متهمون يرمون كرات الاتهام ورئيس الهيأة يدقق في التفاصيل بعد أزيد من 18يوما، عن آخر جلسة الاستماع للمتهمين في ملف الفساد المالي لجماعة الفقيه بنصالح، والذي يتابع فيه محمد مبديع إلى جانب المتهمين، بعضهم في حالة اعتقال وآخرون في سراح، عادت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال باستئنافية البيضاء، الثلاثاء الماضي، إلى مواصلة النقاش بالاستماع إلى أحد العناصر المهمة في الملف، وهو الرئيس السابق للمصلحة التقنية بالجماعة، في انتظار أن تنهي الاستماع إلى باقي المتهمين في هذا الملف، الذي يحمل في طياته العديد من النقاط الغامضة والتناقضات ومحاولة التملص من المسؤولية. إعداد: كريمة مصلي في جلسة استنطاق الرئيس السابق للمصلحة التقنية بالجماعة، وجه رئيس الهيأة علي الطرشي، أسئلة دقيقة حول صفقات عمومية مثيرة للجدل، وسط معطيات تقنية وإدارية كشفت عن شبهات سوء تدبير وتلاعب في إنجاز المشاريع، إذ تم استفسار المتهم حول صفقة محددة، وطلب منه توضيح أسماء التقنيين المرافقين للأشغال، خاصة شركتي "تطهورت" و"سيف الدين"، ومدى مسؤوليته في تتبع التنفيذ، كما تمت مواجهته بتصريحات سابقة أدلى بها للفرقة الوطنية، أقر فيها بعدم توقيعه على بعض الكشوفات، ليرد بالقول "كنت أراقب فقط، أما التتبع اليومي فكان بيد تقنيين آخرين". محاولة التملص من المسؤولية، دفعت رئيس الهيأة إلى مواصلة البحث مع المتهم في ما نسب إليه، خاصة في ما يخص كشف الحساب رقم 6 المتعلق بالتسليم المؤقت للأشغال، إذ أوضح المتهم أن المقاول توصل بمستحقاته بعد إنجاز الأشغال بتاريخ 27 يوليوز 2019، لكن القاضي أشار إلى وجود تشققات وعيوب في الترصيف والبالوعات، ليرد المتهم بأن الإصلاحات تم تنفيذها قبل التوقيع النهائي على المحضر. ملف الصفقة شمل أيضا شكايات من مواطنين، بخصوص عيوب ناتجة عن دراسة غير مكتملة من مكتب الدراسات، الأمر الذي نفاه المتهم، مؤكدا أن الدراسة أنجزت وفق المعايير. التلاعب في الأثمان وقف الطرشي خلال البحث مع المتهم على التغيير المفاجئ في الثمن الأحادي لبعض الأشغال، مقارنة بالكلفة الأصلية، فأوضح المتهم أن السبب يعود إلى تعديل في برنامج الأشغال ببعض الأزقة، مشيرا إلى أن لجنة تفتيش رافقتها أطقم الجماعة عاينت الوضع، وأن الأخطاء المسجلة في الأثمنة لم يتم تنفيذها فعليا. أما بشأن مشروع التأهيل الحضري نفى المتهم وجود فروقات في الأثمنة، مشددا على أن التعديلات همت طبيعة الأشغال فقط دون أن تشمل الأسعار. لكن القاضي واجهه بتقرير من المفتشية العامة للإدارة الترابية يثبت وجود تفاوتات كبيرة، خاصة في صفقة منحت مباشرة لشركة دون فتح باب المنافسة، وهو ما برره المتهم بقانونية الأثمنة وقربها من القيمة المرجعية، محملا مكتب الدراسات مسؤولية إعدادها. وأثيرت في جلسة الاستماع تلك قضية اختفاء دفاتر الورش، التي وصفها القاضي بـ"الحالة المدنية للصفقات"، وهو ما عقب عليه المتهم بالقول إنه لا علم له بمكانها، ولم يكن مسؤولا عن المصلحة حينها، كما سبق وأوضح ذلك أمام الفرقة الوطنية. صفقة 84 شجرة صفقة اقتلاع 84 شجرة التي نفذتها شركة "لاسنطرال"، وتراوحت الكلفة بين 110 دراهم و120 درهما للشجرة، دفعت محاميا إلى توجيه سؤال للمتهم عن الجهة المسؤولة عن تحديد السعر المرجعي، فأوضح الأخير أن مكتب الدراسات، هو الذي يحدده بالتنسيق مع المقاول. ولم يخف المتهم وجود ملاحظات تقنية سجلتها المفتشية، مشيرا إلى أن التسليم النهائي لبعض الأشغال لم يتم بعد، فيما تم تسليم صفقات أخرى بشكل مؤقت، رغم عدم اكتمال الأشغال. فتح الأظرفة والتعليمات أكد رئيس مصلحة الصفقات بجماعة الفقيه بنصالح، الذي استمع إليه في جلسة سابقة عن تلك التي عقدت الثلاثاء الماضي، أنه لم يتلق أي تعليمات أو توجيهات، من قبل محمد مبديع، الرئيس السابق للمجلس الجماعي، بخصوص الصفقات التي كانت تعرض على لجنة فتح الأظرفة، موضحا أثناء الاستماع إليه من قبل غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية البيضاء، أن توجيهات رئيس المجلس كانت تشدد على ضرورة احترام المساطر القانونية المتبعة في تمرير الصفقات، نافيا في الوقت نفسه تلقيه أي شكايات من المنافسين، خاصة المشاركين في صفقة 2015، التي يتهم فيها بإقصاء تجمع شركتين. وقال المتهم بشأن اتهامه بإقصاء تجمع لمكتب دراسات، وفق ما جاء في تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية، إنه تم تقديم وثيقة اعتماد باللغة الإنجليزية، وليست بالعربية أو الفرنسية، كما هو معمول به، وعند استفساره من قبل القاضي عن إمكانية تذكير الطرف المعني بضرورة الترجمة، أجاب المتهم بأنه بعد حصر لائحة المتنافسين من قبل الرئيس، يصبح من المستحيل الإدلاء بوثائق أخرى. تنقيط المشاريع والمحاباة واجه علي الطرشي، رئيس هيأة الحكم، المتهم بأقوال متهم آخر يدعى صالح، وهو عضو في اللجنة، أكد أن رئيس مصلحة الصفقات كان "الكل في الكل" داخل اللجنة، وهو الذي كان يشرف على تنقيط المشاريع، مبرزا "كنا نثق برشيد، تعاملنا بحسن نية، وكنا على يقين تام أن الأمور تمر وفق احترام تام للمساطر الإدارية"، لينفي المتهم ذلك، مؤكدا وجود نظام استشاري يوضح جميع مراحل فتح الأظرفة. وأمام هذا النفي، علق رئيس الهيأة على ذلك الجواب بالقول "هناك القانون وهناك الواقع أيضا، تقول إنك لست عضوا استشاريا أو تقريريا في اللجنة، لكنك تقوم بتنقيط الصفقات"، ليجيب المتهم بأن الواقع هو ما ذكره، مشيرا إلى وجود مداولات مطولة خلال جلسات فتح الأظرفة. وحول اتهامه بإقصاء تجمع لمكتب دراسات، وفق ما جاء في تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية، زاد "الإقصاء كان مبررا، حيث إن اللجنة بعد تشاور في ما بينها ذهبت إلى إقصاء التجمع لأنه أدلى بوثائق باللغة الإنجليزية"، مضيفا "كيف أقصي التجمع؟، اللجنة هي التي تقرر بالتصويت. أما بخصوص حضوري فهو ضروري، أقوم بجمع الوثائق، وعندما يطلبون توضيحات قانونية أقدمها ليتخذ القرار". وبخصوص استفساره حول سبب منح مكتب تنقيطا يصل إلى 68.64 نقطة، بينما تم منح مكتب آخر نقطة 97.27، أكد الموظف المتهم أن "كل شيء موجود بنظام الاستشارة، حيث تنص المادة 15 منه على أنه يجب تسجيل أسماء أعضاء الفريق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خلال 6 أشهر الأخيرة. وفي هذه الحالة لم يدل المكتب بالوثيقة المطلوبة، وقدم ما يهم شهرا واحدا فقط". مهرجان الفقيه بنصالح أثيرت مسألة تنظيم المهرجانات خلال تلك الفترة، حيث كانت الجماعة تواجه صعوبات مالية حادة، ليوضح المتهم أن الاعتمادات المتاحة لم تكن كافية لتغطية نفقات الفرق الفنية، وأن محمد مبديع تدخل شخصيا لحل هذه الإشكالية، من خلال تحويل مبالغ مالية من حسابه الخاص إلى حساب الجمعية المنظمة، لمناسبتين (2013 و2015) بقيمة 100 ألف درهم و400 ألف درهم على التوالي. وأكد المتهم أن الرئيس هو من تكفل بأداء مستحقات عدد من الفنانين المعروفين، عبر وسيط مكلف بالتعامل مع فضاء الفنانين، ليواجهه رئيس الجلسة بوثيقة تظهر تحويلا بقيمة 500 ألف درهم من حساب مبديع إلى حساب الجمعية، وهو ما لم ينفه المتهم، بل أوضح أنه كان عبارة عن "سلفة مؤقتة". وفي رده على سؤال القاضي حول من كان يدير مالية الجمعية، قال المتهم "إن الأمور كانت تتم بعلم جميع الأعضاء، تحت مراقبة لجان ومجلس إداري، وإن تقارير مالية كانت ترفع بانتظام"، كاشفا أن تمويل الجمعية يشمل وزارة الداخلية، ومؤسسة "MDS"، والمكتب الشريف للفوسفاط، وبعض المساهمين الخواص، والجماعة نفسها، ليواجهه القاضي بسؤال حول قانونية تمويل الجمعية من قبل الجماعة من خلال الوقوع في حالة تناف، وهو ما لم ينفه المتهم بالقول "نعم، من الناحية القانونية هناك تناف، لكن على مستوى الواقع لا يؤخذ دائما بهذا الشكل". تحويلات مالية استغربت المحكمة خلال البحث مع المتهمين من إحدى الوثائق التي أظهرت تحويل مبلغ مالي من حساب المتهم إلى حساب مبديع، رغم قوله إن الجمعية كانت تقترض من رئيس المجلس الجماعي، إذ برر المتهم الأمر بوجود اتفاق مسبق بين الطرفين، وأقر المتهم كذلك بسحب 400 ألف درهم من حساب الجمعية، مشيرا إلى أن القرار تم بأمر من رئيسها، وأن الشيك وقع من قبله ومن قبل الرئيس أيضا، مضيفا أن لكل فضاء داخل الجمعية لجانه الخاصة بالتدبير المالي. ومن النقاط التي أثارت شكوك المحكمة، وثيقة تعود إلى 2015 وتحمل توقيع مبديع رغم وجوده خارج المغرب حينها، إلى جانب تكرار استفادة بعض الشركات من خدمات الجمعية، ما يطرح تساؤلات حول احترام مبدأ المنافسة. شكاية جمعية المال العام ملف الوزير السابق والقيادي في حزب الحركة الشعبية بتهمة تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ والارتشاء والتزوير في وثائق عرفية وتجارية ورسمية، إلى جانب متهمين آخرين، بناء على الأبحاث التي فتحت في الملف حسب شكاية قدمها الفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام جهة البيضاء ــ سطات ضده، تحدثت عن "تبديد أموال عمومية والاغتناء غير المشروع وخرق قانون الصفقات العمومية، وتلاعبات في الصفقات، والنفخ في قيمة الفواتير، وأداء مستحقات مقابل أشغال لم تنجز، وتوجيه بعض الصفقات نحو شركات ومكاتب دراسات معينة"، وهي الأبحاث التي أحيلت على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي استمعت إليه، قبل أن تقرر إحالته على الوكيل العام لاستئنافية البيضاء، الذي تقدم بملتمس إلى قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها، لأجل التحقيق معه في المنسوب إليه في حالة اعتقال. الاختلاس في قرارات محكمة النقض تطرقت محكمة النقض لعنصر مهم يجب أن يكون حاضرا ومثبتا لقيام جريمة المشاركة في اختلاس أموال عمومية، حين أكدت في قرارها عدد 2018/1/6/10252 الصادر بتاريخ 09/01/2019، أنه من المقرر أن عنصر العلم في جريمة المشاركة في اختلاس أموال عمومية هو عنصر معنوي تستخلصه المحكمة إيجابا أو سلبا من استقراء جميع الوقائع المادية المعروضة عليها. والمحكمة لما ركزت في تعليلها على إنكار المطلوبات علمهن بأن مصدر التحويلات البنكية الخارجية التي تسلمنها لفائدة الغير غير مشروع، وعلى خلو الملف من أي وسيلة لإثبات ذلك، إلا أنها لم تناقش فيه كل الوقائع المادية في القضية المرتبطة بدور المساعدة والإعانة الذي قد يكن أتينه لتسهيل ارتكاب جريمة اختلاس أموال عمومية من طرف الغير عن طريق تقنية الوضع تحت التصرف، وعن دافعهن إلى التصرف بالشكل المذكور مع الفاعلين الأصليين للعملية، يكون قرارها ناقص التعليل بخصوص العنصر المعنوي في الجريمة المنصوص عليه في البند رقم 3 من الفصل 129 من مجموعة القانون الجنائي نقصانا يوازي انعدامه. المحكمة تدقق في الصفقات (أرشيف)