ضحايا قروض الاستهلاك في رمضان

مؤسسات للقروض الصغرى تستغل غياب الرقابة وتثقل كواهلهم بفوائد كبيرة وأقساط يعجزون عن تسديدها تشكل مؤسسات القروض الصغرى، ملاذ قليلي الدخل ومتوسطيه، يستنجدون بها للحصول على قروض لتمويل استهلاكهم في رمضان، بديلا عن البنوك غير المتوفرة فيها شروط الاقتراض منها. يتدبرون أمورهم في شهر، ويؤدون ثمن ذلك شهورا تثقل كاهلهم فيها أقساط وفوائد تزيد من معاناتهم وتعوص مشاكلهم المتنوعة. وتشجع شروط الحصول على قرض استهلاك من تلك المؤسسات، الفقراء ممن يجدون صعوبة في الولوج للنظام المصرفي التقليدي، على الإقبال عليها عن جهل أحيانا بتبعات ذلك وبارتفاع نسبة الفائدة وتتجاوز أحيانا 21 في المائة بالنسبة إلـى سلفات طويلة الأجل، وحتى قصيرتها ترتفع فيها الأقساط الشهرية في مدة أداء لا تتجاوز السنة. إنجاز: حميد الأبيض (فاس) الإفراط في الإنفاق يكثر الإقبال على مؤسسات القروض سيما في المناسبات الدينية بما فيها شهر رمضان وكلما زاد الإنفاق الأسري ومصاريفه العاجزة كثير الأسر عن تدبرها، تلجأ لاقتراض مبالغ مختلفة لا تتجاوز 5 ملايين سنتيم وتخضع قيمتها إلى سبقية تعامل الزبون مع المؤسسة الصغرى المقرضة واحترامه للعقد وتسديد الأقساط بانتظام ودرجة احترامه لآجالها. يبدو الاقتراض من مؤسسات القروض الصغرى على اختلافها، سهلا ويسيرا مقارنة مع شروط البنوك. ويكفي التقدم لفرعها والمصادقة على وثائق والتزامات، والإدلاء بما يفيد وجود مدخول أو فتح باب المنزل في وجه موظف للاطلاع على ما بها مما يمكن أن يحجز، ليؤشر على القرض قبل استلامه وإنفاقه في هذا الشهر وغيره. وتلجأ بعض الفروع لإلزام المقترض بوضع شيكات بنكية بنفس عدد الشهور المطلوب تسديد أقساط القرض خلالها، رهن إشارتها، يحتفظ بها ضمانة سيما أمام صعوبة وطول مساطر التقاضي في حالة العجز عن الأداء أو التملص من ذلك بسوء نية أو دونها، في حالات قد يكون موظف وكالة المؤسسة ضحية بمتابعته قضائيا. ما لا يعيه المقترض لتدبر تكاليف إنفاق أسرته في شهر رمضان، تبعات الحصول على القرض والشروع في أداء أقساطه ابتداء من الشهر الموالي ودون إمهاله مدة كافية "يتنفس" فيها ويتدبر أمره، ما يكون سببا في عجز الكثير عن الأداء من أول شهر، وقد يلجؤون إلى الاقتراض بطريقة أخرى أو تتراكم عليهم الأقساط تدريجيا. ضحايا الفوائد الفاحشة ينخدع زبناء هذه المؤسسات بعروضها المغرية دون الانتباه للفوائد المطبقة التي عادة ما تكون سببا في العجز عن التسديد وكل المشاكل الاجتماعية لنسبة كبيرة من المستفيدين من خدماتها المالية، بعضهم وجد نفسه في السجن لعجزه عن تسديد قيمة شيكات وضعها رهن إشارة فرع المؤسسة، ضمانة رغم عقاب القانون على ذلك. ويستغل بعضها غياب رقابة البنك المركزي على معاملاتها ونسب الفوائد المفروضة، لتفرض أمرا واقعا في غفلة أو تغافل من الجميع، ما يفتح المجال لفوضى تترعرع وتجني بسببها مؤسسات أرباحا خيالية على حساب فئات هشة محتاجة لقروض وسلفات شخصية استهلاكية، بعدما فرض عليها رمضان كما الأعياد، مصاريف لا قدرة لها عليها. وبذلك أصبح الاقتراض الصغير دملا يصعب استئصاله سيما بالنسبة إلى الذين يعجزون عن الأداء لفرط الاستدانة أو قلة المدخول أو لنسبة الفائدة المرتفعة، ما تسبب في سجن الكثير من المدينين لها بمبالغ مختلفة وفي مناطق مختلفة، بل وصل إلى حد الاحتجاج من ضحايا لم تسمع أصواتهم طالما أنهم تعهدوا في عقد بما لم يلتزموا به. وأمام هذا الوضع ارتفعت الأصوات المنادية بمراجعة تلك الفوائد لإتاحة الفرصة لأشخاص محتاجين ممن يوجهون سلفات استفادوا منها للاستهلاك بدل الاستثمار ويشكلون نسبة مهمة بين زبناء مؤسسات تغلب مصلحتها وتراكم أرباحا هائلة من ضحايا تجبرهم وظروفهم على أداء معدلات فائدة تفوق قدرتهم على السداد الشهري. أسر تحت رحمة الأقساط تحكي لمياء الأم لطفلين تتدبر عيشها من عملها منظفة بمقهى، كيف دخلت دوامة من المعاناة قبل سنة بعدما اقترضت 5 آلاف درهم من مؤسسة للقروض الصغرى، لتفي بحاجيات أسرتها بعدما هجرها الزوج لوجهة لا يعلمها غيره. تعهدت بأداء المبلغ وأقساطه ونسبة فائدته في 6 أشهر، لكنها عجزت عن ذلك من أول شهر. لم تؤد الأقساط خلال 3 أشهر متتالية، قبل أن تقبل مكرهة ببيع ثلاجة وجهاز تلفاز، لتسديدها وكل الباقي خوفا من متابعتها والزج بها في السجن. وتؤكد أنها لن تعاود الكرة ولو جاعت أو حتى ماتت من الجوع بعدما كلفها الاقتراض شهورا من المشاكل وأكثر من 1200 درهم مصاريف فائدة وغرامات أدتها عن تأخر الأداء. كثيرون أمثال لمياء يبحثون عن حلول لارتفاع تكاليف الإنفاق في شهر رمضان، من خلال الاقتراض من مؤسسات القروض الصغرى، ويؤدون ثمن جهلهم بتبعات ذلك، من جيوبهم وراحتهم واستقرارهم الأسري بعدما وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع فوائد مغالى فيها وأقساط شهرية أكبر من إمكانياتهم البسيطة. وما يزيد الوضع قتامة وضبابية بالنسبة إلى طالبي السلفات قصيرة الأجل ارتفاع القسط الشهري وقصر مدة التسديد التي تتراوح عادة بين 10 أشهر و12 شهرا، ما يجعل الكثير منهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم في عقود وقعوها دون اطلاع أو عن جهل أحيانا، في لحظة يسيطر فيها الحصول على القرض وحل مشكل الإنفاق، على تفكيرهم. الحاجة لنظام اقتراض عمومي بفائدة معقولة مجراوة أكد عدم تكافؤ العلاقة بين المستهلك والمؤسسة المقرضة وعدم احترام العقود لشروط الرضا قال زكرياء مجراوة، نائب رئيس الهيأة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، إن الإقبال المتزايد على القروض الصغرى لتمويل مصاريف شهر رمضان المضاعفة، تفرضه عوامل مختلفة لها صلة بظروف المقترضين وحاجياتهم. وتحدث عن عدم تكافؤ العلاقة بين المستهلك والمؤسسة المقرضة، وعدم احترام العقود لشروط الرضا، مقترحا مجموعة من الإجراءات التي بإمكانها إصلاح معاملات القروض. تلجأ الأسر قليلة الدخل للاقتراض من مؤسسات القروض الصغرى لتمويل مصاريف شهر رمضان، فما هي بنظرك الظروف والأسباب؟ > هناك ارتفاع في استهلاك المغاربة خلال هذا الشهر الكريم، ما تؤكده استعدادات الحكومة قبل أسابيع من حلوله، إذ بات من العادة أن تطمئن المواطنين بشأن تموين الأسواق بالمنتجات الغذائية، كما يؤكده أيضا ارتفاع أسعار مواد بسبب كثرة الإقبال عليها. وهذا ما يجعلنا إزاء تناقضات تتجلى في عدد من الثنائيات. إن هناك فقرا يوازيه استهلاك مفرط فوق طاقة المستهلكين، وسيادة بعض السلوكات اليومية غير المنسجمة والقيم الدينية. كل هذه المظاهر وغيرها، هي أفعال وردود فعل ترجمت على أرض الواقع، بمثل هذه المشاهد والعادات التي ألفناها حتى أصبحت طقوسا مرسخة في مثل هذا الشهر وفي كل مناسبة دينية. إن أغلب المستهلكين يقصدون في مثل هذه المناسبات، مؤسسات القروض الصغرى للاستفادة من عروض السلفات الاستهلاكية، ما يجعلنا نتساءل عن مدى خطورة هذه العملية قبالة معدلات الفقر والبطالة وتعميم هشاشة الشغل وتجميد الأجور وارتفاع مستويات الأمية ومحرومين من ولوج العلاجات الصحية الأساسية وخوصصة المقاولات والخدمات العمومية، ولذلك اصبحت الحاجة ماسة لتمويل حاجياتهم اليومية الضرورية. ما حدود تدخل الدولة لحماية المقترضين وهل تنصف مؤسسات القروض الصغرى زبناءها من الفئات الفقيرة؟ > إن الدولة بدل أن تضمن الولوج المجاني إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، شجعت ما تسميه "سياسات محاربة الفقر" عبر تشجيع المبادرات الخاصة التي أملتها المؤسسات المالية الدولية، ويعتبر التمويل عبر القروض الصغرى أحد الأوجه الرئيسية لهذه السياسة، كما المشاريع الصغرى المدرة للدخل أو لتجهيز المنازل أو لربط المسكن بشبكات الماء و الكهرباء، يهدف هذا التمويل الصغير إلى تقديم سلفات صغرى لا تتعدى 50 ألف درهم، إضافة الى خدمات مالية أخرى كالتأمين وإرسال الأموال أو تلقيها، إذ يمكن تقديم قروض موجهة عموما للاستهلاك، اضافة إلى خدمات مالية أخرى. لكن مؤسسات تمويل القروض الصغرى تحتكر سلطة مطلقة في تحديد شروط عقود السلفات الصغرى التي ليس أمام المستهلك سوى قبولها، لأن السوق البنكية تشترط ضمانات بنكية لا يتوفرون عليها (عقارات، أجر وعمل قاران..). ولما يقصد المستهلكون هذه المؤسسات، يكونون مدفوعين بضرورة الحصول على قدر بسيط من المال لتدبير حاجيات عيشهم اليومية. وغالبا ما تكون نسبة هامة منهم في وضعية معنوية ونفسية متدهورة تجعلهم مكرهين للرضوخ للشروط التي يمليها الاقوى خصوصا ونحن في شهر رمضان الكريم. وبالتالي يمكن اعتبار هذه العلاقة لا متكافئة بين مؤسسات التمويل الصغرى والمستهلكين، ما يجعلنا نتساءل حول مدى قانونية هذه العقود؟ وما هي بالضبط العيوب القانونية التي قد تشوبها؟، و ما هي الشروط والالتزامات التي تجعلها غير جائزة ويحق المطالبة بإبطالها؟. هل تلك العقود تحترم من الناحية القانونية، شروط الرضا المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود؟ > في اعتقادي فهي لا تحترم هذه الشروط، ما يتجلى بالخصوص في الرضا الناتج عن التدليس وكتمان الشروط التي يتضمنها العقد، إذ غالبا ما يصادق المستهلك على عقود نمطية من صفحة واحدة في الغالب تتعذر قراءتها بيسر، لأنها مكتوبة بخط صغير خضع لنسخ رديء متوال، حيث يصعب التعرف أحيانا على الشروط والالتزامات التي تتضمنها. ونتيجة لذلك يحق لنا المطالبة بإبطال هذه العقود بناء على الفصل 52 من قانون الالتزامات والعقود، لأن كتمان هذه الشروط والالتزامات ساهم في دفع المستهلك لقبول المصادقة على عقد السلف. الأمر نفسه ينطبق أيضا على إخفاء معدل الفائدة الفعلية، إذ أن أغلب المستهلكين يجهلون معدل الفائدة الفعلية الإجمالية الذي ينبغي عليهم دفعه مقابل هذه السلفات الصغرى التي يحصلون عليها، لأن مؤسسات السلفات الصغيرة تخفيها عمدا كما هذا الشرط في نص العقد، وتكتفي عادة بالإشارة إلى معدل الفائدة المتضمن في الأقساط، فلولا الإخفاء لما حصلت هذه المؤسسات على موافقة المتعاقدين. وهذا بحد ذاته غير كاف، ولا ينفي أن هذه الممارسة تعتبر تدليسا مكشوفا، إن كل عقد سلف صغير مصادق عليه نتيجة إحدى أساليب التدليس، يحق المطالبة بإبطاله استنادا إلى قانون الالتزامات والعقود. واستنادا أيضا إلى قانون حماية المستهلك، الذي يؤكد أن العقد يكون قابلا للإبطال بالنسبة لكل من لم تتح له فرصة الاطلاع عليه قبل إبرام العقد وفقا للفصل 18، وبالتالي فهي شروط تعسفية، الغرض منها، أو يترتب عليها، اختلال كبير بين طرفي العقد على حساب المستهلك كما تؤكد ذلك المادة 15. إذن فمقترض السلفات الصغرى يبقى تحت رحمة وضغط مؤسسات التمويل الصغرى... > طبعا لأنه يوقع أو يرضى بالشروط تحت الإكراه، لكن أي عقد يوقعه المفترض نتيجة ضغط، قابل للإبطال طبقا للفصل 35 من قانون الالتزامات والعقود. والأمر أن نسبة هامة من مؤسسات السلفات الصغيرة لا تقتصر فقط على التهديد، بل يصل الأمر بها أحيانا إلى اقتحام سكن المقترضين والاستيلاء عمدا على المعدات وأثاث المنزل واعتبارها ضمانات رهنية!!. إن عقود السلفات الصغيرة هذه، المنتزعة بالإكراه، تكون قابلة للإبطال كلما انطبق عليها الشرطان اللذان حددهما الفصل 47 من قانون الالتزامات والعقود، وأولهما إذا كان الإكراه هو السبب الدافع للموافقة على هذه السلفات، وثانيهما إذا كان من آثار القرض إحداث ألم أو اضطراب نفسي أو الخوف من تعرض المقترض أو أحواله لضرر كبير مع مراعاة السن والذكورة والأنوثة وحالة الأشخاص ودرجة تأثرهم. ويجب التأكيد للمناسبة أن الإكراه المذكور يخول إبطال الالتزامات الواردة في عقود السلفات. معدلات فائدة فاحشة هل من تجليات أخرى لاختلال العلاقة بين الزبناء ومؤسسات القروض الصغرى؟ > طبعا هناك تجليات أخرى ومنها الغبن الاستغلالي وهو ما يتعلق بعدم خبرة المستهلكين لحظة إبرام تلك العقود بالشروط المجحفة لتلك المؤسسات التي تستغل عدم إدراكهم وخبرتهم، وفرضت التزامات خارجة عن القانون والمألوف، وأضرت كثيرا بمصالح الطرف المدين. وهذا ما أشار إليه الفصل 878 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه أن أي استغلال لضعف إدراك المدين أو عدم تجربته لفرض شروط تخدم بالدرجة الاولى المقترض كفرض معدلات فائدة عالية جدا، يجيز إبطال عقد السلف الصغير لأنه ينطبق عليه عيب الغبن الاستغلالي. كما أن هناك استغلالا لضعف المدين أو جهله وفرض معدلات فائدة فاحشة وذلك عندما يتجاوز هذا المعدل معدل الفائدة الفعلية المعمول به بنسبة معينة. وتعد فائدة فاحشة كلما تجاوز معدل الفائدة المعدل الفعلي الإجمالي السنوي بالثلث، ويحدد هذا السقف كل ثلاثة أشهر، وذلك حسب أصناف القروض. ما هي في نظرك التدابير الممكنة لإصلاح هذه المعاملات بين المستهلك ومؤسسات القروض الصغرى؟ > في اعتقادي يمكننا اقتراح مجموعة من التدابير العملية لإصلاح هذه المعاملات من خلال إحداث نظام اقتراض عمومي بدون فائدة أو بفائدة أدنى من تلك التي تفرضها السوق يوجه للفقراء، وإقرار نظام للدعم المالي والتقنين لفائدة الفئات الهشة، والتوجيه الجذري لسياسة مؤسسات القروض الصغرى ومراعاة مداخيل السكان والحيلولة دون إفقارهم وإنشاء خدمة عمومية للقرض والادخار والاستثمار. في سطور - باحث بوحدة التنوع الطبيعي وإيكولوجية المناطق الرطبة بكلية العلوم بمكناس - نائب رئيس الهيأة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك. - رئيس جمعية حماية المستهلك بإقليم صفرو.

ضحايا قروض الاستهلاك في رمضان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تمثيل ملكي في تنصيب باسيرو

سجون الحماية الفرنسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات