الملك العمومي… البيضاء تحت “الاحتلال”

مترامون يسيطرون على حق السكان في الفضاء العام والسلطات تحارب الظاهرة بمنطق "الحملة" تعرف البيضاء بلقب العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتحتضن نسبة كبيرة من الأنشطة التجارية والخدماتية، الأمر الذي يجعل فضاءها العمومي "فريسة"، يتربص به كثيرون، خاصة في غياب قانون صارم وعملي يعاقب المترامين عليه، ناهيك عن سيادة ثقافة عدم الاهتمام بالفضاءات المشتركة، ما فتح الباب أمام بعض المستثمرين والتجار، لاحتلال مساحات مهمة من الشارع العام، غير أن تحرير تلك الفضاءات تواجهه الكثير من التعقيدات، وغالبا ما تعالج بمنطق "الحملة"، خاصة في الفترة التي تشهد تنقيلات رجال السلطة. إنجاز: عصام الناصيري /تصوير (أحمد جرفي) استباح محتلو الملك العمومي بالبيضاء جل الشوارع والأزقة والفضاءات العامة، سواء في المناطق الشعبية أو الأحياء الراقية، فإذا كانت الظاهرة مستفحلة في بعض المقاطعات من قبيل الحي الحسني والألفة والفداء وسيدي بليوط، فإن منطقة أنفا والمعاريف لم تسلما بدورهما من احتلال الملك العام. حملات تحرير تقوم سلطات البيضاء بين الفينة والأخرى بحملات تحرير الملك العام بالقوة، إذ يقوم رجال السلطة، من قياد وباشوات، بجولات في مناطق نفوذهم من أجل تفقد أوضاعها، ويقومون بحجز مقاعد المقاهي والمطاعم، ويهدمون واجهات المحلات، باستخدام الجرافات وآليات الهدم، خاصة بالنسبة إلى الذين تلقوا إنذارات سابقة، غير أن هذه الحملات لا تستمر طيلة السنة، إذ تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه بعد أسبوع أو أسبوعين. قبل أيام تحركت السلطات بمقاطعة المعاريف، وحلت بعدد من المقاهي والمطاعم، وقامت بحجز بعض المقاعد وتوجيه إنذارات شفوية للمستثمرين، وطالبتهم برخص الاستغلال المؤقت، غير أنه بقدرة قادر عادت المقاعد المحجوزة في اليوم الموالي، واستمرت الحياة على ما هي عليه. ولم تعد الحملات التي يقوم بها رجال السلطة والشرطة الإدارية بالبيضاء مجدية، خاصة مع تراكم الوعود طيلة السنوات الماضية، إلى درجة أصبح البعض يتهم المسؤولين عن تدبير الملك العمومي بالتواطؤ مع المحتلين، خاصة مع استمرار الظاهرة في الاستفحال، وسطو البعض على مساحات مهمة تحت أعين أعوان السلطة. محنة التراخيص هناك أنواع كثيرة من الملك العمومي، التي يتم السطو عليها بشكل غير قانوني، أو يتم كراؤها في مرحلة معينة، وبعد مدة يتخلف الشخص عن الأداء مع الاستمرار في الاستغلال، إذ هناك استغلال للملك البحري والساحات والشوارع العامة والأزقة، وفي الغالب أن هؤلاء المحتلين يكونون تجارا يبيعون سلعا في الشوارع خارج القانون، أو أصحاب "البارسولات" الذين يسطون على أجزاء مهمة من شواطئ البيضاء خارج القانون. وهناك صنف آخر يتعلق بالاستغلال المؤقت للملك العام، والذي غالبا ما يتم بناء على ترخيص من المجالس المنتخبة، ويؤدي صاحبه رسوما حسب عدد الأمتار المستغلة أو طبيعة الأنشطة التي يقوم بها، وحسب السومة الكرائية ونوعية الشارع أو الحي الذي يقع فيه المحل المعني. ويعاني التجار وبعض أرباب المقاهي والمطاعم أزمة في التراخيص، خاصة بعد رقمنتها واشتراط الحصول على منصة الرخص، الأمر الذي يعتبره كثيرون حلا غير عملي، إذ يتقدمون بطلبات الحصول على التراخيص غير أنها تتأخر كثيرا حسب معطيات متطابقة، الأمر الذي يدفعهم إلى الأداء والاكتفاء بوصل الأداء، إلا أن بعض رجال السلطة لا يعترفون به ويطالبون بالتصريح رغم أنهم على علم بالمشاكل المسجلة في المنصة. وفي هذا السياق يقول أحمد بوفركان، المنسق الوطني للجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب، في حديثه مع "الصباح"، إن "هناك إشكالية كبيرة تتعلق بمنصة الحصول على الرخص، إذ يقدم أرباب المقاهي طلبات للحصول عليها، لكن دون جدوى، الأمر الذي يدفع جزءا منهم إلى الأداء والحصول على وصل أداء، بسبب المشاكل المسجلة في منصة الرخص". ويكمن المشكل الثاني، حسب بوفركان، في تراكم الأداءات، مبرزا أنه "بعد وباء كورونا وتضرر القطاع، وتراكم الرسوم والقروض، عجز البعض عن الأداء، ما اضطر وزارة الداخلية إلى تعميم مذكرة تهم الإعفاء من بعض الرسوم، غير أن جهة طنجة وورزازات وبعض المدن الأخرى هي التي طبقت المذكرة، في حين باقي المجالس الجماعية تجاهلتها، كما هو الأمر بالنسبة إلى مجلس البيضاء". وألزمت المذكرة المجالس المنتخبة بمراجعة القرار الجبائي، طيلة فترة كورونا، مراعاة للظروف الاقتصادية والضرر الذي لحق المهنيين، إلا أن بعض المجالس ومنها مجلس البيضاء، تجاهلت توجيهات وزير الداخلية. رجال سلطة حائرون بمجرد تعيين رجل سلطة في منطقة جديدة، يجد نفسه أمام مشاكل بالجملة تهم بالخصوص تحرير الملك العمومي، ويضطر للقيام بحملات في بداية تعيينه، غير أنه بمرور الأيام يضطر إلى التعايش مع الأوضاع، ويؤجل حل المشكل إلى خلفه، خاصة أنه في مدينة واحدة يلاحظ أن رجال السلطة بدائرة معينة يقودون حملات تحرير عنيفة، ودوائر أخرى لا يزعجها أحد، وتستمر في احتلال الملك العام بشكل عاد. ويعلق بوفركان، وهو فاعل مهني في قطاع المقاهي والمطاعم، على حملات رجال السلطة قائلا "من الطبيعي أن يخرجوا للتعرف على منطقتهم، وغالبا ما يواجهون مجموعة من الإشكاليات، سواء تعلق الأمر بالعربات المجرورة أو غيرها. وعندما تخرج السلطات الإدارية تطلب من المهنيين الإدلاء بالترخيص، علما أن المهني لا تتم الاستجابة لطلبه في المنصة، والسلطات لا تقبل منه وصل الأداء وتطالب بالترخيص الذي لم يتمكن من الحصول عليه، الأمر الذي يدفع البعض إلى الحجز على بعض المقاعد، وهو ما نعتبره ظلما وشططا في استعمال السلطة". ويرى بوفركان أن الاتهامات التي توجه لأرباب المقاهي بأنهم يتواطؤون مع السلطة من أجل السطو على الملك العمومي، هو "أمر غير مؤسس على معطيات حقيقية"، مضيفا "نعتبر ممر الراجلين خطا أحمر لا يمكن المساس به". وتكمن مشكلة أرباب المقاهي في غياب قانون منظم للقطاع، مؤكدين على لسان منسقهم الوطني أن هناك الكثير من العشوائية تخيم على القطاع، فعوض البحث عن الحلول، نجد أن الجماعات تتخبط، وكل واحدة تطبق ما يحلو لها، حسب بوفركان. رسوم مبالغ فيها يرى أرباب المقاهي والتجار وغيرهم من المنتمين إلى القطاع المنظم، أن الرسوم التي تفرضها المجالس المنتخبة على مستغلي الملك العام، مبالغ فيها أحيانا، خاصة إذا ما كان النشاط الاقتصادي راكدا، إذ هناك أزيد من 10 رسوم تفرض على المهنيين، وإذا لم يتمكن المهني من أدائها فإنه يتم إمطاره بالإنذارات ويمكن أن تتدخل السلطة للهدم، كما هو الأمر بعد كورونا، عندما عجز كثيرون عن الأداء بسبب طول فترة التوقف عن العمل. ويتم احتساب المبالغ المفروضة حسب المناطق، إذ هناك مناطق يحدد فيها سعر استغلال المتر المربع الواحد بـ 70 درهما، ومناطق أخرى يصل فيها إلى 100 درهم و150، ومناطق أخرى محددة فيها بـ 50 درهما. وأما بالنسبة إلى ما يسمى "الباش"، فيحدد حسب السومة الكرائية، إذ يصل الرسم إلى ما يعادل 7 في المائة من قيمة السومة الكرائية السنوية، علما أن بعض الأشخاص يكترون محلاتهم بـ 7 ملايين سنتيم أو أكثر، ويمكن تصور حجم الرسوم المختلفة التي يدفعها المهنيون. وأضاف بوفركان أن الرسوم والضرائب تصل إلى 17 رسما، وهو ما يثقل كاهل المهنيين. شطط السلطة رغم أن الكثير من المواطنين بالبيضاء يشكون تقاعس السلطات والمسؤولين المنتخبين عن تحرير الملك العام، إلا أن كثيرين لا يجدون حرجا في الأمر، إذ يفضلون أحيانا الجلوس في واجهات المقاهي، رغم أن صاحب المقهى يوفر فضاءات جيدة في الداخل، إذ يقول بوفركان، إن بعض الزبائن يعجبهم الجلوس أمام المقهى، ومراقبة الشارع وما يجري فيه، وهو ما يؤثر أحيانا على الممرات التي يستعملها الراجلون. وأبرز المتحدث ذاته، أن الحملات يجب أن توجه نحو الذين يحتلون الفضاء العام خارج القانون، خاصة القطاع غير المنظم، أما القطاع المنظم والذي يشتغل بالرخص، فيجب الجلوس معه إلى طاولة النقاش من أجل حل المشاكل العالقة، لا أن يتم استعمال العنف. وتأسف المتحدث ذاته، عن عدم جدية السلطتين المحلية والمنتخبة في هذا الملف، مبرزا أنهما لا ترغبان في التطور والتقدم، وتريدان البقاء على النهج والأسلوب السلطوي نفسه، واستعمال الشطط في السلطة والترهيب، علما أن جميع الخطابات الملكية تحث على احترام المواطن والتقرب منه أكتر وحل مشاكله. وأثار المتحدث ذاته، مسألة المبررات التي يتحجج بها المهنيون، وأكد أن ما يدفع بعضهم إلى احتلال مساحة أكبر مما منح له في الترخيص، هو غياب الحماية من القطاعات غير المنظمة من قبيل الباعة الجائلين، إذ يمنع أحيانا أرباب المقاهي من وضع كراس أمام المقاهي، ويسمح لصاحب العربة بالوقوف أمام صاحب المقهى. إنذارات يتيمة قبل أشهر من الآن أعلنت مصالح الشرطة الإدارية بالبيضاء، أنها وجهت ما يفوق 18 ألف إنذار إلى المحلات التجارية والحرفية والمهنية وأصحاب المقاهي والمطاعم، خلال جولاتها المتعلقة بمراقبة استغلال الملك العام الجماعي. وعلى خطى مجلس الرباط، قرر منتخبو البيضاء، تعديل مشروع القرار الجبائي، والذي أثار جدلا واسعا في صفوف المهنيين، بسبب الزيادة في رسم احتلال الملك العام الجماعي، قبل أن يتم تأجيل المشروع إلى وقت لاحق. وأكد القرار الذي تم تأجيله على رفع قيمة استغلال الملك العمومي بالنسبة إلى المحلات المدرجة ضمن الصنف الأول إلى 150 درهما للمتر المربع، في حدود 10 أمتار، أما ما زاد عن ذلك فقد تم رفع قيمة استغلاله إلى 200 درهم للمتر المربع، كما شهد الصنف الثاني زيادة بدوره من 40 درهما للمتر المربع إلى 100 درهم، فيما الصنف الثالث تم رفعه من 30 درهما إلى 50 للمتر المربع في حدود 10 أمتار.

الملك العمومي… البيضاء تحت “الاحتلال”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

6 سنوات سجنا لـ "بيدوفيل" بالجديدة

ولاية أمن الرباط تتفاعل مع فيديو بتر يد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات