نسخة فريدة حملت بصمة دبلوماسية ملكية أرضت ثلاث قارات وست دول لم تقتصر نتائج المنهجية المتبعة من قبل المغرب تحت عنوان "رابح رابح" في علاقاته الخارجية على إفريقيا، بل أصبحت وصفة نجاح على جميع الأصعدة، بما في ذلك المحافل الرياضية العالمية، وهو ما عبر عنه جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، عندما قال إن الترشيح المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030 "رسالة للسلام والتسامح والاندماج". كما لم يخرج أي بلد خاسرا من سباق نهائيات 2030 وحتى الدول الثلاث الممثلة لأمريكا الجنوبية نالت حظها باحتضان مباراة لكل واحدة منها، حسب ما كشفت عنه "فيفا" أول أمس الأربعاء في بلاغ صدر عقب اجتماع مجلسها التنفيذي، عبر الفيديو، مضيفة أن قارتين - إفريقيا وأوروبا - اتحدتا ليس فقط في الاحتفال بكرة القدم ولكن أيضا في تكريس التماسك الاجتماعي والثقافي الفريد، في "رسالة عظيمة للسلام والتسامح والاندماج". وزف جلالة الملك قبل ذلك للشعب المغربي خبر اعتماد مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بالإجماع، لملف المغرب – إسبانيا – البرتغال كترشيح وحيد لتنظيم كأس العالم 2030 لكرة القدم، في بلاغ للديوان الملكي وصف القرار بأنه إشادة واعتراف بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب بين الأمم الكبرى. وبدأت خارطة الطريق إلى كأس العالم منذ 7 أبريل 2022 لمناسبة زيارة سانشيز إلى المغرب بدعوة من جلالة الملك، والتزام البلدين، بالتعامل مع المواضيع ذات الاهتمام المشترك "بروح الثقة والتشاور"، مع إعادة تنشيط مجموعات العمل التي تم إنشاؤها بين البلدين لإعادة إطلاق التعاون الثنائي متعدد القطاعات. وأعطت الدينامية الجديدة زخما جديدا للعلاقات الثنائية بين البلدين، ورؤية أكثر اندماجا وحيوية للروابط الاقتصادية، والاحتكام إلى منطق التوازن رابح-رابح، بتنمية مشتركة لصالح البلدين، في وقت يعمل فيه المغرب على التصنيع ونشر نموذج جديد للاستثمار موجه نحو القطاعات الإنتاجية. ومنذ ذلك التاريخ شرعت المملكتان في مد قنوات عودة المياه إلى مجاريها، بعد التحول التاريخي في موقف مدريد من ملف الصحراء، والتأكيد على أهمية مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، ما اعتبره المغرب دفعة قوية لشراكة إستراتيجية بين البلدين، وحدثا من شأنه تغيير معطيات الوضع الإقليمي بشمال إفريقيا والمنطقة المتوسطية. واستعمل المغرب قوة ناعمة بواسطة إستراتيجيات دبلوماسية تقوم أساسا على التعاون بين بلدان الجنوب، إذ أثبتت الدبلوماسية الوقائية فعاليتها سياسيا، خاصة في ما يتعلق بتسوية عدد من النزاعات والبحث عن حلول سلمية ودائمة للأزمات السياسية التي تعرفها القارة الإفريقية، كما تشارك الرباط بشكل منتظم في جهود حفظ السلام في المنطقة برعاية أممية. وامتدت النجاحات الإفريقية إلى المجال الاقتصادي بإبرام آلاف الاتفاقيات مع عدد من الدول الإفريقية، كما قام جلالة الملك في بداية الألفية الثانية بإلغاء ديون بعض منها، ثم انضم المغرب سنة 2001 إلى "تجمع دول الساحل والصحراء"، قبل أن تصبح المملكة واحدة من أكبر الدول المستثمرة في إفريقيا، بالنظر إلى منطقة غرب إفريقيا تستحوذ لوحدها على 55 في المائة من مجموع الاستثمارات المغربية في القارة، مع مواصلة العمل في عدد من القطاعات على غرار قطاع البنوك والاتصالات والعقار والصناعات الكيماوية. وأصبح المغرب في عهد الملك محمد السادس أكثر براغماتية بخصوص كيفية حصوله على ما يريد من وراء الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ببناء علاقات متعددة الأطراف وضمان مستوى عال من التجارة مع الاتحاد الأوروبي لتقوية إمكانيات الحصول على مزيد من الدعم التقني والمالي، إضافة إلى حجم اليد العاملة المهاجرة بأوروبا، واتباع ديبلوماسية دولية مكثفة سمحت بتطوير شبكة علاقات دولية متعدد وواسعة. وقوت المقاربة المتبعة من قبل المغرب ثقته السياسية المتزايدة، من دون أن يفك ارتباطه الاقتصادي بالاتحاد الأوروبي وزيادة منسوب استثمارات دوله بالمملكة والتعاون في مجال التنمية وتبادل المعرفة، في ظل اهتمام أوروبي متزايد باستقرار الأوضاع في الجارة الجنوبية، وفي رغبتها بعقد شراكة ذات قيمة في مجال الأمن والهجرة والتجارة. ياسين قُطيب