حكايات من تحت الأنقاض

ضحايا يروون لـ «الصباح» ما وقع لحظة الفاجعة وما بعدها والتأثير الكبير للزيارة الملكية يحكي ثلاثة من المصابين في فاجعة الزلزال الذي ضرب مراكش ونواحيها ومناطق أخرى من المملكة، يوم 8 شتنبر الماضي، وهم آخر المصابين الذين لازالوا يرقدون بمصلحة جراحة العظام والمفاصل بمستشفى محمد السادس بمراكش، كيف عاشوا الفاجعة، ومرحلة العلاج، وكيف يتصورون حياتهم في فترة ما بعد الزلزال. عادل بلقاضي (مراكش) سعيد... فقد رجليه دون أن يفقد الأمل بقلب مؤمن بقدر الله، واقتناع بأن لا مفر من قضائه، يتحدث سعيد يحيى، ابن دوار تاماترت جماعة سيتي فاطمة بإقليم الحوز، عن وضعه الصحي والنفسي بعد فقدان الجزء السفلي من رجليه معا، في الزلزال الأخير. يتحدث سعيد رغم صعوبة الحادث وما خلفه من ضرر بليغ على جسده ونفسيته، ببشاشة وإيمان بالقدر، قل نظيره، إذ أكد في لقاء مع «الصباح»، أنه يستجيب لنصائح الأطباء حيث يوجد تحت العناية الطبية، قائلا « طلب مني الانتظار بالمستشفى إلى حين تتمة بروتوكول العلاج، إذ لازلت أحس ببعض الألم الخفيف في رجلي معا، غير أن الطاقم الطبي يواكب معي مراحل العلاج وأشكر أفراده كثيرا، الله يجازيهم بالخير». استأذنا سعيد في استعادة سيناريو الواقعة، فوافق بكل طلاقة، «ماشي مشكل، قدر الله هذاك»، يقول سعيد، قبل أن يسرد لنا قصة الإصابة التي تعرض لها، وما عاشه من لحظات عصيبة وقاسية. يروي سعيد «لحظة وقوع الزلزال كنا نستعد للنوم، فإذا بنا نحس أن المنزل تحرك وانقطعت الكهرباء، فقالت لي زوجتي إن ابني على السرير ويمكن أن يفزع أو يسقط، فاتجهت نحو الغرفة من أجل تفقده، وبمجرد أن حملته بين يدي وحاولت الخروج، لم أدري من أين سقطت صخرة كبيرة ، اخترقت سطح المنزل وسقطت على جزئي السفلي فقطعت رجلي معا، قبل أن تخترق سقف الطابق الأول لتسقط على أخي وترديه قتيلا». وأضاف سعيد « في البداية لم أشعر بما حدث لي، فقط كنت أضم ابني إلى صدري، قبل أن تصرخ زوجتي قائلة «سعيد رجليك مشاو»، فنظرت إلى رجلي وبدأت أصرخ، إلى أن حضر بعض سكان الدوار، فحملوني على لوح خشبي، لأن الطريق كان مقطوعا، وعبروا الواد، كان الأمر في غاية الصعوبة ، الله يجازيهم بخير، إلى أن وصلنا إلى ستي فاظمة، حيث وجدنا سيارة «بيكوب»، حملوني على متنها وكان شباب الدوار يسبقوننا من أجل إزالة الحجارة من الطريق، إلى أن وصلنا إلى والماس، بعد حوالي نصف ساعة، حيث وجدنا أن الطريق مقطوع، فعاد الشباب ليحملونني على اللوح الخشبي مرة أخرى حتى وصلنا إلى «فيلاج» والماس، حيث وجدنا سيارة الإسعاف التي أقلتني إلى مستشفى تحناوت، حيث تدخل طاقم طبي من أجل إيقاف النزيف من رجلي، قبل أن تحملني سيارة الإسعاف إلى مستشفى محمد السادس بمراكش، نظرا لخطورة إصابتي». وتابع سعيد «كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا، حين وصلنا إلى مستشفى محمد السادس، حيث وجدت الأطباء على استعداد، إذ أدخلت مباشرة إلى غرفة العمليات، وأجريت لي عملية جراحية، وأشكر الطاقم الطبي الذي أشرف عليها». وعن إحساسه خلال رحلته من منزله إلى المستشفى، أوضح سعيد «على طول الطريق كنت أرى رجلي تنزفان وكنت أفكر فقط في سيارة الإسعاف، هل سأجدها أم لا؟ سيما أنني كنت أسمع أن الطريق مقطوع، غير أنني تنفست الصعداء لحظة وصولي إلى والماس على قيد الحياة، قبل أن يجري وقف النزيف بمستشفى تحناوت، ليعود لي الأمل في الحياة، قبل أن أطمئن أكثر بعد وصولي الى مستشفى محمد السادس بمراكش، ودخول غرفة العمليات». وعن العناية التي لقيها داخل المستشفى، قال سعيد «وجدت الأطباء في استقبالي، عاملوني بإنسانية، أجريت العملية، وغادرت غرفة الإنعاش في اليوم الموالي، وصعدت إلى الغرفة، حيث كان كل شيء طلبته متوفرا، إذ طلبت أن يجري تغيير السرير فاستجابوا لطلبي، وعاملوني بلطف، الله يجازيهم بخير». واسترجع سعيد لحظة زيارة جلالة الملك للمصابين بالمستشفى، «كانت لحظات مختلفة. سبحان الله. لحظة دخول جلالة الملك، أحسست كأن لم شيئا يقع لي ، فقط كنت أنظر إليه، إلى أن وقف بجانبي، فسألني عما وقع لي، فحكيت له الواقعة، ثم سألني هل لقيت العناية اللازمة ؟ فقلت له أجل، وهذه حقيقة، فطبطب علي ودعا لي بالشفاء وأوصى بالعناية بي، «الله يحفظو لينا ويطول عمرو». طلب سعيد اليوم يوجهه إلى جلالة الملك وكل المحسنين من أجل تمكينه من رجلين اصطناعيتين، بعد أن يكمل مرحلة العلاج، كي يستطيع الحركة وتلبية حاجيات أسرته، سيما أنه المعيل الوحيد لها. لا يخفي سعيد ثقته في زوال محنته وتمكنه من الحركة بالرجلين الاصطناعيتين، إذ يتشبث بالأمل في مواصلة الحياة، ويواجه صعوبة الوضع بابتسامة تفاؤل وثقة في المستقبل. «طيلة مقامي بالمستشفى، أقنعت نفسي أن ما وقع قد وقع، ولا راد لقدر الله، لذا كل تفكيري منصب على ما سأعمله في المستقبل، لم أعد قادرا على العمل بعد أن فقدت رجلي معا، وأنا راض بما قدره الله لي «. عبد الرحمان... قاوم بيد مكسورة لإنقاذ أسرته يروي عبد الرحمان براغ، المتحدر من دوار تفتاخت جماعة أمغراس بمنطقة أمزميز، ضواحي مراكش، تفاصيل ليلة فاجعة الزلزال، وكيف قاوم بيد مكسورة من أجل إنقاذ أفراد أسرته. يقول عبد الرحمان «سقط علينا السقف. أصبت في يدي. حاولت الخروج بصعوبة، تمكنت من ذلك و «سلكت راسي»، تفقدت زوجتي وساعدتها من أجل النهوض، ثم تفقدت ابني في الطابق العلوي رفقة زوجته واثنين من أبنائه، وسط الظلام. انخرطت أنا وزوجتي في الحفر، وسط الركام إلى أن تمكنا من إيجاد فجوة قبل أن نتمكن من الخروج عبرها، بعد ما يقارب ساعتين». وأضاف عبد الرحمان «من حسن الحظ أن سقف البيت كان من الخشب ولحظة سقوطه، بقيت قطع الخشب واقفة ما ساعد على حمايتنا، كل ذلك بفضل الله، رغم أن البيت تهدم، بقينا أحياء. الحمد لله». وتابع عبد الرحمان « تمكنا بعد جهد كبير، من تخليص أنفسنا من تحت الأنقاض، كان الصراخ والعويل يعلوان المكان. مر بجانبي أحد الأشخاص ناديته طلبا للنجدة، فقال اصبر لست وحدك «راه 60 واحد ماتت»، بقيت في مكاني إلى أن التحق بي ابني الذي كان يشتغل بمراكش وهرع إلى الدوار بعد أن سمع الخبر، إذ حملني على متن دراجته النارية إلى مستشفى أمزميز، بعد أن اكتشفت أن يدي كسرت، حيث كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا، وجدنا القوات المسلحة وسيارات الإسعاف. ركبت في إحداها وأقلتني إلى مستشفى محمد السادس بمراكش، حيث أجريت لي عملية جراحية، في حين رجع ابني لنقل زوجتي وباقي أفراد الأسرة، حيث اكتشفت لحظة وجودي في غرفة الإنعاش، أنهم موجودون، أيضا، داخل الغرفة بعد أن نقلوا إلى المستشفى، وغادروا بعد أن تلقوا العلاج، في حين ما زلت تحت العناية الطبية، بسبب إصابتي بمرض السكري، وأشكر كل الأطباء والممرضين على عنايتهم بنا». وأضاف عبد الرحمان، «في كل مرة أعيد سيناريو الواقعة، وكيف كان الكل يصيح وأخبار عن وفاة فلان أو أسرة فلان، إذ تزايد العدد إلى أكثر من 100 شخص، لقوا حتفهم، في دوار يضم ما يقارب 130 منزلا، كل منزل يضم ما يناهز عشرة أفراد، غير أنني أعود لأقول الحمد لله، على كل حال، وقدر الله «ما منو هروب»، كما أتذكر أيضا، لحظة وجود «العسكر»، وسيارات الإسعاف، والكل جاء لمساعدتنا، أقول «بلادنا فيها الخير أو الله يخلي لينا سيدنا». فاظمة.... ليلة تحت الأنقاض ما زالت فاظمة آيت لمعلم، من دوار أكني جماعة تلات نيعقوب، ضواحي مراكش، ترقد بمصلحة جراحة العظام والمفاصل بمستشفى محمد السادس، بعد إصابتها بكسر في الركبة وجروح في اليد والرأس. تقول فاظمة « أنا تحت العناية الطبية، الله يجازيهم بخير «تهلاو فينا»، وكل شيء متوفر في انتظار تتمة العلاج والخروج. تتذكر فاظمة ليلة الزلزال وتتحدث بعفوية «كنت بصدد تنظيف الأواني، فإذا بي أشعر بالأرض تتحرك، فتمسكت بالطاولة الإسمنتية التي أضع عليها الأواني، فرأيت بعدها شرارة في الدارة الكهربائية، فانقطع التيار الكهربائي، ثم سمعت ضربة في السقف، فسقط جزء من الخشب على ظهري، ثم سقطت الطاولة الإسمنتية على ركبتي وهوى السقف بأكمله، من حسن الحظ أن قطع الخشب نزلت بشكل عمودي وحالت دون تغطيتي بالركام، وبقيت هناك إلى حدود السابعة صباحا». وأضافت فاظمة «سمعت صراخ أحد الجيران يقول «وليداتي مشاو»، فبدأت أناديه «وباحسين» عدة مرات، دون أن يسمعني، وفي الفجر سمعني الأهالي، فهبوا لإنقاذي، بعد جهد جهيد أخرجوني بعيدا عن الدوار، كانت الدور لا زالت تتساقط، الدوار كله هوى ومات الكثير من السكان». وأضافت فاظمة «أعيش وحيدة، بحيث انتقل ابني للعيش في مراكش، ولدي ابنتان متزوجتان بتحناوت، ولا أدري ماذا سأفعل بعد الخروج، فقدت كل شيء، كانت لدي بقرة وخروف وحمار، غير أنني فقدتهم خلال الزلزال وهدم منزلي، الحمد لله على كل حال». ياسين: المستشفى الجامعي كسب الرهان قال ياسين فتح الخير، طبيب بمصلحة جراحة العظام والمفاصل بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش، إن إدارة المستشفى والأطقم الطبية كسبت الرهان في التعامل مع فاجعة الزلزال. وأوضح فتح الخير، في تصريح لـ»الصباح»، نجحنا الحمد لله في علاج كل الحالات الوافدة، بقيت ثلاث حالات فقط، الأولى تهم مريضا فقد رجليه معا، وتجب مواكبته من الناحية العلاجية والنفسية على الخصوص، وكذا امرأة مصابة بكسر في الركبة تطلبت مواكبتها عن قرب بعد العملية الجراحية، وشخص ثالث خضع لعملية جراحية، وتطلب شفاؤه وقتا طويلا، لأنه مصاب بمرض السكري». واستعاد فتح الخير شريط اللحظات الأولى بعد وقوع الزلزال، مضيفا «منذ فجر اليوم الموالي لليلة الزلزال، توافد عدد كبير من المرضى. كانت الحالات مختلفة، ما بين كدمات وجروح وكسور خطيرة، على الرأس والأطراف والقدم والحوض». وأضاف فتح الخير «جرى توفير جميع الظروف والأدوية والمستلزمات، فتحت جميع قاعات العمليات الجراحية. كان الاشتغال بوتيرة مضاعفة خمس أو ست مرات، مقارنة بالحالة العادية، إذ كان عدد المصابين كثيرا ولم نكن متعودين على مثل ذلك الوضع، لذا كانت هناك تعبئة وتجندت كل الأطقم الطبية من مختلف المصالح، رغم أن أكبر عدد من الحالات كان بمصلحة جراحة العظام والمفاصل، بحكم أن الزلزال ينتج عنه سقوط الجدران، ما يخلف كسورا وكدمات، تتطلب عمليات جراحية، تليها فترة راحة ليندمل الجرح دون تعفن، ثم فترة ترويض مطول وبشكل منتظم كي يعود المفصل للعمل كما كان، مع فترة تتبع في قسم الفحوصات بشكل منتظم». وختم فتح الخير قوله «عشنا خلال الأسبوع الأول بعد حدوث الزلزال، أحاسيس متباينة، بين الاطمئنان على أسرنا والقيام بالواجب المهني، وضغط توافد الحالات، اشتغلنا على مدار اليوم، في تضامن وتآزر بين كل الأقسام، كما أن زيارة جلالة الملك كان لها وقع إيجابي على نفسية المرضى والأطقم الطبية، فجعلتنا نشعر جميعا بالاهتمام والعناية المولوية، ومنحتنا نفسا جديدا، لمواجهة العمل، إلى أن خف الضغط ونجحنا الحمد لله في تجاوز المحنة».

حكايات من تحت الأنقاض

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الزلزال يؤجل منافسات عصبة سوس

درك الحاجب يطيح بمبحوث عنهم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات