إصلاح التقاعد… القنبلة الموقوتة

يعتبر ملف التقاعد من الملفات الشائكة، التي ظلت تتقاذفها الحكومات المتعاقبة، إلى أن أصبحت الوضعية المالية لصناديق التقاعد لا تحتمل التأجيل، وإن بدرجات متفاوتة. وتشير خلاصات الدراسات الإكتوارية إلى وجود اختلالات هيكلية على مستوى بعض الأنظمة وعدم قدرتها على الديمومة، إذ أن إجمالي الديون غير المشمولة بالتغطية وصلت إلى غاية 2011، ما يناهز 813 مليار درهم. ورغم أن الكل متفق على ضرورة الإسراع بإصلاح أنظمة التقاعد، فإن هناك خلافات كثيرة حول المقاربة التي يتعين اعتمادها لإصلاح منظومة التقاعد.وتختلف المواقف حول إصلاح أنظمة التقاعد باختلاف المواقع، فأحزاب الأغلبية تعتبر أن مجرد فتح هذا الورش يعتبر فتحا مبينا، ما دامت الحكومات السابقة لم تجرؤ على فتح هذا الملف الشائك، الذي يختلط فيه السياسي بالاجتماعي والاقتصادي والمالي، فالرهانات كبيرة بحجم المخاطر التي تحدق بالصناديق التي تدبر منظومة التقاعد. بالمقابل، تعتبر أحزاب المعارضة وبجانبها جل النقابات أن المقاربة التي تعتزم الحكومة اعتمادها من أجل إصلاح الاختلالات التي تعانيها المنظومة بمثابة إجهاز على المكتسبات التي حققتها الشغيلة سواء في القطاعين العام أو الخاص، وترتفع حدة الانتقادات أكثر في ما يتعلق بإصلاح النظام العام للصندوق المغربي للتقاعد الذي يدبر معاشات العاملين بالقطاع العام، وتعتبر وضعيته الأكثر تأزما.لكن إذا كان هناك اختلاف حول منهجية الإصلاح التي يتعين اعتمادها، فإن الكل يجمع على أن الوضعية كارثية ويقر بحتمية إصلاح المنظومة. وتعددت الدراسات والتشخيصات، والخلاصة واحدة المطالبة بضرورة اعتماد إصلاح هيكلي يشمل كافة الصناديق عبر مراحل. وفي هذا الإطار، تتضمن مقاربة الحكومة للإصلاح مرحلتين أساسيتين، تهم المرحلة الأولى الجانب المقياسي أي ما يتعلق بالسن القانوني للإحالة على المعاش، ووعاء احتساب الحقوق، ونسب المساهمة، وذلك بهدف تقوية ديمومة أنظمة التقاعد وتخفيض ديون الأكثر هشاشة منها، خاصة نظام الصندوق المغربي للتقاعد، في أفق إصلاح هيكلي يشمل مجموع الأنظمة. وتشدد الحكومة على أن يتم البدء في هذا الإصلاح على المدى القصير، أي ابتداء من السنة المقبلة، وذلك من خلال تنفيذ إجراءات الإصلاحات المقياسية لتمديد ديمومة الأنظمة لبعض السنوات الأخرى.وتتوخى المرحلة الثانية من الإصلاح، التي تتضمن بدورها فترتين، توحيد مختلف الأنظمة، وتتمثل أهم الأهداف المتوخاة من الفترة الأولى من هذه المرحلة من الإصلاح وضع تعريفة ملائمة وخلق تقارب في مقاييس عمل مختلف الأنظمة وقواعد التصفية من أجل تقارب وانسجام أكبر. ومن أهم الخيارات التي يمكن تبنيها خلال هذه الفترة، وضع قطبين للتقاعد الأول عمومي والثاني خاص، أو المحافظة على الأنظمة مع إصلاح عميق لنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد. وتسعى الحكومة في المرحلة الثانية إلى تبني نظام أساسي موحد مع أنظمة إجبارية واختيارية.ويتضح، من خلال مقاربتي الحكومة والمركزيات النقابية، أن الطرفين متوافقان حول المحاور الكبرى للإصلاح، خاصة ما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية، إذ أن الكل متفق على اعتماد نظام القطبين، قطب يشمل أجراء القطاع الخاص، وآخر يتعلق بموظفي القطاع العام. ولا تعارض المركزيات النقابية حتى الإصلاحات المقياسية، بل تختلف مع الحكومة في ما يتعلق بالمقاربة المعتمدة، إذ ترى النقابات أنه لا يتعين فصلها على الإصلاح الشمولي. وهكذا، فإن كل الأطراف المعنية متفقة على جوهر الإصلاح، لكنها تختلف، حسب موقع كل طرف، والضحية هو الإصلاح، الذي يمكن أن يتأخر إلى حين آخر.عبد الواحد كنفاوي

إصلاح التقاعد… القنبلة الموقوتة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاختباء وراء الملك يعطب آلة التشريع

الوفا: دعم الفقراء يوقع الحكومة في الدعاية الانتخابية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات