روايتي تعري خيانات يساريين

طارق بكاري مرشح جائزة البوكر قال إن رواية "نوميديا" تمدح الفضاء الأمازيغي قال الكاتب طارق بكاري إنه ليس ممن يقومون بليّ أعناق مشاريعهم الأدبية من أجل الجوائز، واعتبر مرشح جائزة البوكر للرواية العربية عن روايته "نوميديا"، في قائمتها النهائية، الحائزة أيضا على جائزة المغرب للكتاب، أن الجوائز تظل، مع ذلك، دفقة نفسية وتعويضا ماديا عن تراجع نسب المبيعات، كما تحدث الكاتب الشاب عن دلالات توظيفه لاسم "نوميديا" وإحالاته على المرجعية الأمازيغية وأشياء أخرى.. أجرى الحوار: عزيز المجدوب أن تدشن مسارك الروائي بعمل يقودك منذ الخطوة الأولى نحو القائمة النهائية لجائزة البوكر العربية. ماذا يعني ذلك بالنسبة إليك وهل تضع نصب عينيك قضية الجوائز الأدبية؟ طبعاً لا أجمل من أن يدشّنَ المرء مساره الإبداعي بالوصول إلى القائمة النهائية لجائزة البوكر ومن خلالها إلى قلوب القرّاء الشغوفين بالرواية. الرهان كان الوصول إلى أرحب جمهور وأعتقد أن جائزة البوكر أسهمتْ في ذلك بنصيب كبير. أما عن الجوائز الأدبية فأنا مهتمٌ بها، لكن اهتمامي لا يصل حدّ الهوس بها. لست ممن يقومون بليِّ أعناق مشاريعهم الأدبية لكي تليق بهذه الجائزة أو تلك، أكتب وفق رؤية وأحمل مشروعا روائيا كبيرا. الجوائز هي دفعة نفسية مهمة وتعويض مادي عن تراجع نسب المبيعات ونوع من الاعتراف، يحرض الكاتب على افتراع عوالم إبداعية جديدة. لك "سوابق" شعرية لكن لحظة الظهور الكبرى لديك ارتبطت بالرواية، هل يمكن أن تحدثنا عن المراحل التي استغرقها في إنجاز هذا العمل الروائي وكيف وجد طريقه إلى النشر عبر مؤسسة نشر ذائعة الصيت هي "دار الآداب" البيروتية؟ السوابق الشعرية ترخي بظلالها على "نوميديا" ولعلها اقتادتني إليها. لطالما آمنتُ بتداخل الأجناس الأدبية. الشعر يمكن أن يخدم الرواية إن أُحسن توظيفه، أما عن المراحل التي استغرقتُها في إنجاز نوميديا فهي كثيرة، أولها تأمل، ذلك أن هناك مرحلةً شديدة الحساسية ينكتبُ فيها العمل في عوالم صاحبه الداخلية، تتخمرُ الفكرة ويغذيها التأملُ المستمر والبحث عن الخيوط الشفافة التي يمكنُ أن تنظمَ كل التيمات، ثم تأتي بعدها لحظة اعتقال كلّ ما اختمر في العوالم الداخلية في الورق. استغرقت كتابة المسودة الأولية زهاء العامين، واضطررتُ بعد ذلك لإعادة كتابة الرواية من جديد مع حذف هنا وزيادة هناك، على أن المرحلة الأخيرة كانت مرحلة الرقن، تلك المرحلة التي لم تكن مجرّدَ نقل آليّ من الورق إلى الحاسوب، بقدر ما كانت نحتًا في الرواية وصقلًا لجمالياتها، خاصة اللغوية.أما عن النشر فأعتقد أنه لو لم تزفّ "نوميديا" لدار الآداب لتأخر نشرها كثيرا، لم أكن متحمسا للنشر في الدور الصغيرة أو المتوسّطة، كنت أشعر أنه لا يجدر ب"نوميديا" أن تقترن إلا بدار نشر عريقة ولو اضطرني ذلك إلى تأجيل الأمر برمّته، وكانت التجربة مع دار الآداب جيــدة، لأنهــــــا تؤمنُ أولا بـــــدمقــــــرطــــــة النشر، وتـــــدعمُ النصّ الجميل بعيـــدا عــــن أيــــة حســـــابـات أخرى. كانت ثقةُ دار الآداب مصدر سعادة كبرى، ثقةٌ تأكدت حين قررت الــــدار تــــــــرشيــــح "نوميديا" لتمثلها في جائزة البــــوكر العــــربيـــــــة لهــــــذه السنة. هل تمثلت في ذهنك التيارات والتوجهات الروائية بالمغرب قبل أن تخط روايتك لتحدد لها موقعا في المشهد الأدبي، ومن هم الروائيون الذين فيك؟ للأمانة لم أتمثّل في ذهني التيارات والتوجّهات الروائية بالمغرب، بل إنني لظروف ما لم أحتك بالأدب المغربي واكتفيت بالنصوص الرائدة. لم أتمثل أي تيار أو تجربة. حاولت أن أفترعَ لنفسي طريقا آخر قوامهُ المغايرة و الفرادة. بالطبع القراءة هي زادُ الكتابة الذي لا غنى عنه، لكن حينَ أمعن في استرجاع النصوص أو الكتاب الذين أثروا فيَّ أعود بخفي حنين، ذلك أنّه من الحيف أن أختزل سنوات من القراءة في اسم أو اسمين، قرأتُ الكثير من الروايات عربية وأجنبية. قرأتُ عشرات الدواوين والكثير من الكتب الفلسفية والدراسات النفسية والاجتماعية، وأعتقدُ أنّنا إن صهرنا كل هذه الكتب في بوتقة واحدة لربما تشكل جانبا من المرجعية التي يستندُ عليها مشروعي الروائي. عنوان "نوميديا" مخاتل ويوهم المتلقي بأن الرواية منقوعة في البيئة الأمازيغية، في الوقت الذي حضرت فيه هموم وانشغالات مشرقية بالمعنى العام للكلمة، واقتصر حضور "تامازيغت" على الفضاء وتوظيف بعض أساطيرها؟ "تامازيغت" تحضرُ بكثافة في الرواية، كيف لا والكثير من القراء يعتبرون أن المكان قاسمَ مراد البطولة، إذ يستهل البطلُ حياتهُ هناك و يعودُ إليه في نهايات حياته، ليلتقي نوميديا، الجميلة الخرساء، التي تبدو كما لو أنها القرية الأمازيغية وقد اختزلتْ في امرأة واحدة، و لا أبلغَ من نوميديا رمزا للأمازيغية، هي الجميلةُ جمال هذه الثقافة الخرساء (اضطرارا)، كل ما في الأمر أنني حاولتُ أن أغضَّ الطرف عما يراهُ غيري في "تامازيغت"، إذ يبتخسون الأمازيغية ويربطونها بكل مظاهر الشظف وبؤس الحياة، أمّا نوميديا فكانت تغازل الثقافة وتنشغل بمديح الفضاء الأمازيغي. وتميط اللثام في أكثر من موقع عن أشياء عميقة في الثقافة الأمازيغية، قدمت جماليات الثقافة التي يعجزُ الإنسان العادي على سبرها بسهولة، أمّا الشطط والبؤس فأعتقد أن ذلك مما يواجهكَ به الإعلام صباحَ مساء. تعمدت تجنب عرض الوقائع التاريخية مع إشارة مرجعية وحيدة تحيل إلى ميول بطل الرواية إلى الإيديولوجيا الماركسية، لكن لتنكل بهذه الإيديولوجيا وتعلن فشلها، وفي الوقت نفسه تعيد استحضار تمثلات مسكوكة ومطروقة عن علاقة الغرب بالشرق القائمة على خلفية المؤامرة، ما تعليقك؟ الحقيقة أنني لم أستحضر الإيديولوجيا الماركسية لأنكل بها وإن نكّلتُ بالماركسيين. بين الأمرين بونٌ شاسع. الرواية تتنصر لليسار لكنّها تعري خيانات اليساريين وعلى رأسهم نضال التي طلّقت اليسار و خانت مبادئها. رواية "نوميديا" تستعرضُ بؤس محاولات استنبات الماركسية في المغرب، دون وضعها في السياقات الاجتماعية المناسبة. كما أن الرواية حينَ تطرحُ شخصية جــوليا وكل ما يكتنفها من هبلٍ، تحاول أن تسائل الرؤى الاستشراقية التي كرّسها الغرب. تأتي جوليا إلى الشرق بحثا عن رجل يليق مادة أدبية تكفّنها في ورق، لتصطدمَ بالبطلِ الجريح، المعدّ منذ زمن غابر للموت، بطلُّنا الذي سوفَ يكسرُ كل تلك القوالب الجاهزة التي جــاءت بها وسيُحــاكمُ تمثُّلاتها المغلوطــة على طريقتــه، حتى في الوقت الذي أشعرت بحقنها أكثر من جنونٍ فــي دمهِ ووقفتْ به على حواف الموت، لم يثر ثــورةَ الرجل الشرقيّ حينَ تنتصرُ عليهِ امرأة، بــل بكرم الكبار منحها غفرانا قاتلا وتركها بعده للندمِ يتورم في أعماقها. ولعلنا إن نظرنا للأمر من زاوية أبعدَ ظهـرَت لنا جوليا باعتبــارها الغــربَ السادي، الدائم السعي إلى كتابةِ الشرق، و ظهرَ مراد باعتبـــاره الشرق، الذي لا يملكُ سوى الإذعان للغرب، على نحو فيه الكثير من المازوشيّة. المكان ينتقي عشاقه الفقرات التي تناولتَ فيها قرية "إغرم" تنضح بشاعرية تكشف تعلقا شخصيا لك بهذا المكان، لكن في الوقت نفسه ورطت بطل روايتك في علاقة بهذه القرية وهي التي لم يجن منها سوى المآسي والخيبات والاحتقار من أهلها؟ لهذه القرية الجميلة سندٌ في القلبِ والذاكرة الشخصيّة، و لها عليَّ دينٌ أعتقدُ أنني دفعته روايةْ، لكن لا أعتقد أن هذا هوَ السبب الذي ورطَ مراد الوعل في عشق المكان، كثيرا ما نعتقد أننا نحن من نختار الأمكنة و نقرر حبها لكن الحقيقة هي العكس. كل مكانٍ ينتقي عشاقه، والبطل لم أدفعهُ إلى حبِّ تلكَ القرية التي وجدَ نفسَهُ فيها بل هو من وجدَ في محبّتها تعويضا لأمومةٍ مفقودة. في الأخير، لكل منا مكان يعني لنا الكثير، لأنه ورطنا فيه منذ وقت مبكر، نحبه دون حسابات الربح و الخسارة و دون أن ننتظر منه شيئا ولعلّ هذا ما كان يحكمُ علاقة البطلَ بالمكان، لكن هذا المكان كانَ بخيلا حينَ لفظهُ أول الأمر قبل أن يستعيده لا لشيء، فقط ليستدرجهُ إلى حفرة المنتهى. في سطور > روائي مغربي من مواليد 7 يوليوز 1988 > حاصل على شهادة الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بمدينة فاس.> خريج المدرسة العليا للأساتذة بمدينة مكناس، وله عدة مقالات وأعمال إبداعية منشورة ورقيًا وإلكترونيا. > صاحب رواية "نوميديا" الفائزة بجائزة المغرب للكتاب في فئة السرديات والمحكيات 2016 واختيرت ضمن القائمة القصيرة الخاصة بالجائزة العالمية للرواية العربية للعام نفسه.

روايتي تعري خيانات يساريين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرياح تفضح صفقة نخيل بطنجة

رحيل 1200 بحار يعمق الأزمة بالريف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات