أعطاب في آليات مراقبة الأسعار

الغنبوري دعا إلى مأسسة عملية تتبع الأسواق وإعادة النظر في النظام الحالي لأسواق الجملة نبه علي الغنبوري، نائب رئيس مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، ومنسق البرامج داخل مرصد العمل الحكومي، إلى ضرورة مأسسة آليات مراقبة وتتبع الأسواق الوطنية وتطور أسعار المواد الغذائية الأساسية، بإعادة توجيه الموارد البشرية للقطاعات المعنية، في اتجاه تعزيز التركيبة البشرية المكلفة بالمراقبة الميدانية، مستعجلا إعادة النظر في النظام الحالي لأسواق الجملة لتجنيب المستهلكين أداء هوامش ريعية، في شكل مكوس وإتاوات. * أصدرتم ورقة تنفيذية حول التضخم و ارتفاع الأسعار ترصد أعطاب العمل الحكومي، ماهي معالم خارطة الطريقة المقترحة بهذا الخصوص ؟ ** قدم مرصد العمل الحكومي عددا من التوصيات، من خلال قراءته للوضعية الاقتصادية الوطنية ومتابعته لمجمل تدخلات الحكومة للتعامل مع الأزمة، في بعدها الآني والمتوسط المدى قصد المساهمة في النقاش العمومي حول أزمة التضخم وغلاء الأسعار، وطرح وجهة نظر مدنية يمكنها أن تساهم في تجاوز الأزمة و تبعاتها المؤلمة على القدرة الشرائية للمغاربة. على المدى الآني أوصى المرصد بتعزيز آليات مراقبة وتتبع حركية الأسواق الوطنية وتطور أسعار المواد الغذائية الأساسية بإعادة توجيه الموارد البشرية للقطاعات المعنية نحو تعزيز التركيبة البشرية المكلفة بالمراقبة الميدانية، والإيقاف المؤقت لاستخلاص عدد من الضرائب المتعلقة ببيع المواد الغذائية الأساسية موضوع أزمة الأسعار، وفي مقدمتها الضريبة على القيمة المضافة، ووقف العمل بالنظام الحالي لأسواق الجملة لتجنيب المستهلكين أداء هوامش ربحية ريعية، وفرض قواعد مؤقتة تلغي المكوس والإتاوات الحالية،وتفعيل أدوار مؤسسة مراقبة المنافسة، وتطبيق القانون في ما يتعلق بالاحتكار، والإسراع بإخراج المراسيم التطبيقية لقانون مجلس المنافسة. * كيف يمكن تجنب تكرار هذه الأزمات في المستقبل؟ **على المدى المتوسط أوصى المرصد بوضع نظام تسويق للمواد الغذائية، بمسارات واضحة، عبر إحداث مؤسسة وطنية للتسويق تمكن المنتجين والمستهلكين من التوفر على معروض يستجيب للطلب الحقيقي دون الدخول في سلسلة المضاربات وهوامش الريع، إضافة إلى مطلب الإصلاح الشامل للنظام القانوني لأسواق الجملة الذي يعود إلى سنة 1962، باعتماد معايير حديثة وبدفاتر تحملات واضحة تلغي أي إمكانية لاستمرار الريع المشكل للنظام الحالي، والاستثمار في تمكين القطاع الخاص من إنشاء منصات للتوزيع والتعبئة بشروط تنافسية واضحة، مع ضرورة وضع آليات حقيقية للتسويق الالكتروني، تمكن المنتجين من توزيع منتجاتهم بما يضمن الفعالية وتوافق العرض مع الطلب، وتسريع الانتقال الطاقي نحو الطاقات المتجددة واستغلال الإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب، والتي تضعه بين أول خمس دول في العالم من حيث إنتاج الطاقات المتجددة، بما يمكن من تخفيف التبعية الطاقية ويخفف من فاتورتها. * لكن الحكومة تبرر الصعوبات التي تواجهها بسياق عالمي متأزم، كيف تردون على ذلك؟ ** هناك نسبة من الحقيقة في ذلك على اعتبار أن الاقتصاد العالمي يعيش على وقع أزمات متعددة ومتوالية ضربت مختلف دول العالم وأدت إلى اختلالات عميقة في البنية الاقتصادية الدولية، وحدت من النمو الاقتصادي العالمي ودفعته إلى التراجع من 6.1 في المائة سنة 2021 إلى 3.2 سنة 2022، مع ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات قياسية وصلت 8.8 في المائة سنة 2022، نجم عنها تبني سياسات مالية مشددة مضادة للتضخم، فمن المتوقع أن يكون لها تأثير مؤلم يجسده تراجع النمو العالمي إلى 2.9 في المائة ويعانى الاقتصاد الدولي من تبعات كورونا ومن آثارها المدمرة لعدد من القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية. كما عاش العالم على وقع ضغوط كبيرة ولدتها استعادة النشاط الاقتصادي الدولي لمرحلة ما بعد كورونا وتأثيراته على سلاسل التوريد والإنتاج العالمي، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها القوية على مختلف الأسواق والاقتصاديات العالمية، خاصة في ما يتعلق بأسعار المواد الغذائية والمواد الطاقية التي سجلت ارتفاعا قياسيا على الساحة الدولية، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 14.3 في المائة سنة 2022 بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية والأسمدة، كما تجاوزت أسعار النفط سقف 120 دولار للبرميل في فترات متعددة من السنة الماضي لتعاود الانخفاض بشكل مطرد وغير ثابت لتصل إلى عتبة 80 دولارا، لكن في ظل حالة عدم الاستقرار وفي ظل مجموعة من المخاطر المرتبطة بقرارات الأوبك بتخفيض الإنتاج وقرارات الاتحاد الأوروبي بشان منع استيراد المنتجات الطاقية الروسية، سينعكس ذلك بلا شك على أسعار النفط مجددا . * هل ترون بأن شدة التأثر بالسياق العالمي مرده عدم وجود إستراتيجية وطنية للحد من التبعية ؟ ** من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد الوطني بشكل مباشر بالأزمات العالمية، التي كانت لها انعكاسات قاسية على أدائه وعلى نسبة التضخم و الأسعار، بالنظر إلى الاعتماد الكبير للمغرب على الاستيراد لتلبية حاجياته من المواد الغذائية الأساسية والتبعية الطاقية للخارج، إذ ارتفعت فاتورة مشتريات المغرب من الغذاء بنسبة 44.9 % في 2022 لتصل إلى 86.72 مليار درهم مقابل 59.86 في المائة سنة 2021، مدفوعة بارتفاع واردات القمح و الحبوب بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار على المستوى الدولي، كما ارتفعت الفاتورة الطاقية لتصل إلى 153.5 مليار درهم بزيادة قدرها 102% بالمقارنة مع سنة 2022 . كما تأثر الاقتصاد المغربي سلبا بتوالي سنوات الجفاف وانعكاساتها على إنتاج المحاصيل، إذ لم يتجاوز الإنتاج الوطني من الحبوب في 2022، عتبة 34 مليون طن بانخفاض قدره 67 في المائة، وانعكاس ذلك على نمو الناتج الداخلي الخام، وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية القوية على مختلف المستويات، إضافة إلى تأثيرات مباشرة للركود الاقتصادي لمنطقة الأورو، التي تعتبر دولها الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، ما أثر بشكل مباشر على نمو الطلب الخارجي واستفحال عجز الميزان التجاري الذي ارتفع بنسبة 56% في 2022، وانهيار النمو الذي لم يتجاوز نسبة 1.5 في المائة. توالي الضربات لرسم صورة عامة للوضع الراهن تجدر الإشارة إلى أن التضخم بلغ مستويات غير مسبوقة، إذ أنهى الاقتصاد سنة 2022 على وقع ارتفاع من 6.6 في المائة، وارتفع مؤشر أسعار المواد الغذائية بـ11 في المائة، وهي أرقام تبين الوضعية الصعبة التي تجتازها البلاد، في سياق أزمة اقتصادية دولية، تتميز بحالة شك و لا يقين جراء تعدد الضربات بدءا من جائحة كورونا وتبعاتها السلبية التي تحتاج إلى سنوات طويلة للتعافي، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها الهائلة على سلاسل التوريد والإنتاج العالمية والارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية، ومع توالي مواسم الجفاف وجود عدة عوامل ذاتية أخرى من قبيل الاحتكار والمضاربات، التي زادت من استفحال الأزمة وعمقت مستويات التضخم والغلاء، ما أدى إلى تأزم الوضعية الاجتماعية، التي وسعت دائرة الهشاشة والفقر، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي تشير إلى ارتفاع عدد المغاربة الذين انضموا إلى لائحة الفقر بـ 3 ملايين و200 ألف شخص إضافي، ما يساوي فقدان سبع سنوات من التقدم المحرز في جهود القضاء على الهشاشة. إجراءات للحد من التضخم ** قامت الحكومة بمجموعة من التدخلات والإجراءات للحد من تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين وللحفاظ على استقرار أسعار مجموعة من المواد الأساسية، وفق ثلاث مستويات شملت الزيادة في مخصصات صندوق المقاصة من 16 مليار درهم إلى 32 مليار درهم سنة 2022، قصد الحفاظ على أسعار القمح والسكر وغاز البوتان في مستوياتها العادية، ودعم المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بـ 5 ملايير درهم للحفاظ على الأسعار وضمان استمرار أداء مهامه، في ظل ارتفاع تكلفة المواد الأولية التي يستعملها من 20 مليار درهم إلى 40 مليار درهم، وتقديم دعم مباشر لمهنيي النقل بقيمة 4 مليار و 236 مليون درهم على 9 دفعات، قصد الحفاظ على أسعار النقل في أثمانها العادية، ومحاولة تجنيب الاقتصاد الوطني الكلفة المرتفعة للنقل في ظل الارتفاع الكبير الذي عرفته سعار الطاقة عالميا. وفي المستوى الثاني، رفعت الحكومة من سعر الفائدة المركزي بنقطة كاملة على مرحلتين لينتقل من 1.5 % إلى 2.5 %، ذلك في أفق التحكم في المعروض المالي داخل السوق الوطنية ، لتخفيف وطأة التضخم، وشراء 15 مليار درهم من سندات الخزينة من السوق الثانوية وفي مستوى ثالث هم المجال الضريبي تم وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على القمح اللين ومشتقاته، ورسم الاستيراد على البذور الزيتية و الزيوت الخام، ورسم الاستيراد المفروض على الأبقار، وتعليق الضريبة على القيمة المضافة على ورادات الأبقار. اختلالات بنيوية في تموين الأسواق ** سجل المرصد عدم امتلاك الحكومة لأي رؤية في ما يتعلق بمعالجة و إصلاح الاختلالات البنيوية التي تعانيها بنية ومنظومة تموين الأسواق الوطنية بمختلف المنتجات والمواد، إضافة إلى غياب الإرادة لمحاربة الاحتكار والمضاربة، خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية، رغم إقرار أعضائها ومكوناتها بوجودها ومسؤوليتها في تأزيم الوضع . كما امتنعت الحكومة عن معالجة إشكال الاحتكار وتغاضت عن تحذيرات تقارير رسمية، خاصة التقرير الصادر عن مجلس المنافسة، الذي أكد بشكل واضح على خضوع سوق المحروقات للاحتكار، إضافة إلى غياب رؤية استباقية في إيجاد الحلول للأزمات، والتماطل غير المبرر في منع استفحال أزمة غلاء الأسعار خاصة المواد الغذائية المرتبطة بالمجال الفلاحي، ذلك أن الأزمة المتعلقة باللحوم والحليب طرحت على طاولة الحكومة منذ أكثر من سنة، لكن القطاعات الحكومية المعنية عطلت مسار التوصل للحل إلى أن استفحلت الأزمة وطالت آثارها القدرة الشرائية للمواطنين. كما تجدر الإشارة إلى غياب أي تصور حكومي لإصلاح منظومة تسويق المنتجات الغذائية، ومساراتها، التي تشهد فوضى ريعية، نتج عنها بروز هوامش ربح متكررة سواء في مرحلة الإنتاج أو في مرحلة الوصول إلى أسواق الجملة، التي تعرف منظومة تدبيرها تغلغل الريع للفضاءات والمناطق المخصصة للبيع ما زاد في استفحال أزمة غلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية في الصميم. وترددت الحكومة كثيرا في إعادة صياغة الخريطة الزراعية، بما يتوافق والحاجيات الأساسية للمغاربة من الزراعات الإستراتيجية، المتعلقة أساسا بالحبوب والنباتات الزيتية ، بما يحصن الأمن الغذائي الوطني، مقابل التشبث بالزراعات التسويقية التي تستهدف التصدير. غموض التفسيرات الحكومية ** لم تسرع الحكومة خطوات الانتقال نحو الطاقات المتجددة، بما يضمن الأمن الطاقي المغربي، ويخفف من الفاتورة الطاقية المرتفعة، ويحصن الإنتاج الوطني من التبعية الطاقية للخارج، ويجنبه التقلبات الناتجة عن التوترات والاختلالات الطارئة في أسواق الطاقة العالمية وانعكاساتها المباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين. كما سجل المرصد ضعف التوجيه الضريبي للحكومة، ليشمل تقوية القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال وقف استيفاء مجموعة من الضرائب التي تخضع لها مجمل المنتجات الغذائية الأساسية خلال مرحلة البيع ، خاصة في ظل الأزمة الحالية، مع وجود توجيه غير متكافئ للمخصصات المالية المحصلة من المداخل الضريبية الاستثنائية لـ 2022، التي تجاوزت 36 مليار درهم، في اتجاه القطاعات والفئات الأكثر قدرة على الصمود على حساب الفئات الهشة والطبقات المتوسطة. كما غاب الزخم اللازم في مراقبة وتتبع للأسواق الوطنية والسهر على تجنب الزيادات غير المبررة في الأسعار، خاصة المواد الغذائية الأساسية، وافتقدت الحكومة الآلية المؤسساتية لمراقبة مجلس المنافسة وتعطيل أدوارها بغياب النصوص التطبيقية المؤطرة لمجال تدخلها و عملها، في ظل ضعف التواصل وغموض التفسيرات المقدمة من قبل الحكومة و أعضائها. في سطور * من مواليد 10 يونيو 1981 بآسفي * متزوج وأب لطفلين * نائب رئيس مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني * منسق البرامج داخل مرصد العمل الحكومي . * مستشار سابق في ديوان وزير التشغيل و التكوين المهني * مستشار في التشغيل داخل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات.

أعطاب في آليات مراقبة الأسعار

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تعزيز بنيات التكوين بإقليم فاس

تطوير مشروع المؤسسة المندمج

مقالات ذات صلة