ملفات ظلت في الرفوف في انتظار إنجاز خبرات طال أمدها تختلف الأحكام القضائية الصادرة في ملفات ذات ارتباط بقضايا الجرائم المالية، سيما المتعلقة بتبديد واختلاس أموال عامة، باختلاف الوقائع والأحداث، إذ تصدر أحكام إدانة بعقوبات حبسية أو سجنية نافذة وفي أحايين أخرى عقوبات حبسية موقوفة التنفيذ.. لكن يرى العديد من المتتبعين، أنه ولو كانت المحكمة لا تستجيب في كل الملفات لإنجاز الخبرة التقنية أو المحاسباتية في مجموعة من الملفات، فإن مصادر تعتبر إجراءات الخبرات ضرورة ملحة، خصوصا في ملفات معينة، على اعتبار أن المعاينات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية خصوصا في الجانب التقني، كنسبة إنجاز الأشغال، أو تطابق الأشغال المنجزة من دفاتر التحملات، تحتاج مختصين تقنيين لتقييم ذلك، لكن تعثر إنجاز الخبرة التي تأمر بها المحكمة في العديد من الملفات، يطرح أكثر من سؤال حول تدبير زمن التقاضي... إعداد: محمد العوال (مراكش( من بين الملفات التي ناقشتها، أخيرا، غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، المختصة بالنظر في الجرائم المالية، ملف يتعلق برئيس سابق لجماعة احرارة بإقليم آسفي، حيث يتابع بمعية أربعة متهمين آخرين، من أجل اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته والتزوير في وثيقة رسمية والمشاركة في ذلك كل حسب المنسوب إليه. تهم ثقيلة تلاحق متورطين تبين من خلال مناقشة هذا الملف، أن الأمر يتعلق بوقائع تبديد واختلاس أموال عامة، لها ارتباط بتنفيذ مشاريع على أرض الواقع، منها طرق غير معبدة وملاعب رياضية بمجموعة من الدواوير وإصلاح المجزرة بالسوق الأسبوعي. وخلال مناقشة هذه القضية، اعتبر دفاع المتهمين، أن محاضر الضابطة القضائية المنجزة على ذمة القضية، سيما ما يتعلق بالمعاينات الميدانية، لا يمكن الركون إليها، وبالتالي فإن إنجاز خبرتين الأولى تقنية والثانية محاسباتية، قد يقدم إجابات عن مجموعة من الأسئلة العالقة في هذا الملف، ويقدم صورة واضحة لطبيعة هذه المشاريع وما إن تم إنجازها على أرض الواقع، وكذا تقييم كلفتها المالية. وزاد الدفاع موضحا بخصوص هذا الملف، أن المشاريع كلها أنجزت، وأن ما جرى من نقل مشاريع خاصة بملاعب كرة القدم من دوار لآخر، لأسباب تقنية، وبالتالي فإن تبديد أو اختلاس المال العام، في هذه الحالة غير ثابت على اعتبار أن المشروع أنجز على أرض الواقع، مضيفا أنه بخصوص الطرق غير المعبدة، فإن ضيق مسالك طرقية، فرض على الشركة النائلة للصفقة تقليص عرض الطريق في مقاطع بعينها، وأنه تم توسيع مقاطع أخرى، وأن ذلك فرضه الأمر الواقع، على اعتبار أن الدراسة التقنية التي أنجزت بهذا الخصوص لم تكن دقيقة.. وعاد الدفاع لتأكيد أهمية الخبرة التقنية، في الإجابة عن العديد من الأسئلة بخصوص هذا الملف. وارتأت المحكمة بخصوص الدفع بإجراء خبرة محاسباتية وتقنية، برده والشروع في مناقشة الملف، وأنه متى تبين للمحكمة ضرورة إجراء الخبرة التقنية أو المحاسباتية أمرت بها، لتتواصل محاكمة المتهمين واستنطاقهم من قبل هيأة الحكم، ومواجهتهم بخلاصات أمر الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق. أحكام بالإدانة بعد مناقشة الملف، تم حجز القضية للمداولة، لتصدر الهيأة حكما يقضي بإدانة الرئيس الأسبق لجماعة احرارة بإقليم آسفي، بسنتين حبسا نافذا، وغرامة قدرها 40 ألف درهم، من أجل اختلاس وتبديد أموال عامة والتزوير في محرر رسمي، في حين أدين كل من موظف يشغل مهمة تقني بالجماعة، وممثل لمكتب الدراسات ومسير شركة أنجزت صفقة الملاعب الرياضية بسنتين حبسا نافذا في حدود سنة وموقوفة في الباقي وغرامة قدرها 30 ألف درهم لكل واحد منهم. كما أدين مقاول آخر بسنتين حبسا موقوف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 30 ألف درهم، وأداء المتهمين تضامنا تعويضات للمطالبة بالحق المدني قدره 200 ألف درهم، ليسدل الستار ابتدائيا على هذا الملف. وكانت النيابة العامة قد أمرت بإجراء أبحاث تمهيدية، بناء على شكاية توصلت بها، حيث خلصت الأبحاث إلى صفقات أنجزتها الجماعة شابتها تلاعبات إدارية ومالية، وتمت إحالة المسطرة على النيابة العامة، التي قررت إحالتها على قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة، والذي قرر إحالة المتهمين على غرفة الجنايات الابتدائية في حالة سراح، بعد انتهاء التحقيقات معهم، علما أنه اتخذ إجراء إغلاق الحدود في وجه المتهمين وسحب جوازات سفرهم. تبديد زمن التقاضي إذا كانت الأحكام التمهيدية التي تصدرها غرفة جرائم الأموال بخصوص إنجاز الخبرات التقنية والمحاسباتية، تعود إلى السلطة التقديرية للمحكمة، فإن التأخر في إنجاز الخبرات التقنية في الكثير من الملفات، يساهم في تبديد زمن التقاضي، حيث أن المحكمة تضطر في العديد من الحالات إلى إعادة تعيين خبير آخر في مجموعة من الملفات، لتعذر إنجاز الخبرة. وهكذا نجد أن ملفات تؤجل عشرات المرات، لعدم إنجاز الخبرة، رغم أن المحكمة، تتخذ ما يتوجب قانونا في حق الخبير، الذي لم يقم بإنجاز الخبرة التي أمرت بها المحكمة، ليستمر مسلسل تأجيل ملفات بعينها، في انتظار تلك الخبرات. ومن بين الملفات التي تأخر إنجاز الخبرة بها لجلسات عديدة، ملف الرئيس الأسبق لجهة مراكش تانسيفت الحوز (صارت اليوم تسمى جهة مراكش آسفي)، والذي يتابع من أجل تبديد واختلاس أموال عامة ومنقولة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته، والمشاركة في اختلاس وتبديد أموال عمومية، والتزوير في محرر رسمي واستعماله، وإتلاف عمدا الوثائق وصورها الرسمية وإتلاف عن علم وثيقة عامة، وفقا لفصول المتابعة من القانون الجنائي. ويعتبر الرئيس الأسبق، واحدا من أبرز المنتخبين الذين مروا في تاريخ المؤسسات المنتخبة بمراكش، غير أن محاكمته تعرف تعثرا، بسبب عدم إنجاز الخبرة المحاسباتية، حيث يظل ملفه معلقا عليها. وتم إسناد هذه المهمة للعديد من الخبراء المسجلين في جدول المحكمة، دون أن تنجز هذه الخبرة التي طال انتظارها، علما أن المتهم أحيل من قبل قاضي التحقيق على غرفة الجنايات، قبل قرابة ثلاث سنوات وبالضبط منذ 15 شتنبر 2022. وتعود تفاصيل القضية إلى الشكاية التي تقدم بها المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام بجهة مراكش آسفي، في 2015، إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، تتعلق باختلالات مالية وقانونية شابت التدبير العمومي لجهة مراكش تانسيفت الحوز سابقا، التي كان يرأسها عبد العالي دومو، قبل التقسيم الحالي، الذي جعل الجهة تحمل اسم "مراكش آسفي". وأحيلت الشكاية على الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش التابعة للفرقة الوطنية، وبعد انتهاء البحث التمهيدي، أحالت الفرقة المذكورة نتائجه على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، الذي اتخذ إجراءاته قبل إصدار قرار الإحالة. اختلالات تعرقل المسار حسب الشكاية، فإن المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام قام بدراسة وتحليل المعطيات، الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بـ 2010، فتأكد له أنها مخالفات ذات طبيعة جنائية تتطلب تحريك المتابعات القضائية في حق كل المتورطين المفترضين في تلك الوقائع. وتضمنت الوقائع التي وقفت عليها الجمعية المغربية لحماية المال العام، أداء الرئيس الأسبق لمجلس جهة مراكش تانسيفت الحوز سابقا، مصاريف إيواء شخصيات وعائلات في فنادق فخمة دون أن تربطها أي علاقة بالجهة أو تقديم خدمة لها، وهو ما يشكل جناية تبديد المال العام. كما عمد رئيس جهة مراكش تانسيفت الحوز سابقا، حسب الشكاية، إلى أداء مصاريف إيواء أشخاص في فنادق مصنفة من مال الجهة، وفي فترات مختلفة لمناسبة العطل السنوية، دون أن تكون لهؤلاء الأشخاص أي علاقة بالجهة، أو يقدموا أي خدمة كيفما كان نوعها لها. إذ كانت مصاريف إيوائهم تؤدى من المال العام، بينها مصاريف إيواء واستقبال في غرفتين مزدوجتين بفندق بأكادير بين 2 غشت 2007 و17 غشت 2007، بموجب طلب الحجز رقم 777 بتاريخ 16 يوليوز 2007. وليس هذا فقط، إذ شدد حماة المال العام على ارتفاع مصاريف الإقامة والإطعام والاستقبال ومصاريف تنقل أعضاء مجلس الجهة بشكل مبالغ فيه، في ظل غياب وثائق مبررة لذلك، مع تضمين بعض سندات الطلب خدمات لا علاقة لها بالوقائع، وهي المعطيات التي تم الوقوف عليها في التحقيقات القضائية التمهيدية. ومن الأمور التي يتهم فيها الرئيس الأسبق، لجوؤه إلى تنفيذ مخططات احترافية لعدم إثارة الشك، بقيامه بتقسيم صفقة عمومية واحدة إلى ثلاث صفقات للتهرب من مصادقة سلطة الوصاية ومسطرة التدقيق المفروضة على الصفقات، التي يتعدى مبلغها خمسة ملايين درهم، من أجل تأهيل قاعة الاجتماعات، التي لا تحتاج إلى أي تأهيل، مع التعامل ظاهريا مع شركتين مختلفتين، والحال أن الشركتين يسيرهما شخص واحد. كما قام بكراء محلات سكنية يستغلها رئيس الجهة الأسبق والكاتب العام للجهة، دون أي سند قانوني يبرر ذلك، إذ كان يتم أداء واجبات الكراء على أساس أنها بنايات إدارية، رغم أنها مخصصة للسكن. ووجهت لرئيس مجلس الجهة اتهامات باقتناء عقار دون استغلاله وتحفيظه، وإبرام اتفاقية معاوضة مع المجلس الجماعي لمراكش، من أجل تفويت جزء من البناية التي تحتضن مقرها مقاطعة سيدي يوسف بن علي، اتضح في ما بعد أنها لا تصلح لتكون مقرا، رغم إنفاق مبالغ مالية ضخمة، وتقديم منح ومساعدات لبعض الجمعيات، دون أي معايير وفي غياب وثائق محاسباتية، وهي المنح التي تثير تساؤلات وملاحظات، من أهمها عدم تتبع ومراقبة استعمالات المنح والمساعدات، وعدم الاطلاع على الوثائق المحاسباتية للجمعيات المستفيدة.