغاربة برمضان، أنهم من فرط تقديسهم له، ورغم أنه لا يخلصهم من سلوكاتهم الكبيرة السوء، تجدهم منشغلين بجزئيات صغيرة وبديهية، فيتساءلون، إن كانت أدوات الطهارة الجسدية، من عطور ومعجون أسنان وصابون، حلالا أم حراما في نهار رمضان هم الذين يريدون الاغتسال الروحي بالصيام!ويتجاوز الأمر هاجس البحث في حلال أو حرام العطر والتجميل، لينتقل إلى مستوى البحث عن نصوص تخفف من فرط التقديس من داخل الدين نفسه، فتنتعش سوق فتاوى، تلغي المبدأ الذي يقوم عليه الصيام ممثلا في خوض حرب ضد رغبات النفس، فتجد من يستغيث باجتهادات تحلل التدخين على الأقل في نهار رمضان، بالنظر إليه ليس غذاء، كما تتطور الأمور، إلى الإقبال على الدعارة والجنس غير الشرعي بموجب الدين، مباشرة بعد التراويح.امحمد خيي

“سيدنا رمضان”… رياء برعاية رسمية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فتاوى رمضان...تأويلات على مزاج الصائم !

"اشتغلت في المدرسة التي درست فيها"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات