الحج… قصص عائدين من الموت

حجاج عانوا ظروفا قاسية خلال أداء المناسك بسبب الحرارة المفرطة والاكتظاظ وسوء التنظيم كانت عودة غير عادية لحجاج إلى أرض الوطن، عصر الجمعة الماضي، فحج هذه السنة وصف بالاستثنائي وربما الأصعب منذ عقود. لحظة نزولهم من الطائرة، امتزجت مشاعرهم بين فرحة العودة سالمين، والإنهاك الشديد، وما عانوه من ظروف وصفت بالقاسية أثناء أداء مناسك الحج. هذه المشاعر المتناقضة للحجاج سرعان ما تبددت مع حسن الاستقبال وتسريع جميع الإجراءات، واختفت نهائيا بعد استقبالهم من قبل حشد كبير من المواطنين بالزغاريد و»تعشاق على النبي». إنجاز : مصطفى لطفي – تصوير (أحمد جرفي) أغلب الحجاج من كلا الجنسين الذين التقتهم «الصباح»، أبدوا تذمرا كبيرا من سوء الخدمات والظروف الصعبة التي عانوها خلال أداء مناسك الحج، رغم أن منهم من سدد تكاليف تصل إلى 17 مليونا، إذ تشعر من حديثهم أن السلطات السعودية فقدت السيطرة على الوضع بسبب الحضور الكبير للحجاج من جميع بقاع العالم، والذي تجاوز حسب روايات ثلاثة ملايين حاج، إلا أن المشاهد التي أثرت فيهم كثيرا، جثث مختلى عنها أمام مطارح الأزبال، إذ كان مشهدا حسب قولهم غير متوقع. استقبال خاص كان الوضع غير عاد بالمحطة 3 بالمطار الدولي محمد الخامس، عصر الجمعة الماضي. أمام البوابة الخارجية للمحطة تجمع العشرات من المواطنين محملين بباقات زهور وهدايا وحليب وتمر، يترقبون بشغف عودة أقاربهم الحجاج، وداخل المحطة، عم استنفار غير مسبوق لرجال الدرك وموظفي المطار ومصالح الأمن، ومع اقتراب وقت وصول الطائرة يزداد الضغط أكثر، من أجل ضمان استقبال مريح للحجاج وتفادي أي اكتظاظ أو فوضى، سيما أن الأخبار القادمة من مكة تتحدث عن معاناتهم أياما عصيبة. قبل نزول الطائرة بساعة، تولى موظفو المطار وضع جميع الترتيبات لاستقبال الحجاج، تم الرهان فيها على ضمان مرور سلس ومريح، في حين انتشر رجال الدرك بالمدرج الذي ستتوقف فيه الطائرة، ينفذون تعليمات قائد السرية بالمطار، لضمان أمن كل الفضاءات المجاورة للمدرج خوفا من مرور عربة صدفة أو تسلل غرباء ما قد يشكل خطرا على الطائرة وهي في طريقها إلى محطتها الأخيرة. بعد نصف ساعة، ظهرت الطائرة وهي تقترب من المدرج رويدا رويدا، أثار عدم حملها أي شعار أو علامة فضول بعض الحضور، قبل أن يأتي الجواب أنها مستأجرة من شركة عالمية للطيران بسبب الإقبال الكبير على الحج هذه السنة. تولى تقني التواصل مع ربان الطائرة بإشرات خاصة لركنها بطريقة سليمة، قبل أن تتسابق عربتان تحملان مدرجين إلى بابي الطائرة، وبعد دقائق شرع الحجاج في مغادرتها بخطى متثاقلة، كأنهم يعانون الإنهاك الشديد. غضبة على المدرج مشى الحجاج نساء ورجالا على أرضية المدرج بخطى متثاقلة، وأثارت حاجة شابة أفراد الدرك، المسموح لهم وحدهم بالوجود في هذا المكان الحساس أمنيا، إذ كانت تتنقل بصعوبة وعلى عكازين. طلبوا منها التوقف إلى حين إحضار عربة خاصة لنقلها إلى الداخل. حاول بعض الحجاج توزيع ابتسامتهم على وسائل الإعلام في رسالة أن الأمور بخير، إلا أن غضبة حاج شاب، في الأربعينات من العمر، كشفت أنهم كانوا تحت ضغط نفسي رهيب، إذ هاجم وسائل الإعلام، بما فيها قناة عمومية، على تصويره، قبل أن يتلقى ردا أعاد له هدوءه، وهو أن تصويرهم هو فرحة بعودتهم سالمين. بمجرد أن ولج الحجاج بهو الاستقبال تلاشت الابتسامة، وبدت على العديد منهم نرفزة وغضب، حاول بعضهم تبريرها أنهم عانوا كثيرا في رحلة العودة، إذ ظلوا لساعات طويلة بمطار بالسعودية دون نوم، قبل أن يستقلوا الطائرة في رحلة تتجاوز سبع ساعات إلى مطار البيضاء. بلغ الاحتقان ذروته خلال مباشرة إجراءات الاستقبال من قبل موظفي المطار، إذ فقد حاج السيطرة على نفسه وشرع في انتقاد موظف شاب بشدة لأنه طلب منه التريث قبل الانتقال إلى قاعة ثانية، قبل أن تتدخل موظفة، وتنجح في امتصاص غضبه، ففسح المجال للجميع للمرور إلى مصلحة مراقبة جوازات السفر، حيث تمت العملية بيسر وسلاسة استحسنها الجميع. "والله ما نسمح ليهم" داخل بهو المطار، استعاد الحجاج أنفاسهم بعد رحلة طويلة وشاقة، ما فسح المجال لعدد منهم بسرد بكل عفوية وتلقائية، ما عاشوه من صعوبات في الحج. الحاجة فاطنة، في الستينات من العمر، شددت على أنهم أدوا مناسك الحج في درجة حرارة غير مسبوقة، إضافة إلى أن المؤطرين طلبوا من جميع أفواج الحجاج أداء مناسك الحج في وقت واحد، ما تسبب في اكتظاظ غير عاد، فقد فيه من لم يتحمله حياته. بالقرب من الحاجة فاطنة، بدا على حاج يرتدي جلابة فاخرة، ما يكشف أنه ميسور الحال، توتر ونرفزة غير عادية، رغم محاولات زوجته تهدئته. تشعر كأن في قلبه غصة كبيرة على أمر لم يرقه في الحج. وفعلا بمجرد الاقتراب منه، انفجر غاضبا بالقول إنه سبق أن حج في مناسبة سابقة إلا أن حج هذه السنة يبقى استثناء ووصمة عار. وبانفعال كبير واصل الحاج حديثه، أن ما عاشوه خلال مناسك الحج يسيء لكرامة الإنسان، فالأزبال والأوساخ منتشرة في كل جانب، إذ لم يتقبل أن يكون المكان الأكثر قدسية في العالم غارقا بالأزبال بهذه الطريقة، إلى درجة أن حجاجا ناموا وسطها في مشاهد صادمة، والأكثر فظاعة، حسب قوله، مشاهد الجثث المتخلى عنها بجانب الحاويات. كما تحدث عن ظروف الإيواء، التي قال إنها مهينة لحجاج بيت الله الحرام، ولم تستثن من استعان بوكالة أسفار مع «حجاج الدولة»، لدرجة أنه يتم تكديسهم في مساحة صغيرة، مع رداءة جودة المكيفات، إذ شدد على أن بعضها وبدل أن تنعش الحجاج بالهواء البارد، تطاير عليهم غبار مجهول المصدر وساخن، قبل أن يختم حديثه بعبارة «ما كاين غير الوسخ.. الوسخ .. الوسخ»، مطلقا صرخة غير متوقعة « أنا والله ما نسمح ليهم دنيا ولا دين». "خطاف" بالحج «صعيب !!.. صعيب !!» بهذه العبارة، عبر الحاج أحمد عن تجربته هذه السنة، إذ عانى الأمرين رفقة شقيقته، رغم أنهما سددا 17 مليونا لكل واحد منهما لوكالة للأسفار. بدا على المتحدث غضب عارم، ليس فقط بفعل الظروف الصعبة للحج، ولكن معاناته رفقة حجاج مغاربة، حسب قوله، بسبب تعاملات اعتبرها عنصرية بأقدس مكان في العالم. تحدث الحاج أحمد عن إكراهات عديدة عاشها وشقيقته، رغم استنجادهما بمشرفين تابعين لوكالة الأسفار، الذين وجدوا أنفسهم في ورطة بسبب عدم التزام السلطات السعودية بتوفير بعض الخدمات. يتذكر أحمد أنه بعد رمي الجمرات كان عليه العودة رفقة شقيقته إلى منطقة أخرى، فلم يجد وسيلة للنقل، رغم أنه عرض ألف درهم على سائق سيارة أجرة، فاضطر في النهاية إلى الاستعانة بـ»خطاف» يملك دراجة نارية، إذ أقلته وشقيقته مقابل مبلغ مالي مهم، إذ تحملت الدراجة ثقل ثلاثتهم خلال قطعها مسافة طويلة إلى أن بلغوا وجهتهم. يتذكر أحمد ظروف المبيت في مزدلفة، حيث تسلموا أغطية خاصة من قبل السلطات، وخلال النوم تزاحم الآلاف في ما بينهم في عبارة وصفها « باش تلقى بلاصة خاصك تحط راسك على راس لي حداك». حفاوة مغربية رغم هذه المعاناة الصعبة التي عاناها الحجاج المغاربة، إلا أن ظروف الاستقبال وسلاسة الإجراءات، خففت من غضبهم، إذ خلال عملية تسلم حقائبهم، بدا عليهم انشراح كبير جدا واستعادت وجوههم ابتسامتها المفقودة، إلا أن فرحتهم ستزداد عندما غادروا المطار، ليفاجؤوا بحشد كبير من المواطنين، يستقبلونهم بالزغاريد و»التعشاق على النبي» أنستهم ما عاشوه من ويلات. مبادرة كانت تلقائية من قبل الحضور، إذ بدل أن تخصص كل عائلة استقبالا خاصا لكل فرد منها عائد من الحج، طالت التحايا وحفاوة الاستقبال الجميع، إلى درجة أن بعض الحجاج كادوا أن يذرفوا الدموع من شدة الفرحة، كأنها عزاء ومواساة عن رحلتهم القاسية. ضربات الشمس القاتلة في خضم الغضب العارم للحجاج داخل المطار، قدم عمر (اسم مستعار) في الخمسينات من العمر، بدا أنه في حالة صحية جيدة، تفسيرا منطقيا لما حدث، وكيف انفلتت أمور المسؤولين عن التنظيم، ما تسبب في فواجع واحتقان كبير. بداية تحدث عمر عن درجة حرارة غير متوقعة، إذ عانى جميع الحجاج ضربات شمس «قاسية» تشعر معها كأنها ستفقدك الوعي، إلى درجة أنه عاين مشاهد حجاج، سيما كبار السن يتساقطون بين موتى ومغمى عليهم بسبب ضربات الشمس القاتلة، سيما من أغفل جلب الماء معه. أكثر المعاناة حسب عمر، أن تحت هذه الشمس الحارقة، أدى أغلب الحجاج المناسك مشيا وقطعوا مسافات طويلة تتجاوز عشرات الكيلومترات، بسبب غياب وسائل النقل، التي تعطلت بفعل الاكتظاظ غير المسبوق للحجاج هذه السنة، ما جعله رفقة حجاج من فوجه، يخوضون رحلة شاقة لأزيد من 10 ساعات، إذ انطلقوا من المدينة المنورة في الرابعة صباحا، ووصلوا إلى مكة في حدود الثانية زوالا. واصل عمر توضيحاته، بأن المسجد الحرام يبعد عن منى بستة كيلومترات تقريبا، وعن مزدلفة بـ10 كيلومترات، وجبل عرفات بعشرين كيلومترا، وبالتالي فإن هذه المسافة، يؤكد عمر، قطعها أغلب الحجاج مشيا وتحت أشعة الشمس الحارقة، لذا فارق العديد منهم الحياة لغياب وسائل النقل. https://www.youtube.com/watch?v=GJlg66_tk34

الحج… قصص عائدين من الموت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ملايير إماراتية لخطف عموتة من الوداد

الصقلي تنعي شقيقها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات