انحراف السلوك المدني … 3 أسئلة إلى عبد الله العلوي أبو إياد

كيف يمكننا تعريف انحراف السلوك المدني؟ وكيف يتجلى ذلك في السلوك اليومي للمغاربة؟ > الانحراف هو خروج عن المعايير الاجتماعية السائدة داخل مجتمع معين، ولا يصل بالضرورة إلى حد الجنوح إلا إذا تضمن خرقا لنص قانوني. فالانحراف على مستوى المعايير الاجتماعية والقانونية ليس كافيا بمفرده لفهم حقيقة التصرف المدني. فالتصرف المدني هو مجموع المعاملات اليومية التي يمارسها الإنسان في حياته، سواء في علاقته بالزمان، أو المكان، أو المال، أو الأشخاص، أو الإدارة، أو القيم. لكن هل يمكننا اعتبار الإنسان مجرد آلة نتحكم فيها؟ لا، فالإنسان كائن حي متعدد الأبعاد يتكون من عدة أنساق وهي عصبي، ونفسي، واجتماعي، وثقافي وزماني. وتتغذى هذه الأنساق بشكل كبير على جهود المدرسة، والأسرة، والدولة، والهندسة المدنية، والنظام الأمني، والاقتصاد. كلما كانت هذه التغذية سليمة، انعكست إيجابا على شخصية الإنسان. وهذه التغذية هي التربية التي تحمي الإنسان من الوقوع في الخطأ، وتمنحه القدرة على التفاعل السليم مع الزمن والأشياء، سواء كانت خاصة أو عامة. التربية التي نتحدث عنها لا تقتصر على الأسرة أو المدرسة فقط، بل تشمل كل المغذيات السابقة، التي يجب أن تستند إلى خلفيات سليمة، ومتطورة، ومتجددة، مبنية على البحث العلمي المستمر في الظواهر الإنسانية. غياب هذه التغذية الحيوية يؤدي إلى انحرافات وتصرفات غير محمودة، قد تكون مخالفة للقانون، أو للدين، أو للأسرة، أو للنفس. هذه التصرفات ليست فقط فردية يمكن معالجتها بسهولة، بل هي نتاج لغياب الضبط الاجتماعي والتربوي. نحن أمام اضطرابات ليست في الشخصية بحد ذاتها، وإنما في المغذيات التي تربيها وتطورها. هذه التصرفات ترتكز على الخوف، وتؤدي إلى الانتهازية، والعنف، والتبعية، والكسل، وغيرها من السلوكات السلبية. هل يمكن القول إن هناك فجوة بين تطور البنية التحتية والبنية الفكرية؟ > لا يمكن للبنيات التحتية أن تتطور دون وجود بنية روحية، وإبداعية وفكرية متطورة. هنا يجب أن ننتقل من مجتمع يرتكز على الضبط فقط إلى مجتمع قائم على الإنجاز والإبداع، إذ يتحول الإنسان من مجرد مستهلك متأثر إلى إنسان فاعل، وذات حرة وراشدة. التربية التي نحتاجها هي التي توظف المعارف والعلوم والفنون لتمكين المتربي أولا من إدراك ذاته، ثم تزويده بالمهارات التي تمكنه من الولوج إلى الحياة والمشاركة فيها بفعالية. نحن نريد إنسانا مشاركا في قيادة الحياة، لا مجرد قائد فوق الآخرين، بل قادرا على التحرر من الصعوبات التي تؤدي إلى الخروج عن المعايير. هناك تناقض واضح بين تطور البنية التحتية والتطور الفكري في المغرب. فالبلاد تشهد مشاريع كبيرة لتطوير البنية التحتية لاستضافة تظاهرات عالمية، لكن هناك حاجة لأن تكون هذه التظاهرات سببا في الارتقاء الاجتماعي والثقافي لسكان المناطق المعنية، وإنتاج علاقات جديدة تتماشى مع هذا التطور. لذلك، يجب ألا نكتفي بالحديث عن التمدن فقط، بل يجب أن نتبنى نظرة جديدة لإعداد الإنسان، حتى يتخلص من الصعوبات، ويكتسب قدرات تساهم في صناعة تاريخ جديد للإنسانية. تطوير البنية التحتية دون تطوير الإنسان لن يؤدي إلى التطور المنشود. ما هي الأسباب الذاتية التي حالت دون مواكبة العقلية المغربية لتطور البنيات الحضارية؟ > توجد أسباب عديدة ومتنوعة، وأهمها أننا ما زلنا نخطط ونفكر داخل المكاتب، ونلجأ إلى مكاتب الدراسات فقط. هذه الأسباب الذاتية هي نتاج سياسات عامة غير واضحة الأهداف، ومتأثرة بالارتجال. في عصر يعتمد بشكل كبير على الرقمنة والذكاء الاصطناعي، يبقى التساؤل حول موقعنا من هذا التطور، وكيف يمكننا استثمار هذه التقنيات لتصبح أدوات ارتقاء حضري وإنساني واجتماعي، بدل أن تتحول إلى أدوات تهيمن على مصيرنا بشكل سلبي. التمكين الذي نتحدث عنه لا يعني فقط الوعظ أو الإرشاد، بل يعني تمكينا معرفيا. ومن بين الأسباب الذاتية التي أدت إلى هذا التخلف، حرمان فئات واسعة من حقها في التربية والمعرفة السليمة، ما أدى إلى فجوة بين الإمكانات المتاحة والواقع العملي. أجرت الحوار: إيمان رضيف * أستاذ باحث في الشؤون القانونية والاجتماعية والنفسية

انحراف السلوك المدني … 3 أسئلة إلى عبد الله العلوي أبو إياد

غياب الضبط الاجتماعي والتربوي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السلوك الانحرافي ... عدم احترام الجيران والفضاء المشترك

النيران تلتهم محاصيل زراعية بالخميسات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات