نفائس فاس العتيقة : الخليفة الموحدي بنى باب محروق لصلب معارضيه

حصن المرينيون قلاع مدينتهم المشيدة بموقع فاس الجديد بإقامة سورين مزدوجين واحد داخلي وآخر خارجي كنمط معروف لدى البيزنطيين وظفه الموحدون في قرطبة وإشبيلية، تفصل بينهما مساحة تصل إلى نحو 10 أمتار تتخللها أبراج ذات زوايا قائمة ، مع انفتاح كل سور على العالم الخارجي بواسطة عدة أبواب على شاكلة بناء عدوتي القرويين والأندلس بقلب المدينة العتيقة.ولهذه الأبواب البالغ عددها بالعدوتين 30 بابا بينها 4 أبواب فتحت حديثا على الأسواق القديمة، شخصيتها الحضارية والمعمارية وعمقها التاريخي الأصيل، وما زالت شاهدة على عظمة بانيها باعتبارها مدخلا رئيسيا منفتحا على أزقة كبيرة تؤدي من وإلى وسط المدينة العتيقة وأحيائها الجذابة ودورها الفاخرة وأسواقها الواسعة ومعالمها ومنشآتها التاريخية والعمرانية، كلوحة فنية رائعة مدهشة.وتبقى 5 أبواب الأكثر شهرة بتأمينها المرور للجهات الأربع في باب الفتوح إلى الشرق وباب الكيسة إلى شمال فاس وبابي بوجلود ومحروق إلى الغرب وباب الحديد إلى الجنوب، إلى جانب باقي الأبواب التي لعبت دورا كبيرا في تحصين حكم من تناوبوا على حكم فاس، وتلك المحدثة بأسوار المدينة العتيقة خاصة بجانب باب الفتوح إلى الفخارين وقرب قصبة تمدرت، وجوار باب محروق.وترتبط تسمية بعض تلك الأبواب، بأسماء من بنوها أو بحوادث شهدتها، كما حال "باب محروق" المسمى كذلك لإحراق وتعليق جثة محمد بن عبد الله العبيدي الثائر بجبال الريف ووزان على السلطان، به، أو "باب الشريعة" كما سمي لتنفيذ الأحكام الشرعية بالإعدام في حق مخالفي الحكم الذين عادة ما كانوا يدفنون بالمقبرة المجاورة المسماة بالاسم ذاته قرب المحطة الطرقية، والمدفون بها علماء. ويحكي محمد معنى السنوسي، في كتابه "نبضات من قلب فاس: سيرة مدينة وتاريخها" الصادر في طبعته الأولى السنة الماضية عن دار النشر المغربية، استنادا إلى ما ورد في مؤلف "مذكرات من التراث المغربي"، أن عن هذا الباب الضخم والتاريخي الذي له عمق متسع وأقواس داخلية، "يدخله الفارس بالعلم العالي، والرامح بالرمح الطويل، من غير أن يميل العلم ولا يثني الرمح لارتفاعها".وذكر أن بعض الناس يعتقدون خطأ أن باب محروق الذي بناه الخليفة الموحدي محمد الناصر بن أبي يوسف يعقوب المنصور سنة 600 للهجرة شأنها شأن قصبة أبي الجنود أو "الوادي" مكان القصبة المرابطية، سمي كذلك لإحراق جثة العالم الأديب الأندلسي الشهير لسان الدين بن الخطيب، الذي يوجد ضريحه بالقرب منه، لكونه قتل بالسجن مسموما وأحرقت جثته فيما بعد. وجاء في كتاب "تاريخ مدينة فاس: من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين.. الثوابا والمتغيرات" الذي ألفه باحثون وأشرف عليه وأنجزه الدكتور محمد مزين وراجعه إبراهيم بوطالب، إن "باب الشريعة" أحدثت وخصصت لإعدام وصلب خصوم الدولة والثائرين عليها ومن وجبت عليه الحدود، موردا الحقيقة ذاتها لإعدام وتعليق جثة العبيدي الثائر بجبال ورغة وإحراق شلوه من وسطها. ويحكى أن الخليفة محمد الناصر مشيد الباب، كان يخرج منه إلى قصبة الشراردة وظهر الخميس، وقيل عنه الكثير في جل الكتابات التاريخية عكس باب "سليطن" الواقع على السور القديم بين هذا الباب القريب من المحطة الطرقية لفاس، وبين باب الكيسة، الذي سمي بهذا الاسم تصغيرا وتحقيرا لاسم سلطان لصاحبه الملك الإفرنجي ألفونسو السابع المتوفى في سنة 1157 ميلادية. ولا تقل باب بوجلود أهمية عن باب الشريعة، الواقعين بعدوة القرويين التي تأسست على إدريس بن إدريس وما بعده، الذي أحاطها بسور ابتداء من عقبة عين بوعلو أو "علون" وجعل لها أكثر من 13 بابا بينها باب الجرف أو "باب المقبرة" المغلقة في سنة 627 هجرية، وباب الفرس وباب السنسلة أو "باب الفرج" وباب الحديد المؤدي نحو القنطرة الكبيرة لوادي الزيتون، وغيرها.ويختلف الباب الحالي لبوجلود "باب أبي الجنود" نسبة إلى حامية الجنود التي كانت تنزل قرب مكانه، عن ذاك القديم الأصلي الواقع يمين الخارج من الحالي والأصغر منه وبه مركز للشرطة، والمغلق وغير المستعمل حاليا بعد بنائه في سنة 12 ميلادية الممتاز "بأقواسه وقبابه، ومدخله المنعرج من الخلف المؤدي إلى حي السلاليين وقصبة النوار" حسب ما ورد في كتاب السنوسي. وشيد باب بوجلود الحديث الذي يعتبر من أهم الأبواب الخمس الرئيسية للمدينة العتيقة وأكثر شهرة من القديم، في سنة 1913 على عهد الحماية الفرنسية، إذ خططه وهندسه المعلم بوزوبع، وأصبح يحتكر اسم ذاك القديم الذي أرجع احتمال تسميته كذلك إلى دعوة خطيب بجامع بوجلود قرب الباب وقف ضد فرض المكس على الجلود، بقوله "يا ودود أنزل نقمتك بمن يفرض المكس على الجلود".ويجذب الباب بشكله الحالي، انتباه الزوار من السياح المغاربة والأجانب الذي عادة ما يأخذون صورا للذكرى أمامه، للتأريخ لجمالية موقع وباب مبني على شكل قوس كبير في الوسط وقوسين صغيرين بجانبيه وواجهته الخارجية الجميلة التي زينت بقطع من الزليج يغلب عليه اللون الأزرق وواجهة داخلية جميلة زينت بقطع زليج أخضر، على غرار نسبة مهمة من أبواب فاس التاريخية. حميد الأبيض (فاس)

نفائس فاس العتيقة : الخليفة الموحدي بنى باب محروق لصلب معارضيه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصب الإلكتروني : ابعث رسالة واربح سيارة

أصوات يهودية من الذاكرة : سامي المغربي... عاشق الزين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات