تسبيقات السكن… شروط تنتهي بمآس

وسيلة للنصب وجمع الملايير واستمرار الآفة رغم تكرار الحوادث يسائل السلطات شكلت واقعة اعتقال مدير شركة عقارية مختصة في الشقق من النوع الرفيع وفيلات، والتحقيق معه من قبل عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة، على خلفية تورطه في السطو على 5 ملايير من تسبيقات الزبناء المودعة بمكتبه، (شكلت) حدثا هز الرأي العام الوطني، وأعادت إلى واجهة النقاش جرائم النصب المتعلقة بالمشاريع السكنية، والتي تتم بواسطة شروط "التسبيقات" لاقتناء بيت على الورق، سرعان ما يكشف الواقع أنها مجرد وسيلة للسطو على أموال الزبون . من منا لا يحلم بامتلاك سكن يؤويه رفقة عائلته الصغيرة، من أجل الاستقرار، لكن الحقيقة عكس ذلك، بعد أن تحول الحلم إلى كابوس نغص حياة العشرات من الأفراد والأسر، والسبب يعود إلى تواصل مسلسل تورط عدد من المنعشين العقاريين ومديريهم التجاريين في النصب والسطو على أموال الزبناء، الذين يمنون النفس بامتلاك سكن، دون إثارة الضجيج ولفت الانتباه، بواسطة شروط مجحفة تتمثل في إلزام الزبناء الشراء على الورق ودفع تسبيقات لضمان الاستفادة من الشقة الموعودة، التي يتضمنها المشروع السكني. وتفتقت "عبقرية" مجموعة من الباحثين عن الاغتناء غير المشروع وبشكل أسرع، بابتكار حيلة إنشاء مشاريع عقارية وهمية للنصب على المنخرطين بها، عن طريق جمع الأموال المخصصة للشروع في بناء مشاريع لشقق وفيلات، قبل الانتقال إلى مرحلة الاستحواذ عليها عن طريق شرط "التسبيق" باستغلال السمعة الطيبة لشركات عقارية ومنعشين عقاريين أكفاء ونزهاء، لاستدراج الضحايا قبل تركهم يندبون حظهم العاثر، الذي أسقطهم في شرك نصابين محترفين. واهتز الرأي العام لهذا النوع من القضايا، نظرا لخطورة العمليات وعدم تقبلها، بسبب أن المتورطين لم يكونوا سوى منعشين ورجال أعمال ومديرين تابعين لشركات كبرى متخصصة في الاستثمار في العقارات السكنية، استغلوا ثقة زبنائهم الذين منحوهم تسبيقات تتجاوز 50 في المائة، ومنهم من دفع ثمن الشقة أو الفيلا كاملا، رغبة في تسريع وتيرة الاستفادة، قبل أن يجد نفسه ضحية عمليات إجرامية لعصابات منظمة، على غرار ما شهدته مراكش من جريمة للنصب صاحبها مدير تجاري لإحدى أهم الشركات المستثمرة في مجال العقار الفاخر بالمغرب. سرقة 5 ملايير تسبيقات بعد أن اختار المدير التجاري المتهم بالنصب، تسليم نفسه لعناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمراكش، والتي أنجزت محضر الإيقاف، إثر تعبه من الفرار وبعد أن علم أن اختفاءه سيكبده خسائر كبيرة، تتمثل في تحمل مسؤولية جرائم نيابة عن باقي شركائه، أمرت النيابة العامة بتسليمه لعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للإشراف على الملف وإتمام وتعميق مجريات البحث. وعكفت إجراءات البحث القضائي الحالي، الذي تباشره عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة، على كشف ملابسات العمليات التي تورط فيها الموقوف، والذي كان يشغل منصب مدير تجاري لشركة عقارية مشهورة تملك العشرات من المشاريع بمختلف أنحاء المغرب، قبل أن يصبح مطاردا إثر اتهامات بالاستيلاء على 5 ملايير سنتيم من التسبيقات، التي أودعها الزبناء في مكتبه، وهي الأبحاث التي تهدف إلى تحديد امتدادات عملياته الإجرامية، لكشف هوية باقي شركائه المتورطين. وعمد المدير التجاري الموقوف إلى استخلاص تسبيقات من زبناء المشروع السكني الراقي، الذي يتوزع ما بين فيلات وشقق وبقع أرضية ومحلات تجارية، انطلقت فيه عمليات الحجز منذ أشهر خلت. واستغل الجانح الضحايا الذين وثقوا فيه لصفته وقيمة الشركة لشهرتها في سوق العقار للسطو على أموالهم من "التسبيقات»، إذ هناك ضحايا أدوا مبالغ مالية تصل إلى نصف ثمن الشقة والفيلا المرغوب فيها، بعد أن تم اشتراط ذلك عليهم لتسريع وتيرة الاستفادة، قبل أن يجد الزبناء أنفسهم ضحية عملية نصب خطيرة، من قبل جانح يحمل صفة مسؤول تجاري استغل أموالهم المودعة بمكتبه للسطو عليها لحسابه الخاص، بهدف تحقيق الاغتناء السريع بطريقة غير شرعية. ورغم أن القانون يمنع أداء مبالغ التسبيق نقدا لاقتناء شقق أو فيلات مازالت في طور البناء، إلا أن الزبناء تم إلزامهم بدفع تسبيقات نقدية للمدير التجاري المتهم، مقابل تسلمهم وصولات تحمل رأسية الشركة وخاتمها، قبل أن يصعقوا لفرار المشتبه فيه بعد استيلائه على ملايير السنتيمات من التسبيقات المودعة بمكتبه. ويعول على الأبحاث القضائية التي تجريها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة، لإسقاط باقي المتورطين معه وكذا تحديد علاقته بالموثقة الهاربة إلى كندا وامتدادات أنشطتهما وحصر عدد ضحاياهما ومصير الأموال المختلسة. غياب المحاسبة يولد التغول من بين الحالات التي تؤكد أن شروط دفع "التسبيقات» أضحت عملية للنصب والاحتيال، من قبل عدد من الجانحين يسيئون إلى سمعة منعشين نزهاء، تغول منعش عقاري له سوابق متعددة في النصب ببوسكورة بالبيضاء، بعد أن واصل سلسلة جرائمه دون محاسبة بمراكش، وغيرها من المدن الأخرى. وفي غياب المحاسبة رغم الوقفات الاحتجاجية ونداءات الاستغاثة التي وجهها ضحاياه بالبيضاء، تغول المستثمر بعد أن نقل المأساة إلى عشرات الأسر بمراكش، عن طريق شركته الاستثمارية في ميدان العقار. وتسبب التأخر في التسليم الذي استمر أزيد من خمس سنوات، في احتقان وسط المتضررين، الذين أصبحوا يخرجون للشارع لتنظيم عدة وقفات احتجاجية أمام مكتب البيع بتجزئة توجد بسيدي يوسف بنعلي، للمطالبة بالتعجيل في تسلم شققهم، نظرا للظروف الاجتماعية التي يعيشونها، بسبب أداء تسبيقات مالية مهمة، جعلتهم يعيشون أزمات مالية، بسبب استمرارهم في الكراء طيلة خمس سنوات الماضية، وأدائهم أقساط الديون في الوقت ذاته لشقة لم تطأها أقدامهم. ومن الأمور التي تحرج الشركة العقارية، عجز مسؤوليها عن تحديد تاريخ تسليم الشقق للمتضررين، مفضلين سياسة الهروب إلى الأمام بالتحجج بأن المسائل التقنية والإدارية، سبب تأخير تسليم الشقق لأصحابها، وأن المشروع اقترب من نهايته وأصبح جاهزا للتسليم في المستقبل القريب، الذي يبقى في نظر الضحايا بعيد المنال. مصير معلق من بين الملفات التي تفجرت في الشمال، قضية منعش عقاري بطنجة، أصدرت النيابة العامة في حقه مذكرة بحث على الصعيد الوطني، بتهمة النصب والاحتيال، بعد أن أوهم ضحاياه بشراء شقق سكنية في طور البناء، مقابل دفع مبالغ أولية، تراوحت ما بين 50 ألفا و100 ألف درهم. وتعود تفاصيل القضية التي ذهب ضحيتها أكثر من 70 رب أسرة، حينما أسس المتهم شركة عقارية ووزع إعلانات تروج لمشروع سكني، وهي الإعلانات التي شجعت الراغبين في السكن على التقدم إلى الشركة العقارية، من أجل التعاقد معها ومباشرة إجراءات البيع والشراء. وتقدم عدد من أرباب الأسر بالمدينة ومهاجرون بالديار الأوربية إلى صاحب الشركة، من أجل اقتناء الشقق المدرجة ضمن المشروع السكني وقاموا بدفع مبالغ أولية، تتراوح ما بين 50 ألفا و100 ألف درهم. وبعدما انتشرت فضيحة فرار المنعش العقاري تبين للضحايا الذين يتجاوز عددهم أكثر من 70 شخصا، أنهم وقعوا ضحية نصب واحتيال باسم مشروع سكني، ليقرروا التقدم بدعوى استعجالية مرفوعة من قبل دفاعهم، يطالبون فيها صاحب المشروع بإتمام البيع وتسليمهم شققهم أو إرجاع مبالغهم المالية، التي حصل عليها منهم عن طريق وعد بالبيع، إذ ألزمهم بدفع مبالغ أولية أو ما يعرف ب"التسبيق». وبعد انكشاف فضيحته في النصب باسم مشروعه العقاري، أصدرت المحكمة الابتدائية بطنجة حكما يقضي في حقه بإكمال البيع وتسليم المتضررين شققهم أو إرجاع مبالغهم التي سلموها له، إلا أن الأمر توقف لصعوبة التنفيذ، نظرا لأن الشركة لم تعد قائمة، كما أن الأصول التجارية غير موجودة، وهو ما يجعل مصيرهم الضياع. وأمام تعذر تنفيذ الحكم القضائي، أصدرت النيابة العامة مذكرة بحث في حقه، إلا أنه مازال مختفيا عن الأنظار منذ ثلاث سنوات، وما زالت مئات الأسر تعاني تبعات تبخر حلمها في سكن كريم. "باب دارنا"... الدرس غير المستخلص لم تشف إدانة محكمة الاستئناف الرئيس المدير العام ل "باب دارنا"، ب15 سنة سجنا نافذا، والموثق المتابع في الملف ب12 سنة، وتوزيع أحكام على المتهمين بلغت في مجموعها 51 سنة، غليل الضحايا الذين يبلغ عددهم 1400 شخص، إثر انسداد الأفق أمامهم، بعدما ضاعت أموالهم وتبخرت أحلامهم لتتحول إلى جرح لن يندمل. ورغم الضجة الكبيرة التي خلفها ملف "باب دارنا" باعتباره أكبر عملية نصب عقارية بالمغرب، إثر تعرض العشرات من الضحايا للنصب من قبل صاحب الشركة العقارية، بعد استيلائه على أكثر من 40 مليار سنتيم، من ضحايا نصب عليهم، من لدن المجموعة الاستثمارية العقارية، التي قامت بتسويق مشاريع عقارية "وهمية" بأسعار مغرية، إلا أن الدرس لم يتم استخلاصه من قبل الجهات المسؤولة لمنع قضية "التسبيقات" في اقتناء الشقق والفيلات التي ماتزال في طور البناء أو على الورق، لتفادي تكرار مآس اجتماعية، بهدف وقف نزيف النصب العقاري الذي مازال مستمرا. غياب تشريع جنائي رادع قال محمد الحلاكي المحامي بهيأة آسفي، إن الموضوع لا يحتاج إلى مجرد قراءة وإنما إلى تشريح لهذه الآفة في حال عدم اعتبارها ظاهرة، موضحا أن الأمر يمتد حتى إلى تلك المشاريع السكنية التي تلتزم بتنفيد مقتضيات العقد الرابط بينها وبين زبنائها إذ تقع في مشاكل كبيرة، حتى وإن سلمت للمشتري العقار المتفق عليه، إذ غالبا ما يجد الشخص نفسه وسط مشاكل إما مالية أو تقنية، تتعلق بآجال التسليم وشروط التسليم وجودة العقار المسلم إلى صاحبه. وأكد الحلاكي في تصريح لـ"الصباح"، أن هذه الآفة تحتاج إلى تشريع قانوني، بعدما أصبحت ظاهرة "المافيات العقارية" الأكثر شيوعا، حتى أن البعض أصبح يتخذها عملا مدرا للربح، في غياب التشريع الجنائي الرادع. وأوضح المحامي بهيأة آسفي، أن أصحاب هذه المشاريع لعلمهم المسبق بأن غايتهم من إنشاء مشروع وافتتاح عملية الاكتتاب عن طريق دفع تسبيقات مالية، اختلاس الأموال، يلجؤون إلى وسائل احتيالية و تدليسية لدفع الأشخاص إلى التعاقد ودفع أو ضخ مبالغ مالية، إما بحسابات غالبا ما تكون شخصية أو مباشرة إلى القائمين على المشروع السكني، الذي يبقي مجرد تصاميم على الورق وأرقام لا دليل واقعيا على قيامها. وكشف الحلاكي أن عمليات التسبيقات، تنتهي بإسقاط العشرات من الضحايا لهذه "المافيا"، وهي القضايا التي تعج بها المحاكم، إذ يكون محور القضية اختلاسات بالملايير، تنتهي بأحكام قضائية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجبر الضرر المادي والمعنوي، الذي لحق بالضحايا. وفي ما يخص العقوبات التي يجب أن تفرد للمتورطين، أكد المحامي، غياب تأطير قانوني خاص لهذا النوع من الجرائم وإن كان المشرع ألحقها بجرائم الأموال، مشددا على أن هناك ضعفا قانونيا من حيث الرقابة القبلية و البعدية، الأمر الذي يفتح شهية الأشخاص، الذين تكون غايتهم النصب على الزبناء. وحسب المتحدث نفسه، فإن الفصل 540 من القانون الجنائي، يعتبر غير فعال من الناحية القانونية و يحتاج إلى تشريع مستقل بهذا النوع من الجرائم، مضيفا " مع إخراج تشريعات تواكب خطورة هذه الأفعال عن طريق إيجاد آليات للمتابعة والمراقبة والتتبع للأموال المختلسة واسترجاعها، وكذا تفعيل دور المؤسسات البنكية في عملية المراقبة المالية وإعطائها دورا استباقيا للوقاية من وقوع هذه الجرائم". وختم المحامي محمد الحلاكي قراءته لملف التسبيقات، بالتأكيد على أن الدولة أعطت لهذا النوع من المشاريع حرية المنافسة، إذ تظل مراقبتها محدودة وغير مؤطرة، مقترحا ضرورة إعادة التفكير في إحداث آليات جديدة، لما تحمله من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة على الدولة، وعلى مصداقية الواجهة الاستثمارية للبلد. مطالب بوقف النزيف في سياق التفاعل مع قضايا النصب والاحتيال، الناتجة عن التسبيقات المفروضة على الزبائن، الراغبين في حجز شقق أو فيلات، التي أصبحت وسيلة لتحقيق الاغتناء غير المشروع، أجمع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، على استنكار الأفعال الإجرامية المرتكبة باسم مشاريع وهمية، وكيف أصبحت "التسبيقات» وسيلة سهلة لتنفيذ مخططات النصب على الحالمين بامتلاك السكن أو الساعين لتغيير الأجواء. وفي هذا الصدد اختارت "الصباح" عددا من التدوينات التي حفل بها الفضاء الأزرق. «لا أفهم كيف يتم إلزام المشتري بدفع تسبيقات نقدية، أو نصف ثمن الشقة، شرطا لحجز سكن لا يوجد في الواقع، وإنما مازال على الورق، في الحقيقة إن الوضعية تشكل خطرا على الأمن والسلم العامين، بعدما تحولت إلى مآس اجتماعية لعشرات الأسر في مختلف المدن". «أشنو ذنب داك السيد ولا العائلة التي باغين اشريو دار فين اسكنوا، حتى كيلقاو راسهم ضحية نصابة؟ ألا يوجد قانون يمنع التسبيقات التي أضحت ابتزازا للحالمين بالسكن؟ أتمنى التدخل العاجل للدولة لأن الوقائع تتكرر بشكل مرعب». «قضية الشرا فالبلان والبني مازال ماكمل، يجب أن يوضع لها حد من قبل الحكومة ووزارة الوصية على قطاع السكن، لأن ضحايا مشاريع السكن أضحوا في تزايد مستمر". «آن الأوان لإعادة النظر في القانون، بتشريعات جديدة، من أجل إنزال أقصى العقوبات الحبسية على من يفكر في النصب باسم المشاريع السكنية، لأن القضايا الشبيهة بواقعة «باب دارنا» مازالت مستمرة وتحصد آلاف الضحايا في العديد من المدن والأقاليم، من قبل منعشين تحولوا إلى منهشين».

تسبيقات السكن… شروط تنتهي بمآس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قالوا

برنامـج عمـل ينصـف المجـالات الترابيـة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات