السحر والساحر في تسريب وثائق الدارالبيضاء

علية القوم اجتمعوا لاختراع لعبة "وثائق" تقصي الكبار من المحاسبة وتستثنيهم من المحاكمة يحكى، والله أعلم، أن مسؤولين كبارا اجتمعوا في ليلة ظلماء يخططون لابتكار لعبة فريدة تلهي الغاضبين عن رفع شعارات محاربة الفساد، وتطمئن الناقمين بأن هناك أعينا تراقب ناهبي المال العام.اقترح أحد المخترعين، مع بداية النقاش الطويل، لعبة تتلخص في الزج بمتهمين من رجال السلطة في متاهة المحاكمات، وأخرج من حقيبته الجلدية ملفات للمشتبه في تورطهم في البناء العشوائي والشطط في استعمال السلطة، فصمت الآخرون إعلانا لرفضهم، فاللعبة استنفدت مهامها بعد اللجوء إليها أكثر من مرة، وعليهم التفكير في بدائل تتماشى والموضة الجديدة.قفزت فكرة أخرى إلى ذهن أحدهم، فعدد مزايا لعبة "إعلان تفكيك خلية إجرامية"، فتراجع المخترعون إلى الوراء مندهشين، معلنين رفضهم ومصرين على طردها من جدول أعمالهم، فلعبة الخلايا، بدورها، مُيعت حتى أن بعض المدانين الآن أصبحوا، في زمن الحركات الاحتجاجية، يطالبون بإطلاق سراحهم، وآخرين يخوضون إضرابا عن الطعام، وفريقا منهم يتسلق أسوار السجن تهديدا بالانتحار.عجز القوم عن ابتكار لعبة جديدة، لكن لم ييأسوا حتى تبين لهم الخيط الأبيض من الأسود، حينها جهر أحدهم بفكرة جديدة لم يفطن إليها المغاربة، ومن شأنها جذب المحتجين إليها وإلهائهم عن خوض الوقفات الاحتجاجية، وتذكيرهم أن الأعين لا تنام لمراقبة المفسدين، وعدد إيجابياتها في تقوية مناعة الرأي العام بالملفات والضغط على أصحابها لإجبارهم على الصمت، وقال مثل حكيم زاهد "أتنبأ لها أن تضرب عشرات العصافير الأبرياء بحجر واحد". أرهف الجميع السمع لكبيرهم في انتظار الإعلان عن اللعبة الجديدة، فقال بعد أن رفع عينيه إلى السماء يستمد منها إبداعه: "لماذا لا ندير دفة الاتهامات إلى المستشارين الجماعيين".. أومأ بعضهم موافقين، ثم واصل فكرته بزهو نادر:"هؤلاء يستحقون حقا أن نحملهم وزر أخطائنا ونلهي المحتجين بهم عنا".وافق الجميع، وابتدأت اللعبة بتقديم بعض المستشارين إلى العدالة بتهم استغلال النفوذ والارتشاء، لكن ذلك لم يشف غليل القوم، فقرروا تصدير اللعبة نحو عاصمة البلاد الاقتصادية لتعميم نجاعتها.استغل المبتكرون تذمر البيضاويين من سوء التسيير بالبيضاء، ومن مكتب عاجز عن الوفاء بوعوده، ومستشارين يتناطحون ويتعاركون، ولا يصمتون إلا حين ترفع الأذرع عاليا لإعلان المصادقة على الميزانية، بل منهم من أصيب بأمراض مزمنة من شدة الصراخ وكثرة نقط النظام العجيبة، وأقسم على عدم مغادرة البناية الاسمنتية نهائيا.بدأت اللعبة تسري في دواليب مجلس المدينة في الخفاء، لكن بعد تحيينها قليلا حتى تستهوي البيضاويين، وأطلق عليها اسم جميل (تسريب الوثائق) بعد غربلتها، ثم تكلف الأعوان بإشهارها أمام الملأ تحت عنوان "فضائح مالية بمجلس المدينة"، ولمزيد من الإثارة أضافوا "إبرام عقود وصفقات بأثمنة رمزية مع شركات لاستغلال الملك العمومي".ولأن لعبة تسريب الوثائق أصبحت مملة، بل هي تقليد فاشل لوثائق وكيليكس الشهيرة، فقد عمموها على جميع الصحف بدون استثناء، فتلقفها بعض الصحافيين بفرح كبير معتقدين أنها سبق صحافي، لكن الغريب أنها تجنبت كشف كل الأسماء، وسعت إلى تصفية حسابات ضيقة.لم ينتبه المخترعون الجدد إلى أن تاريخ إنجاز الوثائق يعود إلى سنين وعقود خلت، وأنهم يتحملون وزرها ، فهم الأولى بالمحاكمة لتسترهم عليها طيلة هذه السنوات.. إنها لعبة يبدو، والله أعلم، انقلب فيها السحر على الساحر. خالد العطاوي

السحر والساحر في تسريب وثائق الدارالبيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التحقيق في سرقة 18 مليونا من وكالة تحويل أموال بالبيضاء

الرميد: نقترح إشراف القضاء على الانتخابات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات