قبل يومين، أعلن موقعا التواصل الاجتماعي فيسبوك وانستغرام عن تعرضهما لهجوم قراصنة، ما أدى إلى توقفهما مدة ساعة تقريبا."العالم قرية صغيرة"، جملة ألف الجميع ترديدها، بعد ثورة الانترنيت، لكن هذه القرية ليست فاضلة، ولا يسكنها النبلاء أو الصالحون فقط، فهناك الأشرار والجواسيس ومجتمع يهوى الفضيحة والمساس بالحرية الشخصية.لا أحد يسلم من "الهاكرز" الجدد، فالدول مهما حمت نفسها من حروبهم، تخسر معارك، و"مواطنو" العالم الافتراضي، مهما توخوا الحذر تطولهم سهام عصابات الأنترنيت، فتتشرد أسر مست حرية أفرادها بسبب فيروس لعين، حين عبث ببريد إلكتروني. فهل أصبح الأنترنيت سر بلاء المجتمعات بعد سنوات من "السعادة"؟لم يسلم المغرب من هجوم "الهاكرز"، وإن كانوا يتسترون وراء أقنعة دول أجنبية، فـ"كريس كولمان" الجزائري نجح في اختراق البريد الإلكتروني لوزراء ومسؤولين مغاربة، فعاث في تويتر فسادا بنشر مراسلات سرية وتحريفها، وقرع طبول الحرب، من خلف أجهزة الحاسوب، متمنيا المساس بسمعة المغرب خارجيا، قبل أن يتوارى عن الأنظار مؤقتا.وقبل ذلك تعرضت مواقع إلكترونية حكومية لهجومات القراصنة، تارة يختفون وراء الدين وأحيانا وراء الحرية الشخصية، فاستولوا على مواقع إلكترونية تابعة لقنوات تلفزيونية، وتباهوا بتعطيل مواقع مؤسسات حكومية ووزارات.للأسف، وجد القراصنة المغرب أرضا بلا حماية، فهو يحتل الرتبة ما قبل الأخيرة في تصنيف الدول الخاص بالسلامة والأمن المعلوماتي، حسب أحدث الدراسات، ما يجعل منه الدولة الثانية عالميا، وراء العراق، الأكثر تعرضا لهجمات القراصنة والفيروسات على نظمه المعلوماتية، سواء بالنسبة إلى الأفراد، أو الشركات والمؤسسات الخاصة والعمومية.يعاني المغرب ضعفا كبيرا في حماية أمنه في العالم الافتراضي، حتى أن فيروسا غامضا أصبح متخصصا في غزو صفحات المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر صورا جنسية باسمهم، فلجأ سياسيون ومثقفون للاعتذار لأصدقائهم، وإبراء ذمتهم من خدش الحياء. حسب عدد من الخبراء، فإن أحد أسباب اقتحام الفيروسات للحياة الشخصية للمغاربة عبر الانترنيت، استعمالهم المكثف للبرامج والتطبيقات المقرصنة، أي أنهم يضعون أنفسهم تحت رحمة الغزاة، فالبرامج المقرصنة التي تنتشر بشكل كبير في الأسواق المغربية تحمل فيروسات خبيثة غير مرئية تهم أنظمة التشغيل وملفات التجسس.إن القرصنة لا تؤدي إلا للكوارث في العالم الافتراضي، ففتح الباب أمام أنظمة وبرامج مقرصنة بالمؤسسات العمومية يسهل اقتحامها، ويجعلها تحت رحمة فيروسات قاتلة تتجسس عليها وتنقل بياناتها إلى قاعدة أوسع. قبل سنوات كانت استخبارات عالمية تتستر وراء جمعيات أو منظمات لجمع الأخبار وبيانات المغاربة، مما يكلفها الكثير ماليا، أما الآن فأصبح الأمر سهل جدا، فيكفي نشر برنامج مقرصن في الأسواق ليحصل الجهاز على معلومات أكثر دقة، حينها يتحكم في المقاولات والمؤسسات، وأحيانا يجعل حياة أشخاص عاديين جحيما.إن التأخر في حماية الأمن المعلوماتي بالمغرب واضح جدا بدليل غياب الحماية القانونية وتطبيقها عمليا على أرض الواقع، إضافة إلى غياب الجوانب التقنية في المجال المعلوماتي والمتعلقة بالخصوص بالتوقيع الإلكتروني وعمليات التشفير والآليات القانونية لتكريس الأمن المعلوماتي، وحماية المعطيات القانونية والسر المهني والنشر الإلكتروني والحقوق الرقمية الأساسية وبرامج الحاسوب.لقد أصبح الآن كل راغب في ولوج الشبكة العنكبوتية مطالبا بوضع حزام السلامة، فـ"القرية الصغيرة" يسودها قانون الغاب. خالد العطاوي