الحوز… رحلة سياحية في رحاب الزمن

حركة تدب في شرايين جبال الأطلس ومهنيون يحدوهم الأمل في موسم سياحي استثنائي يفتح إقليم الحوز أبوابه مشرعة في وجه سياحته المتجددة، ويستقبل زوار هذه المناطق الممتدة، ويلبس حلته الفضفاضة ينثرها على جبال الأطلس ووديانه المتدفقة، وينكه سياحته بنكهة التراث والتاريخ والفضاءات المفعمة بالحياة. ولتكتمل الصورة يستعيد الناس هناك، حرفا تقليدية، وتداعب أيديهم طينا لزجا، يتحول إلى أوان ناطقة. الولوج إلى الحوز، يبدأ من بوابته الكبرى، مراكش الحمراء، ذلك الصرح السياحي الزاخر، فبعد أن تكون قد متعت نظرك في قصر البديع، الذي بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي شهورا قليلة بعد توليه الحكم احتفالا بانتصاره على البرتغاليين في معركة وادي المخازن، تنزل ناحية سور مراكش دكالة، إذ تنتصب بجانبه العديد من الأسوار العتيقة، المبنية بالتراب المدكوك بطول تسعة كيلو مترات، والذي يرجع تاريخه إلى 1126 ميلادية. إنجاز: محمد العوال (موفد الصباح إلى إقليم الحوز) وأنت تصل إلى مناطق الحوز، حيث كل الطرق تؤدي إلى هناك، ستقابل خضرة دائمة، وطبيعة غاية في الروعة والجمال، ومعالم أثرية تلملم جراحها، لتحكي عن ماض تليد، وجبال شاهقة تتزين بطبيعة خلابة، لترسم صورة الجمال الذي منحه الله لهذه المناطق من ربوع المملكة.. إنها مناطق إقليم الحوز، التي عادت إليها الحياة، وتخلصت تدريجيا من مظاهر الكآبة والحزن، التي ارتسمت على البشر كما الحجر، قبل أقل من شهر، بفعل الزلزال، وعادت هذه المناطق لاستقبال أفواج من السياح، منهم من ساح في هذه الأرض، وارتبط بها وجدانيا، وصارت ملجأ له بحثا عن معانقة طبيعة استثنائية، ترسم البهجة في نفوس زائريها، بعدما شغفتهم حبا، وآخرون قدموا لأول مرة لاكتشاف فضاءات ومآثر تنبض بالحياة، وكأن الزلزال أراد لهذه المناطق الانبعاث من جديد.. الحوز تتنفس سياحة هكذا إذن، لملمت الحوز جراحها، ودبت الحياة في أوصالها من جديد، وعادت لاكتشاف جمالها بعد الزلزال، وتدفقت أفواج من السياح، لاكتشاف منطقة لم يكن الزلزال الذي ضربها ليلة الثامن من الشهر الماضي، إلا ليزيدها شهرة، ويفتح آفاقا أخرى لاكتشاف جمال الحوز، الذي يحضن بين جباله مراكش، واحدة من أشهر المدن السياحية في العالم.. بمجرد ما تتخطى أسني، وتقبل على دواوير ويركان، تبدو لك هذه المنطقة قد عادت إليها الروح من جديد، وبدأت تستعيد عافيتها، وتحضن بحنو فضاءاتها السياحية التي عادت إليها الحياة من جديد، وبدت وجوه الكثيرين من أبناء المنطقة منشرحة، لعودة الحياة إلى شرايين منطقة تشكل السياحة الجبلية، أحد روافدها، إذ تشغل يدا عاملة مهمة، والأكثر من ذلك «نغذي الروح بالنشاط السياحي، واستقبال الزوار، لنمنحهم جرعة من الحياة، من خلال طبيعة خلابة ومآثر تاريخية، فالحياة لا يمكن أن تعود إلى نقطة الصفر، وها أنت ترى اليوم، هذه الوجوه القادمة من مختلف المناطق، تأبى إلا أن تعانق الحياة بهذه الرقعة من جغرافية الوطن»، يقول عبد الجليل، مرشد سياحي، ذو 35 سنة من عمره، وكله حيوية ونشاط. عبد الجليل كان بمعية سائحين بريطانيين، يقودهما في رحلة لاكتشاف جمال طبيعة جبال الأطلس بويركان. يحبون الحياة ما استطاعوا سبيلا تدفقت العيون، وعادت الحياة إلى وديان، جفت بالأمس القريب، واستعادت بعض دور الضيافة والفنادق بهذه المناطق الجبلية، حيويتها ولو بشكل تدريجي.. «حقيقة كنا نعتقد أننا سنواجه صورا للحزن في عيون الناس هناك.. منذ وصولنا إلى المغرب، قضينا يومين في مراكش، كانت الحياة طبيعية جدا، وكانت صور الزلزال بهذه المناطق تجثم على نفوسنا، لكن أردنا أن نعانق هذه المنطقة التي سبق أن زرتها قبل أربع سنوات، غير أن العكس هو ما وجدته، أناس فرحون كلهم حيوية ونشاطا»، تقول «سوزان مجيا» سائحة إيطالية، وهي تطلق ابتسامة عريضة. رفيقتها هي الأخرى، كانت تشير لمجموعة من الأطفال الذين تحلقوا حولهم، قد لا يدرك هؤلاء الأطفال، حجم الخسارة هنا، ولكن حتى كبار السن تجدهم فرحين باستقبال الزوار، ويدعونك لتناول الشاي، كم هو شعور رائع، أن تلتقي بهؤلاء الناس البسطاء، الذين يعشقون حقيقة الحياة، رغم كل الظروف.. نحن سعداء هنا»، وتضيف المتحدثة «سأعود إلى بلدي لأحدثهم عن شعب رائع، هنا بالجبال، حيث المنازل منهارة والناس فقدوا أشياء كثيرة، لكن الفرح تلمسه في عيونهم». المنازل المنهارة كليا أو جزئيا، وأخرى مازالت صامدة، رسمت صورة فنية، رغم حجم الدمار والخسائر، وما يزيد الصورة جمالية، سياح قدموا من مختلف مناطق العالم، لاكتشاف سحر فضاء تزينه الطبيعة وأصوات أمازيغية رقيقة عذبة، ودبيب حياة يزيح عنك غموض التساؤل، ويبعث فيك بريقا من الأمل.. أمل الحياة بين جبال الأطلس الشاهقة. رب ضارة نافعة ليست الطبيعة وحدها، ما يغري زوار هذه المناطق، ممن شغفتهم مناطق جبال الأطلس حبا، بل « الناس هناك روحهم لطيفة جدا، عادة يعملون في الزراعة والفلاحة، وإبداع فني لتحف طينية، وكل ما يشغل بالهم راحة زوارهم.. في هذه المناطق ما من شر ولا كذب، ولا نفاق ولا كره، إنهم رائعون»، يلخص «ماتيو» (فرنسي) الذي يشتغل بوكالة للأسفار بفرنسا. وأنت بالحوز، فأينما وليت وجهك تستقبلك مناطق سياحية، تعانق خلالها الطبيعة التي حبا الله بها هذه المناطق، فمن أسني حيث أمليل، ووصولا إلى أعلى قمة جبلية، جبل توبقال، ومرورا بويركان، سيدي عبد الله غياب وأوريكا، وغيرها من المناطق، التي تنتصب بجبال الأطلس، لترسم لوحة فنية ناطقة بالحياة، فهذه الجبال الشاهقة والضخمة، تخترقها وديان، يتدفق ماؤها ليمسح الحزن عن وجه الحوز، الذي بدأ يتزين لاستقبال فصل الشتاء، حيث تنشط الحركة السياحية أكثر. «رب ضارة نافعة»، هكذا قال أوعلي، الذي يشتغل بدار للضيافة، وهو يتحدث عن أفق النشاط السياحي بإقليم الحوز، مضيفا «بعد الزلزال، تعرضت العديد من المنشآت السياحية للضرر، وبعد أن أردنا العودة للحياة، قلنا ربما سيكون موسم سياحي قاس على المنطقة، لكن سرعان ما تدفقت أفواج من السياح، منهم فئة اعتادت زيارة المنطقة، واختارت العودة إلى هناك، لتفقد أحوال المنطقة، وهناك فئة أخرى، لم تكن تعرف شيئا عن إقليم الحوز، لكنها اليوم جاءت لاكتشاف جمال طبيعة جبال الأطلس». هكذا تحولت كارثة الزلزال، في رأي أوعلي، إلى نعمة لممتهني السياحة، إذ بدت كل المؤشرات تدل على ارتفاع نسبة الإقبال على إقليم الحوز. فأوعلي يتحدث بثقة كبيرة في قدرة الحوز على إحداث انتعاشة سياحية هذه السنة، ودليله في ذلك نسبة السياح الذين يتوافدون اليوم لأول مرة على إقليم الحوز، الذي يمتد على مساحة إجمالية تبلغ 6212 كيلومترا مربعا، ويشغل نسبة 2 بالمائة من مساحة جهة مراكش-آسفي. منشآت سياحية متضررة يعتبر القطاع السياحي، حسب عبد اللطيف اجعيدي، رئيس الفضاء الجمعوي بإقليم الحوز، في حديث ل «الصباح»، من أهم ركائز التنمية الاقتصادية، «إذ أن الإقليم اليوم، يشكل القاعدة الخلفية للسياحة لمراكش، وهو بذلك يشكل مصدر عيش العديد من الأسر، الى جانب الفلاحة والصناعة التقليدية»، يقول المتحدث نفسه. وتوجد العديد من الوحدات السياحية، يقول عبد اللطيف اجعيدي، منها وحداث مصنفة وذات صيت عالمي، تتردد عليها العديد من الأسماء المشهورة في مختلف المجالات، وبالتالي فإنها تعرف نشاطا دؤوبا طيلة السنة، في حين هناك فنادق متوسطة الخدمات إلى جانب العديد من المآوي السياحية سواء تلك التي تم إنشاؤها بمجهودات شخصية أو تم دعمها من قبل البرامج التنموية بالإقليم، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أو برامج دعم المقاولات الشبابية، وغيرها من البرامج الحكومية. بيد أن الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز، خلف العديد من الخسائر المادية والبشرية، واضطرت العديد من المآوي إلى توقيف نشاطها، في انتظار الإجراءات التي ستتخذها الدولة لإعادة الحيوية لهذا القطاع، الذي يعرف ركودا نسبيا في الظرفية الحالية، من كل سنة، حسب عبد اللطيف اجعيدي. وأشار المتحدث نفسه إلى أن هناك منشآت سياحية تعرضت أجزاء منها للهدم وأخرى لتشققات في جدرانها، سواء في منطقة ويركان، أو الجماعات المجاورة لها، باجوكاك وثلاث يعقوب. ففي ويركان مثلا تضررت وحدة «عند مومو» بحوالي 45 في المائة، ووحدة عند عبد الرحيم بدوار تسوقت بحوالي 70 في المائة، وكذا دار تامونت بجماعة أمكدال، بنسبة 70 في المائة هي الأخرى. ويأمل المهنيون بقطاع السياحة بإقليم الحوز، أن تقف لجن الإحصاء على وضعية هذه المؤسسات السياحية، ودعمها لاستعادة نشاطها كاملا، فضلا عن إيجاد صيغ لدعم المهنيين من العاملين بهذه الوحدات اعتبارا لوضعهم المعيشي. صرخات في واد سحيق ظلت العديد من المطالب لتأهيل القطاع السياحي، يتردد صداها في جبال الأطلس دون أن تصل إلى المسؤولين والوزراء، الذين تعاقبوا على قطاع السياحة، رغم ما توفره السياحة بهذه المناطق من عملة صعبة وكذا يد عاملة مهمة تشتغل في هذا القطاع، وارتباط حرف أخرى بالقطاع السياحي بإقليم الحوز. فكيف لقطاع سياحي يشغل يدا عاملة مهمة، ولم تفكر الوزارة الوصية يوما في إحداث مديرية أو مندوبية إقليم بترابه؟، يتساءل عبد اللطيف اجعيدي، رئيس الفضاء الجمعوي بالحوز، مضيفا أن من بين المطالب الملحة اليوم للمهنيين، وضع المواقع الطبيعية والأثرية الموجودة بالإقليم في الخريطة السياحية للجهة، والعمل على تثمين المنتوجات والمواقع الطبيعية بالإقليم، فضلا عن وضع برامج خاصة واستثنائية لتدعيم السياحة بإقليم الحوز، والتسويق الفعلي والإيجابي للإقليم ضمن الملتقيات والمعارض الدولية، يقول المتحدث ذاته. لكن، هل يكون الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز، دافعا للوزارة الوصية، لنفض غبار التهميش عن هذا الإقليم، ومنحه مكانته المستحقة ضمن الخارطة السياحية للمملكة.. وحدها الأيام المقبلة تحمل بين طياتها الجواب.

الحوز… رحلة سياحية في رحاب الزمن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الموارد أساس الصراع

الإدارة والمونديال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات