فتحاوي: النجاعة القضائية هي الفعالية في الأداء

الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف قال إن التفتيش التسلسلي هو مكنة للمسؤول القضائي للوقوف على الإخلالات قال عبد العزيز فتحاوي، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالبيضاء، إن العائق الأساسي الذي تعانيه جميع المحاكم هو مشكلة التبليغ، لقلة الأعوان، تنضاف إليها إكراهات النص القانوني التي لا تسعف في الاعتماد على المفوضين القضائيين في مسألة التبليغات كما هو الشأن بالنسبة إلى محاكم الاستئناف التجارية. وأضاف في حوار مع «الصباح» أن المسؤول القضائي يجب أن يجمع بين التجربة والتكوين القانوني، وألا تكون هناك نمطية في طريقة العمل، إذ أن كل محكمة لها طريقة تسيير تختلف عن الأخرى، ومن ثم فالمسؤول يتطلب منه توفير إستراتيجية عمل تتناسب والمحكمة التي وجد على رأسها. أجرت الحوار: كريمة مصلي – تصوير (فدوى الناصر) < كما تعرفون جيدا فالوضعية التي كانت عليها المحكمة قبل 2016، من خلال التراكم الكبير في عدد الملفات والتي كانت دائما تضعها في الخانة الرمادية للترتيب، تم التغلب عليها بشكل كلي، بتضافر جهود الجميع وانتقلت من الرمادي إلى الأخضر، إلا أن العائق الذي تعانيه المحكمة يخص بعض ملفات التحقيق، والتي لا المحكمة والقضاة لهم يد في التأخيرات التي تشهدها، بسبب أن بعضها أحيل من النيابة العامة على التحقيق ضد «مجهول»، أو أن التحقيق متوقف على إلقاء القبض على المتهم. أما بالنسبة إلى باقي الشعب، سواء المدني أو التلبس أو العقار أو الاجتماعي، فلا يوجد أي عائق بالنسبة لها. < في الوقت الحالي يتم تدارس الوضعية مع النيابة العامة بشأن المتهمين الذين يتطلب الأمر إلقاء القبض عليهم، والشيء نفسه بالنسبة إلى المساطر المحالة ضد مجهول، على اعتبار توحيد الاستراتيجية المستقبلية في التعامل مع هذه الملفات، ومن بين الإجراءات التي عملت على تنفيذها لأجل حل هذا الإشكال، حث قضاة التحقيق على الاكتفاء بالبحث التمهيدي في حال عدم حضور المتهم، وهو إجراء مستنبط من قرار لمحكمة النقض في هذا الاتجاه، لتصفية مثل هذه الملفات. أما العائق الأساسي الذي تعانيه، على ما أظن، جميع المحاكم هو مشكلة التبليغ، لقلة الأعوان، تنضاف إليها إكراهات النص القانوني التي لا تسعف في الاعتماد على المفوضين القضائيين في مسألة التبليغات كما هو الشأن بالنسبة إلى المحاكم الاستئناف التجارية، ورغم أن الأمر خارج عن إرادة المحكمة التي لا سلطة لها في مشكل التبليغات، إلا أننا نعمل في محكمة الاستئناف في البيضاء من خلال مجهودات خاصة قصد التغلب على هذه المعضلة، إذ تمت إضافة 10 من المنتدبين القضائيين الجدد للقيام بإجراءات التبليغ، إلى جانب أربعة أعوان تتوفر عليهم المحكمة، كما تمت مراسلة وزارة العدل من أجل توفير الدراجات النارية لهم، للقيام بحملات التبليغ، بالإضافة إلى البريد المضمون، وكلها إجراء يراد من ورائها التغلب على معضلة التبليغ. < محكمة الاستئناف بالبيضاء تعاني خصاصا مهولا من القضاة، وليس بشكل عاد، وهو الأمر الذي يثير بالنسبة إلي مخاوف حقيقية من أجل تداعياته المستقبلية، لأن المحكمة كانت تضم في السابق 147 مستشارا، والآن لا يتعدى العدد 92 مستشارا، علما بأن الملفات التي تسجل هي في تزايد مستمر، كما أن هناك ناقص 50 موظفا على مستوى كتابة الضبط. فالمسجل من القضايا في تزايد مستمر بما يقارب 16 ألف ملف سنويا، وهي الزيادة التي تقتضي زيادة 32 مستشارا بمعدل 500 ملف لكل مستشار سنويا، كما هو متعارف عليه، والأمر من شأنه أن يؤثر على سير العمل بالمحكمة، فضلا عن توقف العمل خلال السنة الماضية لعدم حضور الدفاع، ما ساهم إلى حد كبير في ارتفاع الحصة الفردية للقضاة إلى 597 قرارا. < بالنسبة إلي، النجاعة القضائية هي الفعالية في الأداء والفعالية في الكيف، والخطأ الذي يقع فيه البعض في تفسير السرعة التي تسير بها القضايا، أنها تضر بالكيف، لأن النجاعة والسرعة اللتين نتحدث عنهما تخصان الإجراءات التي تسبق إحالة الملف على القاضي، أما ما يخص فترة المداولة لا يمكن التدخل فيها ولا تقييد القاضي بأي مدة للبت في القضية، هذا بالنسبة إلى المدني أما بالنسبة إلى الجنايات فهناك مشكل حقيقي أمام كثرة الملفات المحالة على المحكمة، وهو ما استدعى إضافة هيأة جنائية ابتدائية رابعة، وأن كل الهيآت الجنائية، سواء ابتدائية أو استئنافية أضيفت لها جلسة أخرى، حيث أضحت تضطلع بثلاث جلسات في الأسبوع، كما أن هيآت الجنحي العادي أضيفت لها بعض القضايا التلبسية، إضافة إلى أن التنظيم القضائي الجديد نقل الغرف الاستئنافية الابتدائية إلى محكمة الاستئناف. ولا بد من الإشارة إلى أن عدد القضايا التي تثار في الجلسة لا تتم مناقشتها كلها وإنما فقط جزء يسير منها، وفي الوضع الحالي ومن خلال التنسيق مع الوكيل العام الحالي تم التحكم في العديد من القضايا من خلال ترشيد الاعتقال، وأن الملفات لا تحال كلها على المحاكمة إلا إذا كانت الأفعال ثابتة، وأن الملفات لا يجب إحالتها كلها على التحقيق، هذه الاستراتيجية الجديدة المتخذة بتنسيق مع الوكيل العام بدأت تظهر بوادرها على أرض الواقع. < التفتيش التسلسلي هو مكنة مهمة منحها المشرع للمسؤول القضائي للوقوف على ما قد يعتري العمل بالمحاكم من إخلالات يمكن معالجتها وتأطير القضاة، لأن التفتيش ليس الغاية منه تصيد الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها القضاة، وإنما يهدف بالأساس إلى التقويم والتوجيه والوقوف على الثغرات ومحاولة ترميمها، وموازاة مع التفتيش التسلسلي نعمل على توحيد العمل القضائي في الدائرة، وهي مسألة دأبت محكمة الاستئناف على تفعيل على امتداد السنوات الماضية، إذ يتم عقد لقاء بين رؤساء الهيآت ورؤساء الغرف التابعة لهم لأجل الوقوف على النقاط وتوحيدها من خلال توجهات محكمة النقض، والشيء نفسه بالنسبة إلى المحاكم الابتدائية، إذ يتم توحيد العمل القضائي على ضوء تلك المستخرجات التي تم التوصل إليها من خلال تلك اللقاءات، وهذه الطريقة تمكن من الوصول إلى نتائج مهمة بجهد ووقت أقل . < منذ سنوات قليلة خلت كثر الحديث عن النجاعة القضائية، فانبرت الإدارة المركزية لسن البرامج المعلوماتية وجعلت التحديث من أولى أولوياتها والإدارة المركزية بذلك تروم توفيـر ولـوج سلس للعدالة، وضمان المعلومة القضائية الآنية، وعدالة فعالة ناجعة سريعة وغير متسرعة، وفي حلة لائقة، والكل في أفق تنزيل المحكمة الرقمية، وقد استفاد الجميع من هذا التحديث فغدا عمل المحاكم كالمرآة، وتيسرت المعلومة القضائية، وتحققت النجاعة المرجوة، علما أن تدبير الملفات قضائيا وإن كانت تيسره المعلوميات، فتظل اللمسة البشرية للمسؤول القضائي والموارد البشرية لازمة له. من هنا فكرت في إحداث قسم لتدبير النجاعة القضائية باستئنافية فاس، وتوسيع مجـال اختصاصه بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، لأني وجدت الأرض خصبة للعمل، ووجدت خلية تقنية مؤهلة ومبادرة. سياسة جنائية بطابع محلي < إذا كان القاضي صناعة، فالمسؤولية هي فن هذه الصناعة، والمسؤول القضائي يجب أن يجمع بين التجربة والتكوين القانوني، وألا تكون هناك نمطية في طريقة العمل، إذ أن كل محكمة لها طريقة تسيير تختلف عن الأخرى، ولذلك يتطلب من المسؤول توفير استراتيجية عمل تتناسب والمحكمة التي وجد على رأسها، ومثال على ذلك إذا كانت لدى المسؤول القضائي القدرة على العمل بصفة عمودية في محكمة ما فلا يمكنه نقل طريقة العمل تلك إلى محكمة الاستئناف في البيضاء، إذ هناك يتم العمل بطريقة أفقية من خلال مشاركة نواب الرئيس الأول أو رؤساء الغرف، التدبير وتجزيئ العمل بشكل يساهم في تحقيق النجاعة القضائية على مستوى التسيير، عوض فتح عدة أوراش في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي تكون له انعكاسات سلبية على سير العمل. ما يجب الوقوف عنده بشكل أساسي أن ة تدبير تسير محكمة الاستئناف بالبيضاء يتم في إطار استراتيجية عمل على مراحل، توضع ضمنها أولويات العمل، أثناء التحاقي بالمحكمة كان المأزق الذي يواجه العمل هو التحديث، وهو الورش الذي اشتغلنا عليه كثيرا حتى استطاعت المحكمة أن تتبوأ مراحل متقدمة بالنسبة إلى باقي المحاكم، خلافا لما كان عليه الوضع في السابق، والذي كان يضعها دائما في الخانة الرمادية. وبعد ورش التحديث جاء التبليغ وبعدها الحفظ، وهي إستراتيجية مكنت من تحقيق نقاط مهمة في شأن تدبير العمل الإداري بالمحكمة، كما أن تحرير الأحكام لم يعد يستغرق أوقاتا كثيرة، كما كان في السابق. الشكايات... لا مكان للسرية كل شكاية تتوصل بها مؤسسة الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف بشأن أي شبهة كانت، يتم تدبيرها بشكل علني، وبإشراك نواب الرئيس الأول في معالجتها والوقوف على النقاط التي تتضمنها ومدى صحتها، وفي حال تبين عدم وجود أي مخالفة قانونية تتم مكاتبة المشتكي أو محاميه لسلك طرق الطعن المخولة له قانونا. وفي حال ثبوت الفعل المضمن بالشكاية يتم تقديم تقرير بشأنها، إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهذه الإجراءات يعلمها القضاة جميعهم في إطار الشفافية والوضوح، فالتعامل يتم بحسن النية الذي هو الأصل، كما أن إشراك النواب في تدبيرها يعطيها الكثير من المصداقية. الأخلاقيات ... الانطلاق من المسؤول أولا في كل النقاشات التي تثار حول الأخلاقيات ومدونتها، هناك تساؤل استحضره هو هل هذه المدونة أداة لتقويم القاضي أم النموذج الذي يجب أن يكون عليه، فإن كانت من أجل التقويم فالمسألة ستكون صعبة لأنه يفترض فيه ذلك منذ البداية وليس حتى دخوله المجال، وبالنظر إلى المسؤولية التي وضعها المجلس على عاتق المسؤول القضائي، باعتباره مستشارا للأخلاقيات، في المراقبة والتتبع والإرشاد، فبشأن القضايا التي قد تثار في هذا الشأن، فإن طريقة تدبيري لها تكون بشكل مختلف، إذ أحرص على حل المشكل بشكل ثنائي بيني وبين القاضي، تتضمن نوعا من التأطير والتوجيه، سواء على مستوى محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية التي توجد في دائرة نفوذها، هذا بالإضافة إلى التوجيهات والدوريات التي تنصب في هذا الشأن، أضف إلى ذلك أعتبر أن أمر الأخلاقيات لا يتعلق بمجرد توصيات تتلى، وإنما الانطلاق من المسؤول القضائي أولا، إذ أن سلوكه وتدبيره للشأن القضائي وسموه في التعامل واحتواءه للقضاة، والحيطة والحذر من ملامسة الخيط الرفيع بين التدبير والتأطير وبين الاستقلال، هو نبراس يجب أن يتبعه في التسيير، وأن مبدأ استقلال القاضي ليس استقلالا عن سلطة ثانية، أو أن يفعل القاضي ما يريد، بل هو استقلاله عن ذاتيته وميوله. جودة الأحكام مسؤولية القاضي من المسائل التي يجب الحرص على القيام بها، من قبل القضاة ورؤساء الهيآت، إيلاء القضايا والملفات المطروحة عليهم حقها في التداول الذي هو سنام العدالة، بالإضافة إلى الاطلاع على التعليل ومراجعتـه والحرص على الكيف، ومراقبة تحرير القرارات التي يصدرونها، إذ هناك رؤساء هيآت لا علم لهم بالمحرر من القرارات، كما أنه تجب الإشارة وهذه من النقاط التي أكدت عليها في الجمعية العمومية الأخيرة، أن الاطلاع القبلي على الجلسة يعتبر من أولويات النجاعة، التي لا يحرص عليها عدد من المستشارين غير المقيمين بهذه الدائرة القضائية، كما أنه يجب احترام جدول جلسات البحث حسب القاعات والتوقيت، وتفادي تعيين جلسات البحوث في يوم الجلسة العادية. بورتريه القاضي الشاعر ربما كان المسار المهني لعبد العزيز فتحاوي، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالبيضاء، غير الذي عليه الآن، لو أن العاصمة الاقتصادية كانت تضم بين جامعاتها كلية للآداب، وقت حصوله على شهادة الباكالوريا، غير أن رياح التعليم قادته إلى جامعة الحسن الثاني للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، التي تلقى فيها تكوينه القانوني وزرع داخله حبه الشديد للقضاء، والذي ازداد وتيرة خلال التحاقه بالخدمة المدنية بالمحكمة الابتدائية في ابن سليمان، لمدة ستة أشهر، ليقرر اجتياز مباراة الملحقين القضائيين، وتبدأ رحلته في سلك القضاء. كانت البداية بعد التخرج من المعهد العالي للقضاء، في ابتدائية بركان التي قضى بها خمس سنوات، وفي 1987 انتقل للعمل بالبيضاء بين ابتدائية آنفا وابتدائية ابن مسيك، إلى 1994، حيث عين مستشارا بمحكمة الاستئناف التي يرأسها الآن، واستمر عمله بها إلى 2000، ليدخل القاضي الشاعر الذي لم يتخل عن حبه للشعر والأدب رغم جفاف القانون، إلى مرحلة جديدة في حياته طبعتها المسؤولية القضائية، إذ عين رئيسا للمحكمة الابتدائية لابن سليمان، التي قضى فيها الخدمة المدنية، وبعدها رئيسا للمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، ورئيسا للمحكمة الابتدائية بفاس. المراحل المهنية في حياة فتحاوي متنوعة، فبعد ممارسته للمسؤولية لسنوات، عاد إلى محكمة الاستئناف بسطات مستشارا، لينتقل إلى العمل الإداري بالمفتشية العامة لوزارة العدل وبعدها مستشارا بديوان وزير العدل، ثم مستشارا بمحكمة النقض لسنتين، ليعود مرة أخرة للمسؤولية، من خلال منصب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بفاس، وفي 2016 حل بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، التي يمارس بها إلى حد الآن رئيسا أول لها. فتحاوي حافظ على بساطته في الحياة العادية، وعلى تشبثه ببيت العائلة الذي يدأب دائما على زيارته بشكل متواصل، وعلى تعلقه بذكريات حيه الشعبي بالبيضاء. الرئيس الأول يؤمن بأن القضاء ليس مهنة، ولكن رسالة عظيمة تتطلب جهدا مضاعفا من قبل أي شخص يمتهنه.

فتحاوي: النجاعة القضائية هي الفعالية في الأداء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التحقيق في قروض "انطلاقة" بـ 4 ملايير

تحت الدف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات