المختلون عقليا… خطر متنقل

يعتدون على المارة ويقترفون جرائم خطيرة ومطالب بانتشالهم من براثن الضياع سلطت أحداث جرائم المختلين عقليا واعتداءاتهم الجسدية التي طالت وتطول المحيطين بهم سواء وسط المنازل أو الشارع بعدد من المدن والأقاليم خلال هذا الأسبوع، آخرها جريمة قتل شاب لوالدته، بالهراويين ضواحي البيضاء، وتصفية ستيني لشقيقته الخمسينية بمراكش وكذا محاولة مختل عقليا طعن ضابط شرطة بالسلاح الأبيض بعد مباغتته من الخلف بالمدينة الحمراء، (سلطت) الضوء على تهديدات المرضى النفسيين والمضطربين عقليا. إنجاز : محمد بها أثارت اعتداءات المختلين عقليا النقاش حول أسباب تكرار ممارساتهم غير السوية التي تجاوزت حالة معزولة لتصبح شبه ظاهرة، تستدعي التحليل والتفاعل معها بحثا عن الأسباب والحلول لمحاصرتها، قبل أن تتطور إلى أفعال خطيرة، تثير الرعب والخوف في نفوس عائلاتهم وباقي المواطنين، جيرانا ومارة، وتقوض جهود علاج المريض نفسيا وإدماجه وسط المجتمع. "المهدي المنتظر" وطعن ضابط من الوقائع التي تكشف تداعيات التراخي في إيداع المختلين عقليا بمستشفيات الأمراض العقلية حماية لأنفسهم وللمحيطين بهم، وما يصاحبها من تداعيات سلبية على الأمن والنظام العامين، الأحداث المرعبة التي شهدتها برشيد وقلعة السراغنة في فبراير الماضي، بعد مهاجمة مختل لضابط وطعنه بالسلاح الأبيض، وصعود آخر منبر مسجد معلنا نفسه «المهدي المنتظر». وفي تفاصيل جرائم المختلين عقليا، شهد الحي الحسني ببرشيد، واقعة إجرامية خطيرة، تتمثل في مباغتة متشرد تظهر عليه علامات الخلل العقلي، ضابط شرطة كان يمارس مهامه بالمنطقة، قبل طعنه بالسلاح الأبيض. وكان المختل عقليا يتجول بالحي الحسني، قبل أن تنتابه حالة غير طبيعية، بادر إثرها إلى الاعتداء على الموظف الأمني بالضرب والجرح، في مشهد أرعب من عاينوا الواقعة. وأسفر الفعل الإجرامي عن إصابة الضابط بجروح متفاوتة الخطورة، ما استدعى نقل الضحية إلى المستشفى الإقليمي لبرشيد، لإخضاعه للعلاجات الضرورية. واستنفرت الواقعة المرعبة حينها، المصالح الأمنية بالمنطقة الإقليمية للأمن ببرشيد التابعة لولاية أمن سطات، التي حلت بمسرح الجريمة، وتمكنت من شل حركة المشتبه فيه، الذي كان يقوم بحركات غير طبيعية. وكشفت المعلومات الأولية للبحث حينها، أن الموقوف الذي تبدو عليه علامات التشرد، يعاني مرضا عقليا ونفسيا، ما جعله يقوم بحركات غير سوية، في ظل عدم إدراكه لعواقب أفعاله. وتقرر اقتياد المختل إلى مقر الشرطة، من أجل تعميق البحث معه لكشف ملابسات القضية وظروف وقوعها، في انتظار تعليمات النيابة العامة لنقله على متن سيارة إسعاف لإحالته على مستشفى الأمراض النفسية والعقلية ببرشيد، لإخضاعه للعلاجات الضرورية، بعد أن تبين أنه مختل عقليا وأن سلوكه الإجرامي ناجم عن حالته الصحية غير السوية. وبقلعة السراغنة، عاش المصلون بأحد المساجد بحي النخلة، لحظات عصيبة بعد مهاجمة فضاء العبادة، من قبل مختل عقليا أحدث فوضى كبيرة. وأحدث المختل رعبا في نفوس المصلين والإمام أثناء انشغالهم بأداء صلاة العصر، بعد أن اخترق وهو في حالة غير طبيعية الصفوف وصعد إلى منبر الخطبة وشرع في الصراخ، معلنا أنه المهدي المنتظر، ورفض المختل النزول، مواصلا التفوه بعبارات غير مفهومة. وأثار مشهد الهجوم وحالة منفذه والمضامين التي كان يتفوه بها، الفزع في نفوس المصلين وعمت الفوضى المكان، قبل أن يتدخل رواد المسجد لمحاصرة الشخص غير السوي، الذي كانت تظهر عليه علامات الخلل العقلي، لإخراجه وتجنبا لقيامه بأفعال خطيرة. وبالمدينة نفسها، اعترضت مختلة عقليا، سبيل ثلاث تلميذات بعد عودتهن من المدرسة، قبل أن تحكم قبضتها على الصغرى، التي لم تستطع الفرار لتقوم بجرها من شعرها إلى أن أسقطتها على الأرض. وفي مشهد مرعب أثار الذعر في نفوس المارة، شرعت المرأة المجنونة في رفس الضحية وتعنيفها بشكل وحشي في مناطق خطيرة من جسدها خاصة رأسها محاولة خنقها، إذ لولا سرعة تدخل أحد الأشخاص الذي كان يركض نحو المختلة، لانتهى السلوك العدواني بجريمة قتل، خاصة أن الطفلة لم تكن قادرة على الدفاع عن نفسها. ونجحت سرعة تدخل الرجل في تخليص الضحية من يد المختلة، التي حملت كيسها وواصلت سيرها إلى جهة مجهولة، وكأن شيئا لم يقع، كيف لا وهي فاقدة للأهلية والإدراك. اغتصاب طفل وقتله بـ"خربة" من الوقائع التي هزت الرأي العام الوطني، أواخر ماي الماضي، الجريمة المرعبة التي شهدها دوار أولاد الغازي جماعة أولاد يعكوب بإقليم قلعة السراغنة، والمتمثلة في قتل طفل لا يتجاوز عمره 4 سنوات بعد اغتصابه بمكان مهجور من قبل مختل عقليا، إذ تم الإجهاز عليه من قبل الجاني الذي اختطفه. وانخرطت عائلة الضحية وسكان الدوار في رحلة البحث عنه بعدما شرعت والدته في الصراخ، إثر تأخره غير المعهود عن العودة من أداء الصلاة بفضاء العبادة، الذي كان يتردد عليه لوحده رغم صغر سنه. ولتسهيل عملية إيجاد الطفل الذي اختفى عن الأنظار مباشرة بعد العصر في ظروف غامضة، تم إطلاق نداء اختفاء طفل عبر مكبر صوت مسجد الدوار، وهي المجهودات التي توجت بالعثور على الضحية في مساء اليوم ذاته، جثة بمنزل مهجور «خربة» قريب من مكان الاختفاء وآثار ممارسات جنسية شاذة على جسد الهالك. واستنفرت وقائع الجريمة المرعبة التي ذهب ضحيتها طفل بريء بعد اغتصابه، السلطات المحلية ومختلف عناصر الدرك الملكي بسرية قلعة السراغنة، إذ حلت بمسرح الجريمة عناصر الضابطة القضائية، مستعينة بالشرطة العلمية والتقنية التابعة لمختبر الأبحاث العلمية للدرك الملكي، إذ تم القيام بمعاينة مسرح الجريمة، وباشرت تحرياتها وأبحاثها الميدانية لاستجماع كل ما من شأنه أن يفيد في البحث والتحقيق. وتمكنت عناصر الدرك الملكي من إيقاف أربعيني يعاني اضطرابات نفسية وعقلية، للاشتباه في تورطه في جريمتي الاعتداء الجنسي والقتل اللتين ذهب ضحيتهما الطفل. وتم إيقاف المشتبه فيه الذي تظهر عليه علامات خلل عقلي، بمكان قرب مسرح الجريمة، ليتقرر اقتياده للتحقيق معه لكشف ملابسات القضية وظروف وقوعها، والتأكد إذا كان فعلا الفاعل الحقيقي، في ظل قيامه بممارسات غير سوية تجاه سكان الدوار. وكشفت التحقيقات المجراة حينها، أن الموقوف معروف بعدوانيته، إذ كان يهدد نساء الدوار بتصرفاته المرعبة، دون أن يتم إبلاغ السلطات المحلية لإيقافه ونقله إما للمستشفى لإخضاعه للعلاجات الضرورية، أو إشعار مصالح الدرك الملكي لاعتقاله وإحالته على الجهات المختصة، تفاديا لخطورة سلوكاته التي ذهب ضحيتها طفل بريء. إغراق الضواحــــــــــــــــــــــــــي... حل كارثي من الأمور التي تكشف المخاطر المرتبطة بالمختلين عقليا، إشكالية فئة تجوب شوارع المدن، والذين قد يشكلون خطرا على أمن وسلامة وحياة الأشخاص، نتيجة لتقاذف السلطات المحلية والمنتخبين والمصالح الأمنية، مسؤولية العناية بهذه الفئة وحماية الناس من تهديداتها، رغبة كل طرف في تفادي «صداع الراس». ولعل مشاهد لجوء عدد من المدن الكبرى إلى التخلص منهم ورميهم بالضواحي والمدن الصغيرة، يكشف حقيقة ما يجعل اسم عدد من الأقاليم مرتبطا بفئة «المجانين»، الأمر الذي ينتج عنه تضييق على تحركات المواطنين وكذا الزوار والسياح، كما هو الحال بالنسبة إلى قلعة السراغنة وتزنيت وشيشاوة وبنكرير والرشيدية وقصبة تادلة وبني ملال، التي أصبحت حاضنة لأكبر عدد من المختلين المتجولين بالشارع العام، وما يعنيه ذلك من تأثير سلبي على مجهودات تشجيع السياحة والنهوض بها وكذا أوراش الإصلاح والتأهيل التي يشهدها المغرب خلال السنوات الأخيرة ونسف لصورة المملكة التي تعد العدة لإنجاح العرس الكروي «مونديال 2030». ويكشف هذا النوع من الحلول المؤقتة وغير المحسوبة العواقب، عجز السلطات الترابية والمنتخبة والحكومة عن توفير مستشفيات ومراكز للعلاج تتضمن طاقات استيعابية، تستجيب لطلبات أسر وعائلات تعاني ويلات واقع خطير عنوانه «في بيتنا مجنون». مسؤولية الدولة ثابتة قال محمد الحلاكي، محام بهيأة آسفي، إن جرائم المختلين عقليا الذين يجوبون شوارع المدن والأقاليم والمداشر، أصبحت ظاهرة مجتمعية بامتياز، مشددا على أنه يجب التفريق بين المختل عقليا المنتشر بكثرة في الشارع العام ويهدد حياة المواطنين، حيث لا يمكن توقع ردود أفعالهم التي تكون خطيرة، والنوع الثاني يتعلق بأصحاب العاهات النفسية التي تعاني نقصا في الاهتمام وأعراض نفسية، إلا أنهما يشتركان في المس بسلامة وحياة الأشخاص، سواء تعلق الأمر بأسرهم أو باقي المواطنين، جيرانا أو مارة. وكشف الحلاكي، في تصريح لـ»الصباح»، أن الحديث عن مسؤولية الدولة في الجرائم التي يرتكبها المختلون عقليا، نجدها منصوص عليها في القانون، مضيفا أنه بالرجوع إلى الفصل 134 من القانون الجنائي، فإنه ينص في فقرته الأولى على أنه: «لا يكون مسؤولا، ويجب الحكم بإعفائه، من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه، في حالة يستحيل عليه معها الإدراك أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية». وأضاف المتحدث نفسه «الفصل 134 من القانون الجنائي يتحدث عن حالات الخلل العقلي، والقضاء كان واضحا في تحميل المسؤولية للدولة، لأنها ملزمة بتوفير مستشفيات ومراكز لإيواء المختلين عقليا الذين يحملون حياة المواطنين للخطر، وهناك عدد من الأحكام التي أصدرها القضاء الإداري بالبيضاء ومراكش حملت فيها المسؤولية للدولة على الاعتداءات الجسدية التي يتعرض لها المواطنون بالشارع العام على يد مختلين ومضطربين نفسيا، ومعلوم أن القضاء ينصف الضحايا ويعطيهم الحق في المطالبة بالتعويض من السلطات المحلية ومن الدولة المغربية». وكشف المحامي الحلاكي أن المحاكم المختصة في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج عن اعتداء بالشارع العام، من قبل المختلين عقليا، هي المحاكم الإدارية، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الأحكام الإدارية عوضت أشخاصا تعرضوا للاعتداء بالشارع العام، من قبل مجانين وحكمت لهم بتعويضات مهمة. وسلط المحامي بهيأة آسفي، الضوء على وجود ظهير شريف رقم 1.58.295 الذي صدر في 4 أكتوبر 1959 يحمل بدوره المسؤولية للسلطات المحلية والجماعات عن الجرائم التي يرتكبها المختلون عقليا في حق المواطنين، باعتبارها مسؤولة عن السكينة العامة وضمان الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها، لأنها ملزمة بتوفير مستشفيات وفضاءات إيداع المختلين عقليا». وشدد رجل القانون على ضرورة وضع سياسات وبرامج حكومية تواكب المختلين عقليا لأنها ظاهرة تؤرق المجتمع ما يستدعي ضرورة إنشاء وتوفير فضاءات لإيداع هذه الفئة، مشيرا إلى أن العاصمة الاقتصادية سباقة إلى تفعيل هذه المبادرة بعد أن تم تخصيص وعاء عقاري لإحداث مستشفيات ومراكز مختصة ستخصص لها ميزانية تقدر بالملايير للحد من ظاهرة انتشار المرضى النفسيين في الشارع العام ومخاطرهم التي تتربص بمختلف فئات المجتمع».

المختلون عقليا… خطر متنقل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

8 سنوات لمزور عقود عقارات

"الذي يأتي ولا يأتي"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات