كلاع: المرأة في مدونة الأسرة مسلوبة الإرادة

الحقوقية أكدت أن المساواة في الإرث ليست ضربا للشرع وأن زواج القاصرات اغتصاب قالت عائشة كلاع، المحامية بهيأة البيضاء ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الضحايا إن مسألة الإرث تعد من القضايا المطروحة اليوم بجدية على طاولة النقاش، في إطار التعديلات التي يمكن إدخالها على المدونة، وأضافت في "فطور مناقشة" رفقة حمزة النهيري الباحث في علم الأديان والفكر الإسلامي أن زواج الفتاة القاصر هو اغتصاب مزودج لها. أجرى الحوارين : كريمة مصلي والمصطفى صفر/ تصوير (عبد اللطيف مفيق) بعد أن أعطى جلالة الملك الضوء الأخضر لتعديل بعض نصوص المدونة، خرجت أصوات ترفض إدخال النصوص المتعلقة بالإرث، في هذا التعديل، كيف ترون ذلك؟ > النقاش اليوم حول مدونة الأسرة ليس حديثا، والمواضيع المتعلقة بمدونة الأسرة هي من المواضيع القديمة الحديثة، مادام أنها ترتبط بماهو اجتماعي ومجتمعي وبالقضايا ذات الصلة بالأسرة المغربية، التي عرفت تحولات على جميع المستويات بالنظر لما شهده المجتمع من تحول على جميع الأصعدة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ومن بين القضايا المطروحة اليوم داخل مدونة الأسرة، التي هي قانون يعتبر من بؤر التوتر الفكري داخل المجتمع لتعلقه بقضايا المرأة وما يثيره من نقاش، مسألة الإرث التي تعد من القضايا المطروحة اليوم بجدية على طاولة النقاش، في إطار التعديلات التي يمكن إدخالها على المدونة، والأمر لا يشكل إشكالا بقدر ما تشكله الطريقة التي يدار بها النقاش حول الإرث، على اعتبار أن التحولات التي عرفها المجتمع، تتطلب مواكبة لها على جميع الأصعدة، ومن ثم حينما ننادي باعتبارنا حداثيين بالمساواة في الإرث، ليس معناه ضرب النص القرآني ولا الحديث، ولكن هناك مجموعة من المقتضيات التي تدعم هذا الطرح، في مقابل رأي مخالف يرفض النقاش ويقول بأن هناك نصا قطعيا في مسألة الإرث، ولكن هذا الرأي يرد عليه بأن هناك مجموعة من النصوص القطعية في العديد من القضايا التي تجاوزها التاريخ، والقضايا والأحكام تدور وجوبا وعدما مع مسبباتها والوقائع التي تفرضها، ومن ثم يجب الاجتهاد في بعض النصوص، من بينها العصبة التي لا يوجد أي مقتضى قرآني ينص عليها لحرمان الابنة من الإرث كله، لأن الأصل في الإرث هو منحه للأقارب ومن ثم فالابنة هي الأولى. إذن في نظرك يجب إعادة النظر في بعض الجزئيات المتعلقة بالإرث؟ > بالتأكيد، وهنا يجب الوقوف عند نقطة مهمة، هي أن الإرث في أصله هو الوصية، والقرآن ينص على ذلك، رغم الاختلاف في هذه النقطة بين الفقهاء، بين من يقول بأن آية المواريث جاءت لنسخ الوصية والرأي الذي يقول بخلاف ذلك، وبأن الأصل هو الوصية، وأن الإنسان يتحكم في ما يملكه، وهذا الاختلاف عندما يطرح للنقاش، سيساهم في الاجتهاد وهو ما نصبو إليه، ولا بد من التأكيد على أن الأصل القرآني منح للمرأة الحق في الإرث الذي كانت محرومة منه في الجاهلية. الوضع الذي كانت عليه المرأة في السابق لم يعد موجودا اليوم، فالمرأة لم تعد معالة، بل أضحت تعيل أسرا وتتبوأ مناصب مهمة، وبالتالي فالنص يجب أن يساير هذا التحول، فعندما نقف عند قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، لم تحدد الأنصبة بشكل مضبوط كما في باقي الآيات، وتركت الباب مفتوحا، ومن ثم يمكن الاجتهاد، لأن الله ليس ظالما، ولا يميز بين المرأة والرجل، وهو ما يترجمه الاختلاف بين المذاهب الأربعة في بعض النقاط المتعلقة بالإرث، فالمذهب الحنفي لا يأخذ بالعصبة، في حين أن المذهب المالكي ينص عليها، وهو ما ينتج عنه من التفاف من قبل بعض الأسر التي تخشى على بناتها في غياب الابن، من خلال الوصية أو الهبة أو لحفظ حقوقهن، لماذا لا يتم تنظيم هذه المقتضيات باستخدام المرونة في التفكير وتطويع النص القانوني ليواكب التحولات التي يعرفها المجتمع وإعطاء النساء حقوقهن، خاصة أن جلالة الملك، الذي هو أمير المؤمنين، طالما يدعو إلى ضرورة الاجتهاد، فلماذا لا يتم تفعيل هذا الباب؟ المصلحة الفضلى للطفل زواج الأم الحاضنة وسقوط الحضانة عنها، من النقاط التي أثارت الكثير من الجدل وسط الجمعيات النسائية، وهناك مطالب بتعديل الفصل المتعلق بسقوط الحضانة عن المطلقة عند زواجها. ما ردكم؟ > المشرع عندما خصص مسألة الحضانة لفائدة الأم لم يكن يراعي مصلحة الأم أو الأب وإنما المصلحة الفضلى للطفل. وإذا كانت مصلحة الطفل مرتبطة بوجوده عند الأب فلا يمكن الاعتراض على ذلك، ولكن طبيعيا الأم هي الأقرب إلى الأطفال حينما يكونون في سن صغيرة. والطفل عند بلوغه 15 سنة، يصبح له الحق في الاختيار بين البقاء رفقة الأم أو الأب، وهو ما يجعلنا نؤكد أن هناك مسائل لا يتحكم فيها النص القانوني لأن هناك اعتبارات اجتماعية وطبيعة العلاقة بين الطليقين. هناك الطليقان اللذان تظل علاقتهما تسير بشكل عاد يسودها منطق الصداقة واحترام الآخر، وهناك العكس لأن الظروف الاجتماعية هي التي تتحكم في هذه العلاقة (المستوى الاجتماعي والتعليمي والثقافي)، ولذلك نحن نركز على التمييز الحاصل في هذه القضية، عدم المساواة في ما يخص المرأة المطلقة التي ما إن تتزوج حتى يتم حرمانها من حضانة أبنائها، بينما الرجل المطلق رغم زواجه من امرأة أخرى يحافظ على الحضانة. ولهذا أؤكد أنه آن الأوان لوضع مقتضيات جديدة من شأنها ضمان المصلحة الفضلى للطفل، بعيدا عن الخلاف الحاصل بين الأب والأم، حتى لا يضيع مستقبل الطفل بمجرد انفصال أبويه وقرار أحدهما الزواج، لأن مصلحة الأطفال ليست مرتبطة بالأم والأب وإنما هي مسؤولية مجتمع برمته، لأن هؤلاء الأطفال المعنيين بالقضية هم أنفسهم رجال ونساء المستقبل الذين سيسيرون شؤون وطنهم. تحولات كثيرة الملاحظ أن المرأة في مدونة الأسرة مسلوبة الإرادة في شأن الولاية، رغم أنها هي الأم الحاضنة، لكن لا يمكن أن تكون ولية شرعية على أبنائها ولا تتصرف في المسائل الإدارية لأبنائها، ما قولك؟ > الملاحظ في هذا الموضوع هو أنه يثير القضية نفسها في ما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء، على غرار الإرث والإنابة الشرعية والإنابة في الزواج بالنسبة للراشدة. المنطق نفسه، كان خلال حقبة مدونة الأحوال الشخصية، إذ كانت ترى أن كل شخص له القدرة على النفقة على نفسه إلا المرأة والسفيه والطفل، هذه النظرة كانت اجترارا للتاريخ، لكن في 2004، تغيرت الأمور، بعد صدور مدونة الأسرة، حيث أتت فعلا بالعديد من المكتسبات، لكن هناك قضايا أساسية متعلقة بالنساء ما زالت موضوع نقاش. أين يقع عمق الإشكال؟ هذا إشكال فكري له مرجعيات فكرية مختلفة، كيف نمكن المرأة من السلطة، لأنه منذ قرون ليست لها "مكنة" التصرف في المال والتسيير. واليوم عندما صرنا نناقش هذا الموضوع، هو في حد ذاته، إشارة إلى التحولات السوسيوثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها التي يشهدها المجتمع، والنيابة الشرعية تدخل في هذا الإطار نفسه. اليوم المجتمع المغربي تحول وصارت الكثير من النساء يعلن أسرهن. جدل الولاية الشرعية مسألة الولاية تطرح بشدة في حالة الطلاق، كيف ذلك؟ > فعلا، الإشكال لا يطرح عندما تكون رابطة الزواج قائمة، لأن النائب الشرعي وقتها هو الزوج (الأب)، المشكل يحدث عند انحلال ميثاق العلاقة الزوجية، وتكون الأم هي الحاضنة لأبنائها، فمن أجل القيام بإجراءات إدارية بسيطة لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، تجد نفسها مقيدة بضرورة الحصول على إذن الطليق (الأب)، وبالتالي لماذا لا يمكن تمكين المرأة من سلطة اتخاذ القرار، بدل حصر دورها في إيقاظ طفلها ومرافقته إلى المدرسة، ومساعدته على مراجعة دروسه والإشراف على علاجه، فكيف يعقل أنها من أجل القيام بإجراء بسيط جدا، مثلا نقله من مدرسة إلى أخرى، ملزمة بالحصول على إذن الطليق، والأمر نفسه في حال قررت السفر معه إلى الخارج، بل الأكثر غرابة أنه حتى في العلاج، هناك حالات تلزم ضرورة الحصول على إذن أب الطفل. وهذا يعني أننا نعتبر الأم ليست لها القدرة على تدبير شؤون المحضون، رغم أننا نسلمه لها على بياض، للإشراف على تربيته وتعليمه وأخلاقه وسلوكه، ما قد يجعله إطارا صالحا في المجتمع، كما قد ينتهي به المطاف مجرما، لكن عندما تقرر في مسألة معينة، تجد نفسها ممنوعة قانونا. ما هي فصول النيابة الشرعية التي حاولت الإجابة عن هذه الإشكالات؟ > بالعودة إلى فصول النيابة الشرعية، هناك مجموعة من الأمور المثيرة للنقاش، مثلا، رغم وجود الطفل المحضون لدى والدته، يمكن للأب تعيين الوصي على ابنه، في حين لا يمكن للمرأة ذلك. فالرجل دائما له القدرة الكاملة، ليكون وصيا على والده أو يعين من يقوم بهذا الدور، في حين تظل الأم ناقصة الأهلية لتحمل مسؤولية الابن، بل من بين أكثر إشكالات مدونة الأسرة إثارة، وهو ما جاء في المادة 237، أنه في حال سقوط الولاية عن الأب بحكم قضائي، يمكن تعيين وصي لابنه، رغم أن الأم تحتل الدرجة الثانية من بعد الأب، وهذا تنقيص غير مبرر للمرأة. لهذا فكل هذه الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، دون إغفال أن المادة 4 من مدونة الأسرة تتحدث عن إنشاء الأسرة تحت رعاية الزوجين، وبالتالي فإن مدونة الأسرة بها تناقضات يجب إعادة النظر فيها. فشل مجتمع ألا ترين أن زواج القاصرات يجب القطع معه؟ > دائما أقول إن مكان الطفل والطفلة هو المدرسة ولا يمكن تحميلهما مسؤولية أسرة في سن أقل من 18 سنة، وما يلاحظ من ارتفاع نسبة الطلاق في زواج القاصرين دليل على أن مثل هذه الزيجات غير صالحة، وما يجب الوقوف عنده هو أن القانون هو ابن مجتمعه، ويوضع بعد دراسات نفسية واجتماعية واقتصادية، ومن ثم فالمطالب التي تحملها الحركات النسائية في شأن تغيير مقتضيات المادة 20 من مدونة الأسرة التي تمنح للقاضي الحق في الإذن بتزويج القاصرات، وإلغاء هذا الاستثناء هو نتاج لدراسة مجتمعية لتداعيات الظاهرة على المجتمع، لأن تلك الطفلة تتعرض لاغتصاب مزدوج في جسدها ومستقبلها، إذ لا يعقل تزويج قاصر في 15 سنة إلى رجل يتعدى سنه خمسين سنة. كما أنه بقراءة مبسطة لنص المادة التي تأذن بذلك التزويج فإنها تتحدث عن زواج الفتاة والفتى وليس "أو"، ما يعطي الانطباع على زواجهما معا وليس بشخص ثان، وإن كانت هذه النقطة مرفوضة أيضا. المشرع المغربي حدد الأهلية في 18 سنة ومن ثم لماذا خلق الاستثناء لتزويج القاصرات، وهل المجتمع يعاني بسبب هذه النقطة؟ لماذا لم توفر لهؤلاء الطفلات المدارس للتعلم، ولماذا في البوادي يتم تحميل الطفلة مسؤولية وضع ليست مسؤولة عنه، في شأن الفاقة التي يعيشها والداها أو الدولة في عدم توفير المدرسة والطريق ودار الطالبة، ومسؤولية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وتنضاف إليها طامة كبرى متمثلة في أن القاضي المكلف بتزويج القاصرات لا يأخذ رأيها في الموضوع وإنما رأي وليها الشرعي، وكأنه هو من سيتزوج، بعيدا عن جميع المعايير المنصوص عليها قانونا وبل إنه يكتفي في حالات عدة بالنظر إلى البنية الجسدية لتلك الطفلة للسماح بزواجها.

كلاع: المرأة في مدونة الأسرة مسلوبة الإرادة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

84.5 مليارا لمشاريع عمالة البيضاء

الملاكمة تحتفي ببطلاتها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات