حيازة المكري المحل المهجور أو المغلق في القانون الجديد

أمام المكتري إجراءات عديدة قد تغنيه عن سلوك مسطرة الطعن بالاستئناف(3/3) من المستجدات اللافتة في القانون رقم 12/67 المنظم لعقود أكرية المحلات السكنية والمهنية الصادر بتاريخ 28/11/2013 والذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من مارس 2014 ، يأتي على رأسها تنصيصه الصريح على جواز استرداد المكري للمحل المكترى متى هجره المكتري وصار محلا مغلقا لمدة ستة أشهر على الأقل وفق ما نظمته الفصول الجديدة الواردة في الباب التاسع الفرع الأول وتحديدا الفصول من 58-59-60 إلى 67 منه. فإلى غاية صدور هذا القانون ظلت المسطرة موضوع شد وجذب بين رأي قضائي أخذ بها وبين آخر رفضها أو سرعان ما هجرها، ولكل رأي مؤيداته المستساغة والمعقولة أيضا بالنظر إلى أن هذه المسطرة هي من إبداع قضائي وتقف في نقطة فارقة بين مصلحتين مفترقتين:- مصلحة المكري صاحب الملك - مصلحة المكتري صاحب الانتفاع بالملك. هذه الصورة لم يتطرق إليها الفصل 61 ولا الفصول بعده، رغم أن الجواب في هذا الصدد له أثر بارز أعتقد أن المشرع قد أغفل إيراد هذه الصورة أو لم يستحضرها بالمرة، وإنما ترك أمر تقديرها إلى القضاء المختص وإن كنا نرى بأن جواب المدعى عليه متى صب في الدفاع عن موقفه والمنازعة في موقف المكري فإن المسطرة ستنتهي برفض الطلب، على اعتبار أن جواب المكتري سيأخذ حكم ظهوره أثناء جريان المسطرة، وعليه فإذا كان ظهور المكتري أثناء تنفيذ الأمر بالاسترجاع موجبا لوقف التنفيذ، فإنه من باب أولى اعتباره موجبا لوقف إجراءات سير الدعوى.من هذا المنطلق، نؤكد مرة أخرى أهمية ربط المسطرة سواء قبل صدور الأمر أو بعده بشرط جوهري، هو التحقق من عدم إخلال المكتري بواجب أداء الكراء، وإعطاء الصلاحية لرئيس المحكمة في مناقشة هذا الشرط، وفحصه سلبا أو إيجابا قياسا على صلاحياته في التصديق على الإنذار بأداء الكراء، بحيث يستطيع مواصلة البت في المسطرة من خلال تحقق هذا المعطى من عدمه، لأنه لا يعقل إنهاء المسطرة بمجرد جواب يقدمه المكتري المخل بالتزامه العقدي، في الوقت الذي أقام فيه المكري الحجة على ثبوت شروط أعمال المسطرة الخاصة هاته.من خلال ما نذكر ندعو إلى ضرورة مراجعة النص بما يجعل التحقق من واقعة عدم الإخلال بواجب أداء الكراء من بين الشروط المؤثرة في مسطرة البت في الطلب، بحيث لا يعتد بجواب المكتري الذي لا يعزز بما يثبت عدم انشغال ذمته المالية بأي قسط من أقساط الكراء المستحقة عليه لان الدعوة إلى غير ذلك هي إهدار بشكل أو بآخر لمزايا المسطرة ولأهدافها الاستثنائية. ثالثا: الطعن في الأوامر الصادرة في نطاق هذه المسطرة وتنفيذها:على خلاف تطرقه في الفصول 66 و‬65‪ و‬64‪ و‬63 لتنظيم بعض إجراءات تنفيذ الأمر الصادر في طلبات استرجاع المحلات الكرائية، لم يتطرق قانون الكراء الجديد إلى أي مقتضى ينظم الطعن الذي يخضع له هذا الأمر، من حيث نوعه وكيفية ممارسته مما تبقى معه المقتضيات العامة، هي المرجع في هذا الصدد فيأخذ الأمر الصادر في نطاق هذه المسطرة أحكام الأمر الاستعجالي، في ما تعلق بمسألة الطعن فيه مادام أن هذا الأمر بدوره يصدر عن رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، ومادام أن الطلب المقدم من أصله يكتسي صبغة الاستعجال بصريح الماد‪ة 59. ومن هنا سنتطرق في هذا المحور إلى الصور المطروحة للطعن في هذا الصدد من جهة ومن جهة ثانية إلى المقتضيات الخاصة لتنفيذ هذه الأوامر وبعض الإشكالات التي قد تطرح.‬1- الصور الممكنة للطعن في الأوامر الصادرة في طلبات استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة.نستطيع الحسم منذ البداية في أن الطعن بالاستئناف هو الطعن الوحيد الذي تقبله هذه الأوامر مادام أنها في حكم الأوامر الاستعجالية بنص المادة 59 من قانون الكراء والأمور الاستعجالية حسب أحكام المادة 153 من (ق م م) لا يطعن فيها بالتعرض ويطعن فيها بالاستئناف فقط داخل أجل خمسة عشر يوما من تبليغ الأمر ويفصل في الاستئناف أمام محكمة الاستئناف بصفة استعجالية ومن لدن هيأة قضائية جماعية في شكلها العادي بطبيعة الحال.لكن بقدر ما تأتى لنا الحسم في هذه النقطة بقدر ما تظهر لنا التعقيدات التي قد تطبع عمليا ممارسة هذا الطعن بالنظر إلى الطرف الذي سيبادر إلى الاستئناف من جهة وإلى الكيفية التي سيتم بها البت فيه من قبل محكمة الاستئناف. أ- مزية الطعن عمليا متاحة فقط للمكري طالب الإجراء:من خلال مطالعة جميع المواد المنظمة لمسطرة استرجاع حياة المحلات المهجورة، ننتهي إلى القول بأن الفائدة المرجوة من الطعن لا تقوم لها قائمة إلا عندما يمارس الطعن من طرف المكري أو المدعي في المسطرة، ومصلحته في الاستئناف تقوم متى صدر الأمر بعدم الاختصاص أو برفض الطلب أي متى خسر الدعوى بصفة عامة وهذه هي الحالة الوحيدة المفترضة منطقيا، بحيث أن الصورة المعاكسة أي حالة مبادرة المكتري إلى استئناف الأمر الصادر وفق الطلب هي من المستبعد جدا تصورها، بل إن المنفعة المرجوة تكاد تنعدم وإن كانت إمكانية تحقق الصورة واردة مادام لا وجود لنص يمنعها.فغياب الفائدة لدى المكتري في ممارسة الطعن تبرره من جهة مقتضيات الفصل 66 التي تخول له وقف تنفيذ الأمر بشكل فوري باستصدار أمر من رئيس المحكمة، أو من قاضي التنفيذ وتبرره من جهة ثانية مقتضيات الفصول من 67 إلى 70 التي تخول له سلوك المسطرة المعاكسة أي المطالبة بدوره باسترجاع المحل من يد المكري متى قامت الشروط المبررة لذلك.ومؤدى ذلك، أن المكتري مفتوحة أمامه إجراءات عديدة قد تغنيه عن سلوك مسطرة الطعن بالاستئناف وهي إجراءات قد تكون أكثر فعالية من إجراءات نظر دعوى الطعن من طرف محكمة الاستئناف، ونحن نرى ضرورة التنصيص على مقتضى إجرائي ضروري، مفاده حرمان المكتري من إمكانية الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر ضده، متى مرت مدة ستة أشهر على تنفيذه بغض النظر عن حصول التبليغ أم لا، وذلك قياسا على المقتضى نفسه الوارد في المادة 67 وهو المقتضى الذي منعه من طلب استرجاع حيازته للمحل بعد مرور المدة نفسها المشار إليها على تنفيذ الأمر القاضي بإرجاع المحل إلى المكري.فكأن بالمشرع في مقتضيات الفصول 70‪ و‬69‪ و‬68‪ و‬67 من قانون 67‪/‬12 يقر ضمنيا استحالة قصور إثارة المكتري للطعن بالاستئناف أو على الأقل تصور اكتمال مصلحته عند ممارسته.والخلاصة أن معالجة الإشكالية تستدعي تدخلا صريحا للمشرع من خلال هذه الفصول لتنظيم إجراءات الطعن بالاستئناف في إطار هذه المسطرة بشكل دقيق وصريح، من حيث أحوال الجواز أو أحوال المنع مادام أن النصوص الحالية توحي إلى ذلك ضمنيا في بعض المحطات التي تصير إليها المسطرة أو على الأقل أن هذه الصيرورة هي التي تفرغ الطعن من مزاياه المتعارف عليها في نطاق القواعد الإجرائية العامة وتأييدا لهذا الموقف نختم هذه الفقرة بطرح تساؤلين اثنين؟ما الفائدة من قيام المكتري بالطعن بالاستئناف والحال أن ظهوره لوحده يكفي من وقف تنفيذ الأمر وإجبار المكري على سلوك المسطرة العادية للإفراغ؟ما الفائدة من قيام المكتري بالطعن بالاستئناف والحال أن له الإمكانية نفسها لاستصدار أمر استعجالي يرجعه إلى محله فورا؟ 2‪-‬ تنفيذ الأوامر الصادرة في نطاق المسطرة:أ- الأمر بالتنفيذ:نصت المادة 63 من قانون الكراء على أن الأمر القاضي باسترجاع حيازة المحل ينفذ على الأصل وهي الصورة القصوى للنفاذ المعجل بقوة القانون بمفهوم أحكام المادة 153 من قانون المسطرة المدنية، بمعنى أن الأصل في تنفيذ الأوامر الصادرة في هذا الإطار هو أن يؤمر بالتنفيذ على الأصل تلقائيا من طرف رئيس المحكمة وفي جميع الأحوال ولا مجال للحديث عن أي استثناء إلا في حالة تنازل المحكوم له عن التنفيذ بعدما يؤمر به بدليل أن صياغة النص جاءت بأسلوب الوجوب لا إلا مكان، فنكون بذلك أمام أوامر استعجالية من نوع خاص مقارنة بالأوامر الاستعجالية في صورتها العامة والتي لا تنفذ على الأصل وجوبا وفق ما تنص عليه المادة 153 من (ق م م).فالحاصل إذن أن المادة 63 قد نصت على استثناء هو المعتمد ولا مجال لإعمال القواعد الإجرائية العامة بطبيعة الحال لغياب أي إحالة عليها في النص مثلما هو عليه الحال في المادتين 64 و65 بعدها.فمقتضيات هاتين المادتين تطرقتا إلى إجراء مهم يستدعيه تنفي الأمر القاضي بفتح المحل ويروم حفظ الأشياء المنقولة التي قد توجد بالمحل وتعود للمكتري والإجراء المعني هنا هو أن يقوم المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر وصفي يدقق في جميع الأشياء المنقولة نوعا وعددا وقيمة ووصف الحالة التي وجدت عليها وبحضور المنفذ له ثم توضع تحت عهدته ومسؤوليته حارسا لها إلى حين استنفاد كل الإجراءات المتطلبة طبقا للفصل 447 من (ق م م) وهو الفصل الذي يحيل عليه الفصلان 64 و65 مباشرة. ب- الأمر بوقف التنفيذ:نصت المادة 66 من قانون الكراء على مسألة إجرائية لم يرد مثل لها في قانون المسطرة المدنية وهي إمكانية وقف التنفيذ بمجرد ظهور المكتري أثناء مباشرة إجراءاته وهي إمكانية مخولة لمؤسستين قضائيتين هما رئيس المحكمة وقاضي التنفيذ، إذ أصبحت صلاحية قاضي التنفيذ هنا منصوصا عليها صراحة رغم ما قد تثير هذه الازدواجية من تنازع الاختصاص، سيما أن المكلف بالتنفيذ حر حسب مقتضيات النص في اختيار من سيحيل عليه تقريره الإخباري بظهور المكتري.لذا كان من الأفضل في صياغة الفصل أن تنص على جعل صلاحية إصدار الأمر بوقف التنفيذ بيد الرئيس أولا ولا تنتقل إلى قاضي التنفيذ إلا في حالة غيابه أو بتفويض منه وإن كنا نعتقد أن هذا التفسير هو المقصود في عبارات الفصل.ولعل ما يؤيد هذا الطرح هو أن وقف التنفيذ لا يصدر على وجه الوجوب وإنما على وجه التقدير والخيار وبمقتضى أمر قضائي يصدر في غيبة الأطراف وخارج نطاق المسطرة التواجهية.عبر هذه القراءة يتأكد في المحصلة أن المشرع لم يوفق بالشكل المطلوب أو المنتظر في إخراج مقتضيات جيدة منظمة لهذه المسطرة الخاصة والسبب يعزى في نظري إلى كثرة المواد المخصصة لها وإلى الحشو الذي طال الأحكام التي تضمنتها، فغابت الدقة في الصياغة في أكثر من محطة، في حين ظل الحذر الزائد من المسطرة هو سيد الموقف فيها وهو ما يظهر جليا من خلال حرص الأحكام الجديدة على الطابع الاستثنائي للإجراء من أول فصل منظم لها إلى آخر فصل حتى لا يكون اللجوء إليه هو الشائع والحرص هو التوجه الذي توفق فيه قانون الكراء الجديد على الأقل وهو توجه لا يشجع على سلوك المسطرة ويفرغها من الضمانات المحفزة على ذلك بما يناقض الأهداف التي قامت من أجلها. بقلـم : نجيب شوقي ** رئيس غرفة العقار وقضايا الأسرة باستئنافية الناظور

حيازة المكري المحل المهجور أو المغلق في القانون الجديد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

استقلال النيابة العامة شأن مجتمعي

ملف شاعر العدل والإحسان في المداولة بفاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات