السيـارات المهجـورة… القنبلـة الموقوتـة

المساطر المعقدة لحجزها واكتظاظ المحاجز ولدت انعدام الثقة بين البيضاويين والسلطات بعدد من الأحياء البيضاوية، ركنت سيارات في أماكن خاصة، وهجرت إلى الأبد من قبل مالكيها. بعضها يحمل ترقيما مغربيا وأخرى أجنبيا. إلى جانب تشويهها لجمالية المدينة، سيما بعد تعرضها لإهمال تام وسلب لتجهيزاتها. تطرح السيارات المهملة إشكالات عديدة، أولها، السر وراء تخلي مالكها عنها، ما يجعل الجميع يشير دون دليل إلى أنها استغلت في جريمة ما، ثانيا، المساطر المتبعة لقطرها إلى المحجز البلدي، إذ غالبا ما تواجه العملية بعدم وجود مكان شاغر لها، ما يحرم الجماعة مداخيل من مالية مهمة. إنجاز: مصطفى لطفي /تصوير (أحمد جرفي) تسببت السيارات المهجورة في احتقان كبير بين السلطة والمواطنين، إذ رغم الشكايات التي تدعو إلى سحبها من الأحياء والشوارع، فإنها تظل رهينة الرفوف إلى وقت لاحق، وفي الوقت الذي يعتبر فيه المواطنون ذلك تقصيرا، يؤكد مسؤولون أن هناك إشكالات تتجاوز الجميع. ورطة حارس ليلي بمنطقة حي السلامة بالبيضاء، يشعر العربي (اسم مستعار)، وهو حارس ليلي بغصة بعد أن صار ملزما بحراسة ثلاث سيارات مهملة دون مقابل. رغم أنه يعلم هوية أصحابها، إلا أنه فشل في الاتصال بهم بكل الطرق لإقناعهم بسحبها من الحي الذي يتولى حراسته ليلا، إذ اتضح أنهم اختفوا عن الأنظار، وغادروا المنطقة دون عودة. وما زاد الطين البلة، أنه يتلقى اللوم من قبل سكان الحي، عندما يفشلون في العثور على مكان لركن سياراتهم ويحملونه المسؤولية، لأنه لو نجح في إزاحة السيارات الثلاث، لضمنوا أماكن جديدة لركن سياراتهم، سيما أن سيارة مهملة تستغل مساحة كبيرة بعد أن ركنت من قبل صاحبها بطريقة عشوائية. اشتكى العربي لمسؤولي السلطة المحلية والأمن دون جدوى، وعند إلحاحه على الأمر تقدم له وعود بتسوية الأمر مستقبلا، قبل أن يكتشف أن الوعود المقدمة له مجرد مسكنات لألم يفطر قلبه، ومحاولة لربح الوقت من قبل المسؤولين. إحدى السيارات المهجورة تحمل ترقيما أجنبيا، استأذنه صاحبها بركنها لمدة لن تزيد عن يومين إلى حين تجهيز "كراج" لها، فاختفى نهائيا، والآن مرت سنوات عديدة، والسيارة والحارس الليلي معا يترقبان ظهور المالك من عدمه. اضطر العربي للاستنجاد بمواقع إخبارية لعرض شكواه ومناشدة المسؤولين بالتدخل، وفعلا أعطت العملية أكلها في البداية، إذ تم فتح بحث حول السيارات المعنية، واستفساره عن أصحابها وتاريخ ركنها، وبعدها ظل الوضع كما هو إلى الآن. سيارات مشبوهة تثير مشاهد السيارات المهجورة إحساسا بالخوف، فالإهمال والتخريب اللذان طالاها يوحيان أنها شاركت في جريمة ما، وأن المنفذين تخلصوا منها بشكل متعمد لطمس أي دليل يقودهم إلى تحديد هوياتهم. إحساس وإن كان مبالغا فيه ، ما دامت هناك أسباب أخرى غير الجريمة وراء التخلي عن السيارات بتلك الطريقة، فإنه يعبر عن هاجس الخوف والتشكيك المهيمن على عقلية المواطنين، والنتيجة نسج روايات عنها قد تكون من وحي الخيال أحيانا. لكن هذا لا ينفي أن السيارات المهجورة تحرض على ارتكاب الجريمة، تكون هي نفسها أول ضحاياها، إذ غالبا ما تتعرض تجهيزاتها للسلب، سيما القيمة منها، قبل أن تتحول إلى أوكار للجانحين، تستهلك داخلها جميع أنواع المخدرات وشرب الخمور، كما تستغل في علاقات جنسية مشبوهة، بعد شراء ذمم حراس ليليين لالتزام الصمت، كما تتحول إلى مقر للتخطيط لجرائم، سواء اعتراض سبيل أو استهداف منازل ومحلات تجارية. لمناسبات تشن السلطات الأمنية حملات ضد السيارات المهجورة لتحريرها من الجانحين وقطرها إلى المحجز البلدي، إلا أن هذه الحملات توقفت منذ فترة طويلة والسبب الاكتظاظ الكبير الذي تعيشه المحاجز البلدية بالبيضاء، في انتظار أن يبتكر مسؤولو الشأن المحلي حلا عمليا مستقبلا لتصحيح هذا الخلل. إشكال أمني أكبر المتضررين من انتشار السيارات المهجورة بعدد من الأحياء، مصالح الأمن، فبمجرد توصلها بإشعار من مخبرين أو حراس ليليين أو شكايات مواطنين، أو لمناسبات، تتم مصادفتها بالشوارع خلال حملات أمنية والشك فيها، تكون ملزمة بفتح بحث حولها، يبدأ بإشعار رئيس الدائرة الأمنية التي توجد السيارة في مناطق نفوذه، من أجل الانتقال إلى مكان وجودها، وتنقيطها وتحديد هوية مالكها، ثم إجراء معاينة لها وتحرير ذلك في محضر خاص، ليبدأ الشق الثاني من العملية وهو فتح بحث للتأكد إن استغلت في جريمة، سواء من مالكها أو من قبل جهات سرقتها وتخلت عنها بعد تنفيذها. وكشف مصدر أن أكبر العراقيل التي تصادف مهام الأمن في التعامل مع السيارات المهجورة، امتلاء المحاجز البلدية بالبيضاء والضواحي بسبب قلتها، إذ بعد إجراء المعاينة عليها وتنقيطها، يمنع القانون منعا قاطعا قطرها إلى أي دائرة أمنية، بل تكون الوجهة مباشرة إلى محجز بلدي. وبحكم الاكتظاظ الذي تشهده المحاجز بالبيضاء، يجد الأمنيون أنفسهم ملزمين بترك الوضع كما هو عليه إلى أجل غير محدد، اللهم إن ثبت فعلا أن السيارة المتخلى عنها استعملت فعلا في جريمة معينة، وقتها فالمسؤول الأمني يسارع إلى تحريك المسطرة ومباشرة بحث وقطرها صوب المحجز. مداخيل في مهب الريح لا يخلو حي بالبيضاء من سيارة متخلى عنها على الأقل، سيما بالأحياء الشعبية، إذ يكفي القيام بجولة بمناطق سيدي مومن والبرنوصي ومولاي رشيد، وغيرها لتصادف على الأقل سيارة مهملة، بعد أن تخلى عنها مالكها. اختصاص قطر السيارات المهملة يعود إلى الجماعات المحلية، إذ خول القانون التنظيمي 113.14، المتعلق بالجماعات، رؤساء المجالس الجماعية بصفتهم ضباطا للشرطة الإدارية، صلاحية اتخاذ التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها ورفع معرقلات السير عنها وتنظيم السير والجولان والوقوف بها، وأيضا إزالة كل الشوائب التي تضر بالسكينة العمومية. ورغم هذا الاختصاص الصريح، إلا أن ممارسته من قبل رؤساء الجماعات، متوقف على شرط وهو التنسيق مع السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، التي تسند إليها مهمة نقل السيارات المهملة إلى المحجز البلدي. وإذا كانت بعض المدن فعل فيها رؤساء جماعتها هذا الفصل، كما حدث في العيون، الصيف الماضي، عندما عممت جماعتها بلاغا تطالب فيه كل مالك لسيارة متخلى عنها بسحبها بصفة استعجالية من الأحياء والشوارع، تحت التهديد بقطرها وفرض ذعائر وغرامات على مالكها، محددة أجل أسبوع، إلا أن مثل هذا الإجراء ما زال يترقبه سكان البيضاء... وعزا مستشار جماعي بالبيضاء رفض الكشف عن اسمه، الأمر إلى أن المدن الصغرى نجحت في ضمان محاجز بمساحات كبيرة، لهذا لا يتردد مسؤولوها في تطهير المدينة من العربات المتخلى عنها كلما دعت الضرورة إلى ذلك، كما أنهم ينعشون مالية جماعتهم بمداخيل جديدة عبر فرض الغرامات وتكلفة وضع العربات في المحجز. أما بالبيضاء، فيؤكد المستشار، أن الأمور تزداد تعقيدا بعد إغلاق محجز الحي الحسني بصفة نهائية وتعويضه بآخر بمنطقة أولاد عزوز، إذ صار هذا المحجز إضافة إلى محاجز أخرى غير قادر على استيعاب المزيد من العربات من مختلف الأنواع، كما يلاحظ أن الدراجات النارية وثلاثية العجلات "تريبورتورات" تحتل النسبة الأكبر من مساحة هذه المحاجز. إلى جانب الاكتظاظ، يجد مسؤولو البيضاء صعوبة كبيرة في بيع السيارات المحجوزة في المزاد العلني، وتفعيل هذه المسطرة، بعد أن تخلى عنها أصحابها نهائيا، لضمان مداخيل مالية وفي الوقت نفسه التخفيف من الاكتظاظ وضمان مساحات جديدة، بحكم أن أي تطبيق غير سليم لمسطرة بيع السيارات والدراجات المحجوزة في المزاد العلني قد يكلفهم متابعات قضائية، هم في غنى عنها.

السيـارات المهجـورة… القنبلـة الموقوتـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أزراغيد‭ ‬يقدم‭ "‬كأني‭ ‬ذاهب‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭"‬

سياقات‭ ‬ورطة‭ ‬وهبي‭ ‬في‭ ‬التفوه‭ ‬بكلام‭ ‬ناب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات