سطات تحت الحظر المائي

سكان عاصمة الشاوية يقطعون كيلومترات بحثا عن مصادر مياه صالحة للشرب يخيم هاجس العطش على عدد من المناطق بالمغرب، خاصة تلك التي تتزود بالماء الصالح للشرب من سدود تقلصت حقينتها إلى أدنى المستويات. يتهدد العطش مئات الآلاف من قاطني المناطق التي تتزود بالماء الشروب من أحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت، بسبب التراجع الملحوظ في حقينات السدود. واضطرت السلطات المحلية في بعض المناطق إلى التأقلم مع هذا الوضع غير المسبوق، الناتج عن توالي سنوات الجفاف والتأخر في تنفيذ المخطط الوطني للماء، إذ عمدت إلى تقليص صبيب المياه أو قطع التزود طيلة ساعات في اليوم لتدبير الحقينة الهزيلة للسدود. وتعد سطات، عاصمة الشاوية، أكبر المتضررين من هذه الإجراءات، إذ يتم قطع الماء على سكانها لساعات. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي / تصوير (عبد اللطيف مفيق) ليل بدون ماء تقرر قطع المياه على سكان سطات ونواحيها من العاشرة ليلا إلى الخامسة والنصف صباحا، ما يتجاوز سبع ساعات دون مياه، في عز الصيف وخلال زيارة مغاربة العالم المتحدرين من المنطقة لأهاليهم في هذه الفترة من السنة. لكن عين وكالة توزيع الماء بالمدينة بصيرة ويدها قصيرة، بسبب شح المياه الذي تسببت فيه سنوات الجفاف، والتي لا قبل لها به، إذ سيستمر الحال على ما هو عليه، حسب بلاغها، إلى حين تحسن الوضع، والذي لن يتأتى إلا بغيث من السماء. "معاناة حقيقية نواجهها يوميا"، هذا ما أكده أحد الأشخاص الذي كان في طريقه إلى أحد مصادر المياه الصالحة للشرب، التي اعتاد أن يتزود بها والموجودة خارج عاصمة الشاوية على طريق بن أحمد. اقتفت "الصباح" أثره لتكتشف أنه ليس الوحيد الذي على علم بهذا المصدر، بل هناك عشرات النساء والرجال الذين يتجمهرون حول منبع المياه وبأديهم قنينات مياه معدنية فارغة من سعة خمسة لترات، وهناك من يقصد هذا المنبع بسيارات للتزود بأكبر كمية ممكنة، لتفادي تكرار الطواف، بحثا عن المياه الصالحة للشرب. "الله يرحمنا وصافي" "الله يرحمنا وصافي"، عبارة تتكرر على لسان أغلب الأشخاص الباحثين عن مياه صالحة للشرب، على غرار ما جاء على لسان كنزة، امرأة ذات الخمسين ربيعا، التي كانت تجر عربة صغيرة، تخصص عادة للتسوق، كانت تحمل عليها خمس قنينات من سعة 5 ليترات. وعبرت الخمسينية في تصريح لـ"الصباح" عن تفهمها لهذا الوضع، الناتج عن الجفاف، لكنها لم تخف تذمرها من المسؤولين، الذين كان عليهم، حسب رأيها، تدبر الأمر وتوفير صهاريج بسعات ضخمة في أحياء المدينة، لتجنيب السكان عناء التنقل. وأكدت كنزة أن قطع الماء يؤثر سلبا على السير العادي للحياة، إذ يصبح البحث عن مصادر للمياه هاجس السكان الوحيد، مضيفة أن فصل الصيف يعرف بالسهر واجتماع العائلات إلى ساعات متأخرة من الليل، لكن الإجراء الذي اتخذته وكالة توزيع الماء بقطع تزويد المنازل والشقق بالماء أفسد هذه اللقاءات وجعل سمر الأسر دون ماء. أزمة العطش تطول مؤسسات أفاد بعض السكان الذين التقتهم "الصباح" أن إجراءات قطع تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب لا تستثني أحدا، إذ تطول مجموعة من المؤسسات والوحدات الإنتاجية، ما أثر على خدمات بعضها. وأكد الأمر محمد هيشامي، النائب البرلماني عن المنطقة، إذ وجه سؤالا كتابيا إلى وزير التجهيز والماء، لاستفساره عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة لمعالجة أزمة التزود بالماء التي تعانيها المدينة، مشيرا إلى أن إجراءات قطع المياه أثرت بشكل سلبي على عدد من المؤسسات، مثل المستشفى الإقليمي الحسن الثاني والحي الصناعي وعدد من مراكز تصفية الدم، التي اضطرت إلى التوقف عن تقديم خدماتها، بسبب قطع الماء عنها. هكذا، فإن معاناة السكان لم تعد مقتصرة على البحث عن مياه الشرب، بل، أيضا، يتأثرون بالاختلالات التي طالت خدمات عدد من المؤسسات، خاصة مراكز تصفية الدم التي تتوقف عليها حياة مئات الأشخاص. مخطط وطني للماء اعتمدت الحكومة مخططا وطنيا للماء الصالح للشرب والسقي بغلاف مالي في حدود 143 مليار درهم، بعدما تمت إضافة غلاف مالي بقيمة 23 مليار درهم عن المبلغ الذي كان محددا في السابق. وتضمن المخطط عددا من المحاور، التي تروم تدبيرا فعالا للحفاظ على هذه المادة الحيوية، من خلال برنامج يهم إنشاء 16 سدا، ما سيمكن من تجميع ما لا يقل عن 24 مليار متر مكعب، كما يروم المخطط إلى إنجاز عدد من محطات تحلية المياه للحد من الاستغلال المفرط للمياه العذبة المتأتية من الفرشات المائية والسدود، إذ سيوجه جزء من كميات مياه البحر المعالجة لتلبية حاجيات الفلاحة والجزء الآخر سيدعم الحاجيات إلى ماء الشرب. كما يتضمن المخطط أيضا الإجراءات الكفيلة بالاستعمال المعقلن للمياه، بما يضمن توفير كميات مهمة تهدر، حاليا، بسبب الإفراط في الاستعمال. وانطلقت الأشغال لبناء أكبر محطة لتحلية المياه بإفريقيا، بطاقة تصل إلى 300 مليون متر مكعب في السنة بكلفة إجمالية تصل إلى 800 مليون "أورو" (أزيد من 8 ملايير درهم)، وستوفر هذه المحطة ماء الشرب لما لا يقل عن 3 ملايين نسمة، إضافة إلى تأمين الماء لسقي ما يناهز 8 آلاف هكتار، بجهة الدار البيضاء سطات. لكن في انتظار أن تنجز هذه الأوراش، فإن سكان عاصمة الشاوية سيكون عليهم التأقلم مع الوضع الجديد، وانتظار أن تجود السماء بغيثها بعد سنوات متتالية. وزاد من الصعوبات التي يواجها المغرب بخصوص ندرة المياه، التأخر في إنجاز عدد من المشاريع، المتضمنة في الإستراتيجية الوطنية للماء، التي تم اعتمادها، خلال 2009، وتمتد فترة إنجازها من 2010 إلى غاية 2030، وتهدف إلى مواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، وإيجاد الحلول للتحديات التي تطرحها التغيرات المناخية وانعكاساتها على مصادر المياه. وتتابع أعلى سلطة بالبلاد سير إنجاز البرامج المتعلقة بضمان تزويد السكان بالماء الصالح للشرب وتوفير مياه السقي الضرورية لتأمين الأمن الغذائي.

سطات تحت الحظر المائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وفيات وخسائر في فيضانات الجنوب الشرقي

أمطار طوفانية تعصف بزراعات ببني ملال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات