دراسة في القانون ; الشأن القضائي مادة إعلامية من وجهة نظر قضائية

انفتاح القضاء على وسائل الإعلام ليس مطلقا بل يخضع لضوابط وعليه بات من الضروري في ظل التطور المعلوماتي الهائل وجود تنسيق إعلامي بين السلطة القضائية والمؤسسة الإعلامية من أجل الحفاظ على سيادة دولة القانون وحماية حقوق المجتمع والأفراد وترسيخ قيم العدالة. المحور الثاني: الحق في المعلومة وطبيعة المعلومات القضائية المسموح بنشرها. إذا كان الحق في المعلومة كما هو منصوص عليه في المادة 27 من الدستور للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة والهيآت المكلفة بمهام المرفق العام، فإن هذا الحق في ارتباطه بالدعاوى القضائية يطرح عدة تساؤلات حول حدود نطاق المعلومات التي يمكن نشرها أو تمكين الإعلام منها لإطلاع الجمهور عليها ؟ وكيف يمكن الحصول على الموازنة بين الحق في الحصول على المعلومة وحماية الخصوصية عند تغطية القضايا المرتبطة بمرفق العدالة؟للجواب عن هذا السؤال، نلاحظ أن بعض التشريعات المقارنة وضعت معيار للمعلومات القضائية التي يمكن أن تكون محل إعلام للجمهور، ويتمثل هذا المعيار في المصلحة العامة، التي تقتضي بألا يتم إعطاء تصريحات للإعلام أو تقديم معلومات بشأن قضية معينة للصحافة، إلا إذا كانت المصلحة العامة تقتضي ذلك بسبب وجود قضية معينة تشغل الرأي العام أو تصحيح بعض المعلومات المغلوطة لديه حول قضية معينة.ولقد أدت حساسية هذا الموضوع في بعض الدول كبلجيكا إلى توجيه دورية مشتركة بين وزير العدل وهيأة الوكلاء العامين مؤرخة في 09 ماي 1999 إلى كافة النيابات العامة تحدد فيها المعلومات التي يمكن للسلطات القضائية والشرطة تقديمها للصحافة، كما حددت هذه الدورية الضوابط التي تحكم علاقة القضاء بالصحافة ونطاق المعلومات التي يمكن إبلاغها للصحافة والجهة المخول لها التواصل معها (وكيل الملك أو النائب المعين من قبله ناطقا رسميا باسم النيابة العامة أو رئيس جهاز الشرطة).كما حددت الدورية نفسها نطاق المعلومات القضائية التي يمكن أن تكون موضوع إخبار للصحافة و التي تمتد في فترة جمع الأدلة، أي فترة البحث التمهيدي إلى بدء المحاكمة. وتقوم النيابة العامة بالتواصل مع الصحافة، إما بشكل تلقائي بناء على مبادرة منها أو على طلب من وسائل الإعلام المعتمدة.غير أن انفتاح القضاء على وسائل الإعلام ليس مطلقا، بل يخضع لضوابط، طالما أنه مرتبط بالحياة الخاصة للأفراد وخصوصياتهم من جهة وبسرية التحقيق وضمان عدم التأثير على القضاء من جهة ثانية، فالمعلومات المرتبطة بالمساطر القضائية التي تبلغ للعموم سواء من قبل القضاء أو الصحافة يتعين أن تتقيد ببعض الضوابط.وهذا ما أكدت عليه مسودة قانون المسطرة الجنائية الجديد، خاصة المادة 15 في التعديل الجديد تنص على أنه يجوز للنيابة العامة وحدها إطلاع الرأي العام على القضية والإجراءات المتخذة فيها، دون تقييم الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم أو المتهمين، ويمكن للنيابة العامة أن تأذن بذلك للشرطة القضائية.كما أكدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قرارها الصادر بتاريخ 20 ماي 1998 قضية (shopfer ) أنه «إذا كانت حرية التعبير مضمونة فإن الحق في إبلاغ الجمهور حول إدارة العدالة ينبغي ألا يمس بحسن سير السلطة القضائية، فضلا عن أن ذلك يمكن أن يمس بمبدأ استقلال القضاء والتأثير على قراراته.المحور الثالث : تجربة الغرف المتخصصة ومدى إسهامها في خلق قضاء متخصص في مجال الصحافةإن إحداث غرف متخصصة في مجال قضاء الصحافة قد تم بمبادرة من وزير العدل والحريات سنة 2010 رغبة منه في إحداث قضاء متخصص ملم بقانون الصحافة، مدرك لطبيعة وخصوصية المتابعات والادعاءات المباشرة المقدمة ضد الصحافيين على اعتبار أنها تمس حرية الرأي والفكر بعيدا عن جرائم الحق العام الأخرى، وبالتالي تتطلب نوعا من القضاء الملم بهموم المهنة، وكذا الانزلاقات التي تقع فيها، ويبقى مبدأ حسن النية من عدمه محور القصد الجنائي الذي يتطلب من القضاء درجة عالية من الاحترافية والمهنية، فقانون الصحافة اليوم محط انتقاد كل الجسم الصحفي وأهم هذه الانتقادات: - إلغاء جميع العقوبات السالبة للحرية .- تجريد السلطة التنفيذية من جميع الإجراءات ذات الطبيعة التأديبية ونقلها إلى القضاء.- تطهير القانون من جميع التعابير الفضفاضة والملتبسة، والاطلاع على مسودة مدونة الصحافة نجد أن أغلب هذه المطالب قد تحققت من إلغاء العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بغرامات معتدلة. - جعل القضاء الجهة الوحيدة والحصرية المختصة بتلقي تصريحات إصـدار الصحـف والإيقاف والحجب والحجز ... إلخ.وفي إطار ضمان تكوين مستمر للقضاة المتخصصين في مجال الصحافة تم إخضاع مجموعتين من القضاة إلى تدريب وتكوين في هذا المجال، وذلك بالاطلاع على كل من التجربة الفرنسية وكذا البلجيكية في مجال معالجة قضايا الصحافة.وقد حظيت بهذا التكوين في الفترة الممتدة من 28/02/2010 إلى 03/03/2010 ومازلت أتذكر أننا تفاجأنا ونحن في المطار بوصول كل من وزير العدل والحريات المرحوم الطيب الناصري وكذا الكاتب العام محمد ليديدي وذلك من أجل المزيد من التوجيهات، وأن حكومة صاحب الجلالة وكذا وزير العدل يعطي أهمية بالغة لمثل هذا التكوين لما فيه من تعزيز لضمانات الحرية وكذا لحماية حقوق وحريات المجتمع والأفراد .وهذه الزيارة مكنت الوفد القضائي المغربي من اللقاء بمجموعة من القضاة المتخصصين في جرائم الصحافة، كما تميزت بالحضور إلى جلسات الصحافة والاطلاع على إجراءات سيرها، وكذا إلى مرافعة النيابة العامة و أهم النقاط التي يمكن تسجيلها خلال هذا التكوين هي كالأتي:1- هناك تشابه كبير بين القانون الفرنسي والقانون المغربي المتعلق بالصحافة من حيث الإجراءات المسطرية، وكذلك الموضوع وهذا طبيعي مادام أن القانون الفرنسي الذي يرجع تاريخ نشره إلى 1889 وبالضبط 29 يوليوز 1889 كان سباقا إلى إرساء مجموعة من المفاهيم والمبادئ المرتبطة بحرية التعبير، إلا أن هذا الأخيـر عرف بدوره عدة تعديلات فرضتها مواكبة تطور مفهوم الديمقراطية في فرنسا وكذا المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان سواء ما جاء في قانونها أو الاجتهادات الصادرة عنها.2- هناك قاعدة عامة تكرست في العمل القضائي الفرنسي المرتبط بقضايا الصحافة وهو سمو الحريات العامة وحرية التعبير خاصة، وذلك انسجاما مع الدستور الفرنسي وكذا الثقافة الفرنسية واجتهادات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان. وكذا باقي المواثيق الدولية التي صادقت عليها فرنسا. بقلـم : ذ. مصطفى يرتاوي وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرماني

دراسة في القانون ; الشأن القضائي مادة إعلامية من وجهة نظر قضائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حضـور مغربـي وازن فـي مهرجـان أبوظبـي

مهاجر ببلجيكا يتهم مسؤولين قضائيين بالانتقام منه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات