رحيل المفكر والمستشار الملكي الذي وضع «الثقافة في معركة التغيير» غيب الموت، أول أمس (السبت)، الأكاديمي والمستشار الملكي السابق عباس الجيراري، عن سن ناهز السابعة والثمانين، بالرباط. رحل الجيراري الذي نذر نفسه للدفاع عن التراث والأدب الشعبي طيلة عقود، لم تشغله المناصب التي تقلدها عن شغفه الخاص الذي جعل منه قضية، لم يشأ أن يعتبرها ترفا ذهنيا، بل يصر على أن لها امتدادا في الوقع وأثرا فيه. إنه الدكتور عباس الجيراري أحد أعلام الفكر والثقافة في مغرب ما بعد الاستقلال وإلى حدود اللحظة الراهنة. على امتداد هذه العقود نافح صاحب كتاب "الحرية والأدب" باستماتة، عن ضرورة إيجاد مكان للأدب الشعبي في نسق الثقافة المغربية التي تعامل بعض روادها بنوع من التعالي مع المسألة. تحدر الجيراري من أسرة علمية بالرباط، وكان والده عبد الله الجيراري من رواد الحركة الثقافية المغربية. تلقى بالموازاة مع تعليمه الأولي دروسا في اللغة العربية والعلوم الإسلامية على يد والده في البيت ما مكنه من الالتحاق بجامعة القاهرة في مصر وحصوله على البكالوريا عام 1957 والإجازة في اللغة العربية وآدابها عام 1961، والماجستير عام 1965، ودكتوراه الدولة في الآداب عام 1969. وحصل في جامعة السوربون بفرنسا على دكتوراه ثانية، و شارك عام 1981 في برنامج "فولبرايت" للتميز في التدريس بأمريكا (برنامج التعاون المغربي الأميركي في المجال التربوي والثقافي). وتولى عباس الجيراري وظائف كثيرة ومناصب عديدة، إذ التحق بالسلك الدبلوماسي لسفارة المغرب في القاهرة عام 1962، وانضم إلى هيأة التدريس في جامعة محمد الخامس في فاس، ثم في الرباط عام 1966. شغل عضوية أكاديمية المملكة المغربية والمجلس العلمي الإقليمي لولاية الرباط عام 1983، وعينه الملك الحسن الثاني في الديوان الملكي في يناير 1999، ورقاه الملك محمد السادس لمنصب مستشار ملكي في 29 مارس 2000. كما حصل الجيراري على عضوية عدد من المجمعات العلمية والاتحادات والهيآت الاستشارية المحلية والعربية والدولية. برز اسمه أكثر في قضايا الحوار بين الأديان وتحالف الحضارات والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وألقى حوالي تسعة دروس ضمن سلسة "الدروس الحسنية"، التي كانت تلقى في شهر رمضان أمام الملك الراحل الحسن الثاني، وظلت مستمرة في ظل حكم الملك محمد السادس. دافع في عدد من مقالاته ومحاضراته وكتبه عن اللغة العربية، ورد على الشبهات والتهم التي يراد إلصاقها بالإسلام من قبيل الإرهاب والتطرف والانغلاق، وعرف عنه أيضا اهتمامه بفن الملحون، إذ كتب وألف فيه عددا من المقالات والكتب. ألف الجيراري عشرات الكتب التي اهتمت بالدراسات المغربية والتراث الشعبي والأدب العربي الإسلامي، وكذلك الدراسات الأندلسية وقضايا الفكر والثقافة. تجاوز المطبوع من مؤلفاته ثمانين كتابا، منها: "قضية فلسطين في الشعر المغربي حتى حرب رمضان"، و"وحدة المغرب المذهبية خلال التاريخ"، و"الثقافة في معركة التغيير"، و"هويتنا والعولمة"، و"ثقافة الإصلاح وإصلاح الثقافة" (بالعربية والفرنسية والإنجليزية)، و"لا تطرف ولا إرهاب في الإسلام". عزيز المجدوب