حدائق البيضاء…ثورة خضراء

توالي افتتاح المنتزهات بالعاصمة الاقتصادية يؤكد أولوية البيئة في المدينة ظلت الالتزامات البيئية في برامج المجالس المنتخبة بالبيضاء حبرا على ورق منذ سنوات طويلة، غير أنه في السنوات الأربع الأخيرة بدأت بوادر ثورة خضراء، كللت بافتتاح ثلاثة منتزهات في الأشهر الأخيرة، ووجود مشاريع حدائق يتم العمل عليها في الوقت الحالي على أمل أن ترى النور في المرحلة المقبلة، وهو ما يمكن اعتباره تعويضا للبيضاويين عن سنوات عجاف من انعدام المساحات الخضراء والحدائق والمنتزهات، طيلة الفترة الماضية. إنجاز: عصام الناصيري / تصوير (أحمد جرفي) في منتزه سباتة الجديد، الذي افتتح قبل أيام قليلة، كان الأطفال يلعبون ويمرحون في المسارات الترفيهية، المحدثة بالحديقة، في وسط يعاني ضعف البنيات التحتية، خاصة البيئية والترفيهية منها، إذ هربوا من الحرارة المرتفعة داخل المنازل والأزقة، قاصدين هذا الفضاء الجديد، الذي يعول عليه أن يكون متنفسا للأسر والأطفال. ثورة المنتزهات في خطوة غير منتظرة بسبب ما ألفه البيضاويون من تماطل السلطات المنتخبة والمعينة على حد سواء في إنجاز المشاريع، في الفترة التي سبقت تعيين الوالي الجديد على رأس العاصمة الاقتصادية، فوجئ عدد من المواطنين بسرعة إنجاز وافتتاح المنتزهات بالمدينة، إذ لا يمر شهر أو شهران إلا ويتم افتتاح منتزه أو تهييئ منطقة خضراء، أو إصلاح حديقة، أو تزيين مدخل مدينة. وفي ظرف ثلاثة أشهر فقط، دخلت ثلاثة منتزهات الخدمة بالبيضاء، وهي حدائق جديدة لم يكن لاثنتين منها وجود من قبل، ويتعلق الأمر بحديقة الهضبة الخضراء بسيدي مومن، ومنتزه سباتة، وحديقة بشار الخير. وتعتبر هذه المنتزهات الثلاثة من النوع المتوسط، الذي يمكنه استقبال آلاف السكان في الأسبوع، إذ أن مساحة بعضها تصل إلى 12 هكتارا، وهي مساحات مهمة تسمح بممارسة عدد من الأنشطة الترفيهية والرياضية. وبالإضافة إلى المنتزهات الثلاثة المفتوحة حديثا، هناك حدائق ومنتزهات أخرى من الحجم الكبير التي افتتحت قبل سنوات، والجميل في الأمر أن جلها حافظ نسبيا على تقديم الخدمات بالجودة نفسها، سواء تعلق الأمر بحديقة الجامعة العربية، أو حديقة "أنفا بارك"، أو الشريط الساحلي للمدينة بمنطقة مسجد الحسن الثاني الذي يمتد على 5 كيلومترات، عبارة عن مساحات خضراء، ومسارات لممارسة الرياضة. من مطرح إلى حديقة وقبل 3 أشهر فقط افتتحت حديقة الهضبة الخضراء الموجودة بمنطقة سيدي مومن، في المنطقة التي تسمى من قبل "زبالة ميريكان"، والتي نجحت فكرة تحويلها من مطرح إلى حديقة، بتعاون بين مجلس البيضاء ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة وولاية البيضاء وعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي. ويسمح هذا الفضاء البيئي والإيكولوجي بالحفاظ على النظم الإيكولوجية وامتصاص الغازات الملوثة، بعد أن كان مطرحا عشوائيا للنفايات، إذ خصصت له ميزانية قدرت ب 19 مليون درهم. ويضم المنتزه الذي يمتد على مساحة 12 هكتارا للنزهة والترفيه، 32 نوعا من النباتات المختلفة، يتم سقي هذه المساحات باعتماد تدابير مقننة تسمح بتقليص حجم الاستهلاك بنسبة تصل إلى 50 في المائة، كما أن 20 في المائة من مجموع الطاقة المستخدمة، عبارة عن طاقة شمسية، ويساهم الغطاء النباتي للحديقة بامتصاص 235 طنا من ثاني أكسيد الكربون سنويا. وتتميز الحديقة التي زارتها "الصباح" بخصائص متميزة، من قبيل أنها على شكل هضبة، إذ هناك مسارات للجري يمكن سلكها من قبل الرياضيين، وعند الصعود للأعلى الذي توجد فيه مقاعد الجلوس، يستفيد الزائر من نظرة بانورامية على محيط الحديقة. وحسب معطيات نشرها مجلس البيضاء، فإن 58 في المائة من إجمالي مساحة الحديقة عبارة عن غطاء نباتي أخضر، و5000 متر مربع هي المساحة المظللة بفضل الأشجار، و 1.8 مليون متر مكعب من النفايات المنزلية المطمورة بالمطرح قبل إعادة تأهيله، و15 مترا هو ارتفاع الهضبة الخضراء لسيدي مومن بالنسبة لمستوى سطح البحر. وتدبر شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للبيئة" الحديقة، إذ عاينت "الصباح" مجموعة من المستخدمين المكلفين بالصيانة اليومية للحديقة، من خلال سقي الأشجار ومعالجة العشب والحراسة وغيرها من أنشطة الصيانة. وعي بيئي وفي رحلة البحث عن أسباب هذه الصحوة البيئية بالبيضاء، صرح مولاي أحمد أفيلال، نائب رئيسة مجلس البيضاء، والمكلف بتدبير قطاع النظافة والبيئة، أنه منذ "بداية ولايتنا تبين لنا ولجميع البيضاويين خاصة على مستوى التواصل الاجتماعي، أن هناك نقصا حادا في المساحات الخضراء والمنتزهات، إذ أن بعضها كان في وضعية كارثية، لهذا فكرنا في أن يكون لكل مقاطعة منتزه يليق بها". وأضاف أفيلال أن المنتزهات التي تم افتتاحها في الفترة الماضية، تندرج ضمن سياق جعل كل مقاطعة تتمتع بمنتزه خاص بها، إذ انطلق العمل بمنتزه الحي المحمدي وسباتة وسيدي مومن، كما سيتم إنجاز منتزه بالحي الحسني وعين الشق، إضافة إلى مقاطعة المعاريف، التي تعيد تأهيل بعض الحدائق الموجودة في ترابها، الأمر نفسه بالنسبة إلى سيدي بليوط وأنفا، حسب المسؤول نفسه. ويشير المتحدث ذاته، إلى أن "الجميع اليوم يؤكد أن البيضاء مدينة إسمنتية، ولهذا وجب إحداث منتزهات ومساحات خضراء، وهو ما يفسر أيضا النقاش الكبير الدائر حول التشجير، ووجود نوع من الاستياء من زراعة النخيل، ما سيجعلنا في الفترة المقبلة، نزرع أكبر عدد من الأشجار بالمدينة". رغبة النجاح يكرر جل المنتخبين في البيضاء في الأشهر الماضية، عبارة أن وجه البيضاء تغير في الفترة الأخيرة، محاولين إثارة انتباه المواطنين وسكان المدن الأخرى إلى أن البيضاء لم تعد بتلك الصورة النمطية التي تعرف بها، والتي تغلب عليها العشوائية وقلة النظافة والفضاءات البيئية. وهناك من يرجع هذا التطور الملحوظ في مرافق وبنيات البيضاء إلى مشاريع المجلس المنتخب، بينما يجع جزء آخر فضل هذا التغيير إلى الوالي الجديد، والعناية الملكية بالمدينة في الفترة الأخيرة، غير أن الثابت وجود رغبة لدى الجميع في إنجاح تحويل البيضاء إلى مدينة جميلة ومنظمة، كما حدث في مدن مثل الرباط وطنجة. وفي هذا السياق يقول أفيلال، في حديثه مع "الصباح" إن المساحات الخضراء والحدائق والمنتزهات بالبيضاء، تحتاج إلى المياه، في وقت يعيش فيه المغرب وضعية صعبة من ناحية ضعف الموارد المائية وتوالي سنوات الجفاف، ما يطرح إشكالية استدامة سقي تلك المساحات. وفي هذا السياق، يقول نائب العمدة، إنه بالموازاة مع إنجاز مشاريع الفضاءات الخضراء، يجب أن تكون هناك محطات إعادة معالجة المياه العادمة، كما هو الأمر بالنسبة إلى تطوان وطنجة والرباط، التي يقول الجميع إنها أصبحت كلها خضراء، والسبب أنها تتوفر على هذه المحطات، عكس البيضاء التي تم فيها إنجازالمنتزه لكن دون إحداث هذا النوع من المحطات. وأكد المسؤول ذاته، أنه "لا يمكننا الاستمرار في سقي هذه الفضاءات بالمياه الصالحة للشرب، إذ أن التعليمات أعطيت في الأيام الأخيرة لوقف هذا الأمر"، مبرزا أن هناك مشروعا لإنجاز محطتين لمعالجة المياه، الأولى توجد في مديونة ويتم في الفترة الحالية توسيعها، من أجل نقل مياهها إلى جنوب البيضاء عن طريق سيدي عثمان وابن امسيك ومولاي رشيد وكذا شارع محمد السادس، كما سيتم إحداث محطة ثانية لتغطية مساحات وسط المدينة، والتي ستكون في منطقة العنق، في وقت يتم فيه التفكير في محطة ثالثة لم يحدد بعد مكان إحداثها. عدالة بيئية يمكن القول إن وسط المدينة ومنطقة أنفا وسيدي بليوط والمعاريف، لا تعاني ضعف المساحات الخضراء نسبيا، إذ أن التقارير تصنف هذه المنطقة بأنها الأعلى من حيث نصيب الفرد من المساحات الخضراء، في حين أن هناك بعض المناطق، التي يعاني سكانها ضعفا كبيرا في هذه الفضاءات، ما يطرح إشكالية العدالة المجالية في توزيع هذه المشاريع. وفي هذا الإطار صرح أفيلال أثناء حديثه مع "الصباح"، أن هناك منتزهين مبرمجين الأول على مستوى الحي الحسني، الذي يشهد كثافة سكانية كبيرة، ولا يتوفر على منتزه خاص به، الأمر نفسه بالنسبة إلى عين الشق. وتابع المتحدث ذاته، أنه من الواجب تطبيق نوع من العدالة المجالية في ما يخص المساحات الخضراء والمنتزهات، إذ أن هناك أسرا ترغب في الخروج مساء رفقة أطفالها، كما أن المتقاعدين أيضا في حاجة إلى أماكن محترمة لقضاء أوقاتهم، ما يحتم تمتيع كل مقاطعة بمنتزهها الخاص. تدبير مستدام ليست المرة الأولى التي تفتح فيها منتزهات وحدائق بالبيضاء، لكن الإشكال الذي يواجهها هو ضعف الاستدامة، إذ أن بعضها يتم اقتحامه من قبل المشردين، كما أن بعض الأشخاص يعبثون بالتجهيزات والمرافق، لكن يبدو أن مجلس البيضاء وجد حلا لهذه الإشكالية. وأدى إحداث شركة "كازا بيئة" إلى تدبير هذه الفضاءات بصورة جيدة نسبيا، إذ أنها تتعاقد مع شركات خاصة تقوم بأعمال الصيانة والنظافة والحراسة، وهو ما عاينته "الصباح" في جميع المنتزهات الجديدة، إذ أن فرقا من العمال تسهر على صيانة وتنظيف هذه المرافق. وتدبر شركة التنمية المحلية بالبيضاء حاليا أكثر من 130 هكتارا من المساحات الخضراء لصالح البيضاويين، من خلال الحدائق والمنتزهات، ويمكن القول إنها نجحت نسبيا في تدبير المهمة التي أسندت إليها، رغم وجود بعض النقائص، من قبيل العبث ببعض المرافق الصحية بـ "أنفا بارك" على سبيل المثال، دون استبدالها.

حدائق البيضاء…ثورة خضراء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محنة الغلاء في متاهة الوسطاء

الأسماك فوق "الشواية"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات