أخيرا، سارع فرنسيون إلى إنشاء موقع إلكتروني لمواجهة نظرية المؤامرة التي انتشرت، بشكل غريب، منذ حادث "شارلي إيبدو" الإرهابي.تبدو نظرية المؤامرة مثل بوصلة تقود سفينة مواقع التواصل الاجتماعي إلى الهلاك، لكنها تنال إعجاب المبحرين في "فيسبوك" و"تويتر".إذا تسلحت بالشك ونظرية المؤامرة تأكد أن "فيسبوك" سيحتضن عبقريتك، ويجعل صفحتك، في أيام قليلة، يتقاطر عليها المعجبون من كل بلاد العرب والشام، فالقاعدة الأساسية في الفضاء الأزرق كن شكاكا، وآمن بسوء النية، واعلم أن الحقيقة هي سراب فقط.في "فيسبوك"، تُستبدل النظريات الرياضية بنظرية المؤامرة، فهناك متخصصون يفوقون كل الفلاسفة شكا، بل إن أحدهم افتتح حسابا خاصا بأصحاب نظرية المؤامرة التي لم تزدهر إلا في زمن الدواعش.تتلخص نظرية المؤامرة الداعشية في جملة واحدة:" كل فيديوهات النحر والحرق مفبركة"، حتى ولو استيقظ ابن لادن من أعماق البحار، وختمها بطابعه الإرهابي، ولو أقسم الداعشيون بأغلظ كفرهم أنها حقيقية، فالحقيقة الوحيدة لدى عباقرة فيسبوك هي " أن أشرطة فيديو داعش مفبركة أنجزها أعداء الإسلام للنيل منه".أدلة "خبراء" الفيسبوك لإثبات أن فيديو حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة مفبرك غريبة، لكنها تستهوي كل متصفحي العالم الافتراضي، فحسب رأيهم، هناك تناقض في حجم القضبان الحديدية التي أحرق بداخلها الطيار، ولحظة حرقه كان صيفا، والمنطقة يغمرها الثلج، إضافة إلى أن العرض البطيء وزوايا التصوير متعددة، وهي تقنيات لا تتوفر لدى داعش.. حتى تعتقد للحظة أن معاذ لم يحرق، بل يعيش بين أحضان أسرته في الأردن.. أما المتهم الأول في إخراج هذا الفيلم، في نظرهم، فهي الاستخبارات الأمريكية.إياك والاستخفاف بأصحاب نظرية المؤامرة، فهم قادرون على إبهارك، إذ يستعينون بجهابذة في التكنولوجيا، ويرغمونك على الاعتراف بأن الأمريكان الملاعين والماسونيين القذرين، والصهاينة المنبوذين، أرادوا تشويه الإسلام بفيديوهات مفبركة.. ولا ضير في أن تنسب الجريمة إلى القرود وقوم لوط أو الآشوريين والبابليين.. فالمجال مفتوح في لائحة المتهمين شرط الإيمان بنظريتهم.أحيانا، يتحول الفيسبوكيون إلى علماء نفس واجتماع ومحللين عسكريين، فالمنطق في حضرة "الشيخ" فيسبوك يجب وضعه في الثلاجة. هناك مثلا حادثة "شارلي إيبدو" التي أصبحت بقدرة هؤلاء من صنع الاستخبارات الفرنسية، والويل ثم الويل لمن شكك في نظريتهم، فهو عميل لكل أجهزة الاستخبارات الأرضية والفضائية. من أصحاب نظرية المؤامرة صحافيون وكتاب وروائيون وسياسيون، والكل يضفي عليها لمسته السحرية باستنتاجات وتفاصيل صغيرة، أفليست ساعة أبي بكر البغدادي الماركة العالمية دليل على أنه شبيه فقط للزعيم الحقيقي لداعش؟ وسكين زعيم ناحري 21 قبطيا مصريا هو السكين نفسه الذي ظهر في سوريا، والساعة اليدوية التي يحملها هي ساعة ظهرت بالعراق، ويسراه التي يلوح بها في كل تهديد هي اليد نفسها في منطقة نائية في أحد جبال تورابورا بأفغانستان، فكيف يعقل أن يكون الشخص نفسه في كل هذه المناطق؟ولإضفاء الإثارة، يخبرونك أن طريقة الذبح ليست على الطريقة الإسلامية، فالرهائن لم يرتجفوا، واقتيادهم بسهولة في الشاطئ دليل على وجود مخرج محنك يستعين بآخر التجهيزات الرقمية الأمريكية.. ربما، فكل شيء وارد ما دام أن هناك من يصدق أن الأطباق الفضائية تنزل إلى الأرض.