آسفي… التنمية الموؤودة

صراعات سياسية تهدر الزمن التنموي للمدينة وقطاعات اجتماعية في حاجة إلى التدخل فقدت آسفي بريقها، ولم تسعف كل محاولات مسح صورة القتامة على محياها في شيء، بعدما تعثرت التنمية في دواليب المجالس المنتخبة، وطغى الصراخ والعويل وكيل الاتهامات بين المنتخبين، في حين تتفاقم وضعيتها. فمن غياب مشاريع تنموية حقيقية بإمكانها انتشال هذه المدينة من براثن الإهمال، مرورا باستمرار مسلسل النهب والتفويت والاغتناء الفاحش من قبل رؤوس الفساد الذين اغتنوا على حساب المال العام تحولت جوهرة المحيط إلى بقرة حلوب مستباح ضرعها.. إنجاز: محمد العوال (آسفي) القطاعات الحيوية التي أسند المشرع للجماعة الترابية تدبيرها، تعاني تراجعات عديدة، كقطاعي النظافة والنقل. ورغم تنبيه المفتشية العامة للداخلية إلى العديد من الاختلالات التي تطبع تدبير هذين القطاعين، فإن وضعيتهما ما زالت على ما هي عليه.. بالمقابل، لم تبادر الجماعة إلى تحسين مداخيلها، التي تتراجع سنة بعد أخرى، في حين تراهن الأغلبية المسيرة للجماعة، على "دعم" الداخلية لخلق ميزانية متوازنة، لن ينتظر منها شيئا في ما يخص تأهيل البنيات التحتية ومواجهة المشاكل التي تواجه المدينة.. نوستالجيا الزمن الجميل فقدت آسفي بوصلتها وصارت بدون هوية، وانمحت العديد من المعالم والمآثر وصار الخراب يترصد بمدينة السردين، بقدرة مسؤولين، يريدون أن يجهزوا على ما تبقى من ذاكرة الآسفيين. فكلما دخلت هذه المدينة (آسفي) عبر بوابات الذاكرة، يقول ميلود العضراوي، ابن هذه المدينة، الذي تربى بين دروبها، (يقول) وجدت أنني حقا أبحث عن أشياء ضاعت مني خلسة وسط ركام من الحجارة التاريخية، وأنني حقا أضعت كل تلك الأشياء مع ما ضاع من مشاهد طفولية وأفكار ووعود وآمال وأحلام ومادة خام للكتابة، وأشياء أخرى غامضة أصبحت تتدرج نحو الوضوح بفعل الوقت والزمن وأخذت تتكسر على حيطان المنسي، شيئا فشيئا، حتى تلاشت في الهباء. لم تعد آسفي اليوم، تشبه آسفي الأمس، بعدما غابت عنها الرشاقة والأناقة، تلك التي تطبع الأبنية في ذاكرتي، تقول الكاتبة المغربية ربيعة ريحان المتحدرة من هذه المدينة، التي أبْهرت زائريها وشغفتهم حبا وجذبتهم بها صناعة الفخار، وبحرها الممتد. ليست الأبنية التي تطبع ذاكرة ريحان هي التي اختفت فحسب، بل حتى قدود النساء الملتحفات بالحايك الصوفي الوثير، والوجوه الدافئة المهيبة لرجال يقبعون خلف دكات الحوانيت، وتلك الأزقة المتفرعة المحاطة بالأسوار، والتي تحفظ ريحان، موضع العثرات على إسفلتها... ريحان المتيمة حتى الثمالة بآسفي، والعاشقة لزرقة بحرها، تأسف اليوم كثيرا لما حل بمدينة الفاتح عقبة ابن نافع الفهري... "حين أزور الآن آسفي، وأتجول قليلا في فضاءاتها، تقول ربيعة ريحان، أجد أنني أفقد بالكامل زهو تلك الأيام، وأحزن لمضي بهائها... فالأبنية اكتست ألوان الصدأ، وصارت مرقطة جدرانها بالرطوبة، وانحفرت المسالك وتآكل الطوار..". هي ذي المدينة الصفراء، صنو "مدينة التراب"، حسب تعبير الكاتب المغربي إدريس الخوري، مدينة تندس في الصفرة وألق الشمس وبياض الدروب التي تعبث فيها الريح مساء، ويأتي الموت العائد بالهدايا المفخخة والرقصات التي توجع الجسد، تتهادى إلى الذاكرة وعود الماضي. برنامج عمل في مهب الريح يرى عبد الله فكار، عضو بالمجلس الجماعي لآسفي (معارضة)، أن المداخيل الجماعية، هي الوحيدة التي يمكن أن يراهن عليها، لتحسين صورة المدينة وتنفيذ المشاريع المتضمنة في برنامج العمل، الذي أعده المجلس وصادق عليه. وحسب تصريحات استقتها "الصباح" من العديد من الفاعلين، فإن برنامج العمل الذي كلف مالية الجماعية عشرات الملايين، لإعداده من طرف أحد مكاتب الدراسات، أضحى مجرد بيانات وأرقام، نظرا لغياب الإمكانات المالية للتنفيذ. وفي هذا الصدد، يقول عبد العزيز صبري (ناشط حقوقي)، "برنامج عمل الجماعة، رغم كل العيوب التي شابت إنجازه وظروف إسناد صفقته لأحد مكاتب الدراسات، ورغم كل ذلك، فإنه لم يخرج إلى حيز الوجود، وظل مجرد حبر على ورق، لأن من غير المنطق أن يتم إعداد الميزانيات السنوية للجماعة، بناء على توقعات بعيدة كل البعد، عن برنامج العمل هذا". وأضاف المتحدث ذاته أن رئيس الجماعة ومعه الأغلبية المكونة له، لم يقوما بأي محاولات أو إجراءات لتعزيز مداخيل المدينة، أو جلب استثمارات عمومية، وتنفيذ برنامج العمل. وتؤكد العديد من الشهادات لعدد من أعضاء الجماعة، أن برنامج العمل، الذي من المفروض، أن يكون خارطة طريق نحو التنمية بالمدينة، تضمن العديد من المعطيات التي تبقى إحصائيات متاحة للعموم، فضلا عن أن المشاريع التي أدمجها تتعدى اختصاصات الجماعة، بالإضافة إلى عدم استحضار الوضعية المالية للجماعة، التي تعاني عجزا بنيويا، نتيجة تراجع المداخيل الذاتية للجماعة، وهو ما أصبح ينتج سنويا عجزا ماليا، ويرهن ميزانية الجماعة لشهور بوزارة الداخلية. وفي السياق ذاته، يتساءل العديد من المتتبعين والمهتمين عن مآل العديد من الاتفاقيات، التي سبق أن أبرمتها الجماعة مع المجمع الشريف للفوسفاط، والتي ظلت حبرا على ورق، ولم يتم التقيد بمقتضياتها. النقل الحضري..."الغول" ! من صور العبث الذي تعيش فيه الجماعة، تراجع خدمات النقل الحضري العمومي، نتيجة غياب الرقابة على الشركة الموكول لها تدبير قطاع النقل بالمدينة. وإذا كانت الجماعة، في عهد المجلس السابق، أخرجت مشروع التدبير المفوض لقطاع النقل إلى حيز الوجود، اعتقادا منها أن ذلك سينهي معاناة السكان، مع مشاكل النقل الحضري الذي كانت تشرف عليه الوكالة المستقلة للنقل الحضري، فإن التجربة أثبتت العكس، إذ استفحلت الأزمة أكثر... وإذا كانت الشركة الموكول لها تدبير النقل الحضري بآسفي تواجه اتهامات من قبل العديد من المواطنين، كعدم توفير حافلات بالعدد الكافي في خطوط تعرف ضغطا متزايدا، خصوصا أمام أوقات الذروة، وغيرها من الإشكالات المطروحة، فإن تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية، خلال السنة الماضية، كشف عن العديد من العيوب والخروقات الإدارية المرتكبة، من قبل الشركة الموكول لها تدبير قطاع النقل، دون أن يقوم المجلس الجماعي بأي إجراءات بخصوص هذه الوضعية الشاذة، لشركة صار طرح اسمها والتداول فيه داخل دورات المجلس بمثابة "بعبع" لا يجب التحدث عنه. وسجل قضاة زينب العدوي العديد من الملاحظات، بخصوص ملف النقل الحضري، منها أن عقد التدبير المفوض مبالغ فيه ولا يشكل الحاجيات الحقيقية للنقل الحضري عبر الحافلات، حيث لا يتم استغلال سوى 12 خطا من أصل 32 المتعاقد بشأنه، ثم عدم استفادة الجماعة من المداخيل المقبوضة، من قبل الشركة في ما يتعلق باستغلال الفضاء الإشهاري للحافلات، وعدم التزام الشركة بأداء واحد ونصف في المائة من رقم المعاملات لإجراء الدراسات وتوفير التجهيزات اللازمة للجنة الدائمة للمراقبة، وعدم استخلاص الجماعة لمستحقاتها برسم عقد التدبير المفوض لقطاع النقل الحضري، مما أضاع عليها أزيد من 650 مليون سنتيم، برسم ثلاث سنوات الأخيرة. الأدهى من ذلك، هو وقوف مفتشي وزارة الداخلية، على غياب 13 حافلة تم وضع سبع منها رهن إشارة العرائش والناظور، دون موافقة من جماعة آسفي، ودون إبرام أي عقود في هذا الباب، مما يعكس حالة الاستهتار التي يُدبر بها قطاع النقل الحضري لآسفي. النظافة... الله غالب إذا كان عقد التدبير المفوض لقطاع النقل، يحبل بالعديد من التجاوزات القانونية للشركة الموكول لها تدبير القطاع، وتضرر المواطنين من ذلك، فإن قطاع النظافة يعاني هو الآخر عدة إشكالات، تحولت معها المدينة إلى نقط سوداء. ورغم تنبيه المواطنين لحالة العديد من الشوارع التي تغرق في الأزبال، فإن القائمين على الشأن المحلي، لا يتوانون في الدفاع عن الشركة المفوض لها، تحت ذريعة التوسع العمراني للمدينة، وإحداث أحياء جديدة غير مدرجة ضمن الأحياء المعنية وفقا لعقد التدبير المفوض. ولا يجد السكان، من وجهة لنقل معاناتهم مع تراكم الأزبال، وتقادم الحاويات البلاستيكية وعدم تنظيفها، سوى مواقع التواصل الاجتماعي، علّ صوتهم يصل إلى المسؤولين عن تدبير قطاع النظافة. ووقف قضاة زينب العدوي، على غياب المراقبة من قبل المصالح الجماعية لتدبير قطاع النظافة، إذ "أن الموارد البشرية التي تم تسخيرها لعملية المراقبة، لا تتعدى عنصرين فقط، وهي لا تسمح بذلك بتغطية المجلس الترابي للجماعة، والقيام بعملية المراقبة بالشكل المطلوب"، يؤكد تقرير المفتشية العامة للداخلية، مما يعكس استهتار القائمين على الشأن العام بتدبير قطاعات حيوية بالمدينة.. وتستمر الأزمة إذا كانت مؤسسة جماعية عاجزة عن مراقبة وتتبع تدبير خدمات جماعية، تم تفويضها لشركات مقابل ملايير السنتيمات سنويا، فإن النتيجة هي الشلل التام لكل مرافق المدينة، وغياب تصور شمولي للنهوض بها، إذ أن المداخيل الجماعية لا يتم الحرص على استخلاصها، مما قد يمكن من تنفيذ ولو جزء قليل من برنامج العمل. فوضعية الطرق كارثية، وصارت الحفرة السمة البارزة على محيا هذه المدينة، في حين أن وضعية الإنارة العمومية هي الأخرى أسوأ، إذ يتطلب تغيير مصباح للإنارة العمومية، رحلات مكوكية من المواطنين. بالمقابل تتحول دورات الجماعة، إلى فضاء ملائم لنشر الغسيل وكيل الاتهامات، والصراخ والعويل، لتصفية حسابات سياسية بعيدة كل البعد عن أي أفق تنموي لمدينة تحتضر.. إنها التنمية الموؤودة.

آسفي… التنمية الموؤودة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تزوير مزاد يهز ابتدائية الرباط

4 سنوات لسارق النساء بالجديدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات