خلال الأسبوع الماضي، تشابكت الخيوط في جريمة ابن احمد، التي ربما تتفرع عنها جرائم أخرى، مازال الغموض يكتنف أسباب ارتكابها من قبل جان، قيل عنه الكثير في شأن اضطرابات نفسية أو عقلية تصاحبه لسنين، وما بثه من رعب في أوساط سكان المنطقة، وتردده على مستشفى الأمراض العقلية والنفسية ببرشيد. تضاربت الروايات التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، في شأن هذا "القاتل المفترض"، على اعتبار أن الأجهزة الأمنية والنيابة العامة لم تخرجا بأي بلاغ في الموضوع، ربما لسرية الأبحاث، بعد اكتشاف جثة ثانية وشكوك حول ثالثة، لكن يبقى القاسم المشترك، والذي عبرت عنه الأغلبية أن القاتل المفترض كان يعاني اضطرابات في سلوكه، وكان عدوانيا، وسبق أن قدمت بشأنه شكايات إلى الجهات المسؤولة، فلماذا لم يتم إيداعه المستشفى وإخضاعه للعلاج، على اعتبار أنه يشكل خطرا على السكان لمدة طويلة؟، وهل أضحى التعايش مع هذا النوع من الأشخاص المرضى الذين يجوبون شوارع المدن أمرا عاديا؟ وأين هي مسؤولية الدولة في توفير أماكن لعلاج هذه الفئة؟ أغلب العائلات التي لديها مختلون أو مضطربون عقليا، تعاني الأمرين في سبيل العلاج وأماكن الإيواء، إذ تضطر إلى استعمال وسائل بشعة للحد من عدوانية الشخص المريض باحتجازه، أو وضعه لدى بعض الأشخاص لرعايته مقابل مبالغ مالية، "أسوأ" حل في انعدام بديل. وما يلاحظ أن هناك تصاعدا مقلقا في جرائم القتل، التي يرتكبها الأشخاص الذين يعانون اضطرابات عقلية، ما يثير مخاوف عميقة بشأن التعامل مع هذه الفئة الهشة. ففي ثامن مارس الماضي، اهتزت مكناس على وقع جريمة بشعة في حي البساتين، حين ذبح أربعيني والدته، وقبلها بيومين، شهدت منطقة القليعة، قرب إنزكان، حادثة أكثر بشاعة، إذ قتل شاب يعاني اختلالات نفسية والديه. هذه الحوادث المأساوية وغيرها، تعيد بقوة إلى الواجهة قضية هذه الفئة المجتمعية التي تعاني إهمالا جسيما في الحصول على حقوقها الأساسية في مجال الصحة العمومية، كما تكشف هذه الأحداث عن قصور بنيوي في فهم المجتمع لطبيعة المشاكل النفسية التي يعانيها الكثيرون. إن هذه الوضعية تتطلب من الجميع الإدراك بأن هذه الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الأشخاص المفترض أنهم يعانون اضطرابات نفسية وعقلية، ليست مجرد حوادث عارضة، بل نتاج منظومة صحية واجتماعية تفتقر إلى الفهم العميق والوعي الضروريين، لمواجهة هذه التحديات المعقدة، وأن استمرار هذا النزيف المجتمعي ليس قدرا محتوما، بل نتيجة مباشرة للإهمال المستمر، الذي تعانيه هذه الفئة المحتاجة إلى الرعاية والدعم. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma