النقـل…”عـوم بحـرك”

تكديس الركاب وانعدام خطوط تقطع العزلة عن الضواحي وجشع الطاكسيات يضاعف المعاناة الحديث عن خدمات النقل بالبيضاء، لا بد أن يؤدي إلى نقاش ساخن يكشف معاناة البيضاويين وزوار العاصمة الاقتصادية، مع معضلة النقل. ورغم المجهودات المبذولة خلال السنوات الأخيرة لتعزيز أسطول وسائل النقل وتنويعها، إلا أن المدينة المليونية مازالت تترنح في دوامة يصعب الخروج منها، بسبب العشوائية والارتباك الحاصلين على مستوى تدبير قطاع حيوي، لا يحتمل تطبيق شعار "كم حاجة قضيناها بتركها"، الذي يطبع تحركات مسؤولي البيضاء. إنجاز: محمد بها / تصوير : (عبد اللطيف مفيق) في الوقت الذي تشهد فيه البيضاء، استنفارا غير مسبوق لسكانها، بعد عودة الموظفين والعاملين والمستخدمين من العطلة الصيفية، لاستئناف العمل ودخول التلاميذ إلى المؤسسات التعليمية والاتجاه نحو وجهات مختلفة، فإن المعاناة تتضاعف جراء ندرة وسائل النقل الحضري وسوء خدماتها وكذا انعدام خطوط تسهل الوصول إلى الضواحي، عوض مشقة التنقل من وسيلة لأخرى، لاختصار مسافة الوصول إلى العمل في الصباح أو العودة إلى البيت مساء، إضافة إلى سيطرة منطق "كلا يلغي بلغاه"، أمام غياب المراقبة وتحركات المسؤولين عن قطاع النقل. حافلات النقل الحضري... معاناة يومية النقص الفادح في وسائل النقل، الخاصة بعدد من الوجهات المعروفة بكثافة السكان والضواحي، يجعل المواطنين يعيشون جحيما يوميا يؤثر على نفسيتهم، خاصة الموظفين والمستخدمين والأسر، التي تكون مصحوبة بعدد كبير من الأطفال، أو المرفوقة بكبار السن. وعاينت "الصباح"، مشاهد ركض المواطنين وراء الحافلة، في ظل عدم وجود عدد كاف من الحافلات في الخطوط الرابطة بين وسط المدينة وليساسفة وجنان اللوز بالألفة وانعدام خطوط تربط بين المعاريف وولاد صالح النواصر أو بوسكورة أو مديونة أو الهراويين، وما يعنيه ذلك من اضطرار المواطن لاستعمال وسيلتي نقل أو أكثر، لاختصار مسافة الوصول. ويكفي القيام بجولة لمعاينة حجم المعاناة التي يعيشها البيضاويون، المستعملون لحافلات النقل الحضري، خاصة الخطوط التي تعرف كثافة سكانية، إذ تتحول شوارع أنفا وابن سينا والحي الحسني وبوسيجور وسيدي معروف ودرب السلطان والهراويين ومديونة وأولاد صالح وغيرها من المناطق الهامشية إلى تجمعات كثيفة لمواطنين ينتظرون أن يعطف عليهم سائق الحافلة للسماح لهم بالصعود، بعد أن عمد زملاؤه إلى تجاوز محطات الوقوف، تاركا عددا كبيرا من العالقين وسط المدينة، ما يتسبب في أزمة نقل واحتقان لدى الركاب. مسيرات بحثا عن محطات للركوب أمام المشاكل المرتبطة بقلة وسائل النقل، التي يمكن أن تقلهم من وسط المدينة والحي الحسني وعين الدياب إلى وجهاتهم المختلفة، خاصة بالضواحي، يضطر الركاب أمام الطلب الكبير على خدمات سيارات الأجرة من الصنف الكبير وصعوبة أداء ثمن سيارات الأجرة الصغيرة، التي يستغل أصحابها أزمة النقل لفرض شروط مجحفة، إلى قطع مسافات طويلة، سواء من عين الدياب إلى الحي الحسني أو من اتجاه شارع ابن سينا وسيد الخدير وشارع أفغانستان بمقاطعة الحي الحسني، للوصول إلى محطات وسائل النقل العمومي. ويتكدس عدد من المواطنين في محطات متفرقة، في انتظار إيجاد حافلة للنقل أو وسيلة أخرى للنقل السري، تضمن لهم العودة إلى وجهاتهم المختلفة، سواء بليساسفة أو النسيم أو حي الرحمة وأولاد صالح وغيرها من الوجهات، التي أضحى الوصول إليها يحتاج رحلة عذاب يومي. احتكار يحتاج منافسة حرة يمكن التأكيد من خلال المعاينة اليومية، أن قطاع النقل الحضري بالبيضاء يعيش على إيقاع الفوضى والارتباك على جميع الأصعدة، إذ رغم أن حافلات شركة "ألزا" لم يمر على انطلاق خدماتها إلا ثلاث سنوات، إلا أنها تحولت إلى عذاب للركاب، بسبب التأخر في الانطلاق أو الوصول أو قلة الخطوط المعتمدة وإلغاء أخرى مهمة دون الاكتراث بمعاناة فئة أضحت تقطع مسافات للبحث عن محطة تتضمن خطا يوصلها إلى وجهتها كما هو الحال بالنسبة لمستعملي الخط رقم 35 و 21 الذي تم إلغاؤهما بحجة وجود الخط 13 و50 اللذين يبعدان عن سكان الشهدية وعدد من أحياء الألفة والحي الحسني. وعوض أن يبحث مجلس المدينة عن حل فتح المجال لشركات أخرى لتخفيف الضغط عن الشركة الحالية وكذا لتجويد الخدمات في إطار التنافس الشريف، الذي سيعود بالنفع على المواطنين لاختيار الأصلح والأفضل، فضل المنتخبون والمسؤولون اعتماد موقف المتفرج والركون إلى الصمت. وعبر العديد من المواطنين عن غضبهم بسبب تصرفات بعض سائقي حافلات النقل الحضري، الذين لا يتوقفون ببعض المحطات الرئيسية، حيث يرفض بعض سائقي حافلات النقل التوقف في محطات الوقوف، مما يثير استياء المواطنين. وطالب العديد من المواطنين مسؤولي الشركة، بتنظيم وضبط وقت ذهاب وإياب الحافلات، خاصة في أوقات الذروة في الصباح والمساء، وتوفير عدد كاف من الحافلات لتغطية حاجيات المواطنين، الذين بدؤوا يفضلون الاستعانة بالخطافة ودراجات "التريبورتور" والعربات المجرورة لقضاء أغراضهم. تكديس وسرقة من المشاكل التي أضحت تؤرق مستعملي حافلات النقل الحضري، عدم احترام بعض السائقين لمحطات الوقوف الإجباري للسماح للركاب بالصعود أو النزول، إضافة إلى عدم احترام الزبناء، بالتلفظ بعبارات قدحية في حال التلاسن مع أحد الركاب أو محاولة طرد بعض الأشخاص غير الراغبين في تأدية التذكرة، الذين يطلق عليهم اسم "السلايتية". ومن الأمور المزعجة، تكديس الحافلة بما لا تطيق من الركاب، الذين يلتصق بعضهم ببعض، ذكورا وإناثا، دون مراعاة أدنى شروط الاحترام والإنسانية، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان بالركاب وسائقي الحافلات إلى الوقوع في ملاسنات، أو تعرض النساء للتحرش أو استغلال اللصوص الازدحام لسرقة هواتف ومحفظات نقود المواطنين، الذين يكونون في حالة شرود ذهني. الطرامواي..."فوق طاقتك لا تلام" لا يختلف اثنان على أن وسيلة الطرامواي شكلت البديل المنقذ للمواطنين، من جحيم حافلات النقل الحضري وجشع سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، إلا أنه يمكن القول "فوق طاقتك لا تلام"، مادام أن وسيلة الطرامواي تعرف إقبالا كثيفا لاطلاعها بدور مهم، يتمثل في توفرها على خطوط لربط عدد من المناطق بالبيضاء. وعاينت "الصباح"، تجمعات بشرية بمحطة "الطرام"، التي طغى عليها ازدحام غير عاد للراغبين في العودة إلى وسط المدينة وأحياء بورنازيل والرجاء ودرب السلطان وسيدي مومن والبرنوصي، إذ أصبح الظفر بمكان بوسيلة النقل الحديثة، حقا يصعب الحصول عليه، ومعه تبقى الحلول غائبة أمام عجز شركة "الطرام" عن الاستجابة للعدد الكبير للركاب، مع تزامن عودة المواطنين للعمل والدراسة، وتفضيل آخرين الاستجمام في الشواطئ مادامت أجواء الصيف لم تنته بعد. وأجمع عدد من المواطنين في حديث مع "الصباح" أنهم يعانون الأمرين في سبيل الوصول إلى عين الذئاب، أو العودة من مقرات العمل سواء بالمراكز التجارية الكبرى أو المطاعم والمقاهي المتمركزة بالشريط الساحلي إلى أحيائهم البعيدة عن وسط المدينة، ففي الكثير من المرات يضطرون إلى قطع مسافات طويلة مشيا لركوب حافلة للنقل الحضري، أو الاستنجاد بسيارة أجرة من الصنف الكبير، باعتبار وضعيتهم الاجتماعية لا تسمح لهم بركوب "طاكسي حمر". النقل السري..."ديباناج" محفوف بالخطر في ما يخص الفئات التي لا تستطيع الدخول في حرب ضروس مع جشع بعض سائقي الطاكسيات الصغيرة والكبيرة، ولا تمتلك القدرة على الجري وراء حافلات النقل الحضري المكتظة في المساء والصباح، أضحت تتسابق على ممتهني النقل السري لاختصار الوقت وضمان الوصول إلى مقرات العمل أو العودة إلى البيت، بغض النظر عن مخاطر تلك الوسائل غير المؤمنة، تفاديا لعواقب البقاء في الشارع تحت جنح الظلام، وما يعنيه ذلك من التعرض للتحرش والسرقة. وتشكل الدراجات الثلاثية العجلات "التريبورتور" والعربات المجرورة بالدواب و"سيارات النقل السري" البديل المنقذ، إذ رغم ما تشكله من خطورة على حياة ركابها، إلا أن أغلب البيضاويين يضطرون إلى قبول تكديسهم وخوض مغامرة ركوب وسائل غير مؤمنة، حتى لا يبقوا عالقين بمناطق بعيدة عن محل سكناهم، أو مضاعفة مصاريف تضرب القدرة الشرائية، في حال قرار اللجوء إلى سيارة الأجرة الصغيرة والكبيرة، التي استغل أغلب سائقيها الوضع لفرض شروطهم المجحفة، سواء بالرفع من التسعيرة، أو فرض وجهات محددة، باعتبار أن أغلب مستعملي حافلات النقل الحضري من الفئات غير القادرة على أداء ثمن سيارة أجرة صغيرة لتكاليفها المرتفعة. ورغم الخدمات التي يقدمها "الخطافة" ودراجات "التريبورتور" والعربات المجرورة بالدواب، فإنه يمكن اعتبار وسائل النقل السري المختلفة قصة أخرى من المعاناة، في ظل السلوكات التي يتم اعتمادها من قبل سائقيها المنحرفين أو من الطامعين في تحقيق الربح السريع على حساب سلامة وحياة ركاب مغلوب على أمرهم. "الطاكسيات" وسيلة غير مجدية رغم أننا في 2023 وعلى عتبة 2024، إلا أن المواطن بالبيضاء أكبر المدن بالمغرب، مازال يعاني تبعات تدهور الخدمات، التي تقدمها سيارات الأجرة من الصنف الثاني "طاكسي حمر" إلى درجة اعتبارها وسيلة غير مجدية، في ظل ممارسات غير سوية لعدد كبير من مستعملي سيارات الأجرة الصغيرة، الذين يتساءلون عن كيفية حصول بعض السائقين على رخصة الثقة، حينما يصبح السائق المحدد لوجهات التنقل وكذا القيام بسلوكات تسيء إلى المهنيين عندما يختار أحدهم التدخين دون اكتراث بالإزعاج الذي يتسبب فيه للزبون، والضرر الذي يلحقه بصحته. معاناة تتكرر يوميا، سواء مع المواطنين الذين ينتمون إلى المدينة أو الوافدين إليها، مما يضطر المرء إلى دفع تسعيرة مضاعفة ليصل إلى مبتغاه، وقد ترتفع التسعيرة في الظروف والحالات الخاصة، منها المرضى والنساء الحوامل والعجزة، أو حينما يتعلق الأمر بالازدحام في أوقات الذروة أو المناسبات والأعياد الدينية والوطنية. ومن الأمور التي تكشف أن قطاع النقل يعيش الفوضى وعلى إيقاع "كلا يلغي بلغاه"، عملية اختيار الزبائن، حيث يفضل سائق طاكسي أشخاصا عن آخرين، انطلاقا من نوع الجنس وسنه وهندامه، في حين يتحجج البعض من السائقين بمشاكل اجتماعية للزيادة في تسعيرة النقل، أو اللجوء إلى التسول للاحتفاظ ب"الصرف". ورغم أن القانون المنظم لمهنة سائق سيارة الأجرة يفرض على المهنيين الالتزام بمجموعة من المقتضيات التنظيمية، وإلا تعرضوا لعقوبات تأديبية، يمكن أن تصل إلى حد سحب رخصة الثقة، إلا أن الواقع يظل بعيدا عن الشعارات المرفوعة لتجويد الخدمة. وساهم غياب مراقبة صارمة، سواء من قبل المصالح الأمنية المختصة، أو الجهات الوصية على القطاع، في دفع عدد من سائقي سيارات الأجرة الصغيرة إلى إثارة الفوضى بمحطات القطار بالعاصمة الاقتصادية، سواء من خلال إزعاج المسافرين بالوقوف أمام بوابات المحطات والصراخ لاستدراج الزبون، أو تعمد ترك الركاب أمام باب المحطة وفرض وجهات هم من يختارونها، فيما يلجأ البعض الآخر إلى أساليب المساومة والابتزاز، لتصبح عادة تتكرر عقب خروج أي مسافر من محطة القطار، سواء بمحطة البيضاء الميناء، أو الوازيس أو البيضاء المسافرين. وليست سيارات الأجرة الصغيرة المسببة لمعاناة البيضاويين وزوار المدينة، بل حتى "الطاكسي الكبير"، تحول إلى وسيلة ضغط نفسي لمستعمليه، بسبب تعمد بعض السائقين السياقة بسرعة جنونية وفرض آخرين تسعيرات غير قانونية، بحجة الزيادات المتكررة في ثمن المحروقات .

النقـل…”عـوم بحـرك”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البيضاء تتخلى عن "مصدر حياتها"

توديع مدير الضرائب بتطوان بالدموع

مقالات ذات صلة